السمة البارزة لطبيعة سباق الانتخابات العراقية التي تجرى غداً لا تختلف عما كانته في انتخابات أوائل العام الحالي، اي انها تبقى رهن الاصطفافات على أساس الدين أو الطائفة أو القومية. لكن الاستثناءات تبدو أكثر وضوحاً هذه المرة، مع زيادة عدد الكيانات السياسية المتنافسة في السباق الحالي التي بلغت 307 كياناً رغم أن حقيقة المعركة تدور بين نحو 19 ائتلافاً انتخابياً كبيراً ومتوسط الحجم. ومع هذه الأعداد المتسعة للقوائم المتنافسة التي تضم نحو 7000 مرشحاً فإن الشيء الواضح هو تعدد الرؤى واختلافها بين المتنافسين، وتنوع البرامج التي طرحتها القوى المتنافسة للتأثير في الناخبين الذين لا يزال معظمهم تحت سطوة عامل الانتماء. إلا أن القاسم المشترك هو أن الجميع يريد أن يضمن له موقع قدم، مهما كان حجمه، في البرلمان المقبل ليساهم في صياغة أو إعادة صياغة قوانين وسياسات تسير شؤون البلاد والمجتمع خلال المرحلة المقبلة أو على الأقل خلال عمر البرلمان الافتراضي أي لأربعة سنوات مقبلة. تشير القراءة المسبقة لخريطة البرلمان المقبل بوضوح، ومنذ الآن، الى أنه لا توجد قوة قادرة بمفردها على قيادة دفة الحكم في البلاد مهما كان حجم التحالف الانتخابي الذي تعقده، وبالتالي لا يتوقع لأي تحالف انتخابي أن يحصد كما حصل في الانتخابات السابقة نصف مقاعد البرلمان المقبل. من هنا لا تبدو تحالفات ما قبل الانتخابات نهاية المطاف بل سيشهد البرلمان بعد انتخابه نشاطاً واسعاً لإيجاد صيغ من التكتل بين القوائم والقوى التي تتمكن من دخوله. والتصور الرئيسي لهذا التوقع يعود لسببين رئيسيين، الأول تعديلات جرت على قانون الانتخابات والذي تجلت خصوصاً بتقسيم العراق إلى دوائر انتخابية بعدد محافظاته وعدد الذين يحق لهم الانتخاب في كل محافظة. والسبب الثاني، ينبع من أن أغلب القوى السياسية والتي تمثل كل مكونات وشرائح المجتمع العراقي دخلت حلبة المنافسة، وبالتالي لم يعد هناك من يدعي انه مغيب أو غائب عن هذه الانتخابات. وارتباطاً بهذا وذاك، أصبحت فرصة تمثيل كل مكونات المجتمع العراقي في البرلمان المقبل أمراً واقعياً وذلك بحسب وزنهم وثقلهم داخل المجتمع. بمعنى انه إذا كان السنة العرب اشتكوا من انهم لم يكونوا ممثلين في الجمعية الوطنية الموقتة على نحو ينسجم وثقلهم، وبالتالي فإن تلك الجمعية لم يكن فيها التمثيل متوازناً، وهذا صحيح بغض النظر عن الأسباب التي أدت إليه، فإن النظام الانتخابي الجديد القائم على تخصيص عدد من المقاعد لكل محافظة من المحافظات بقدر حجمها السكاني سيضمن تمثيلاً أوسع للسنة العرب. كما أن الاقليات التي لم تحظ بالتمثيل الذي كانت تطمح إليه في انتخابات الجمعية الموقتة، فإن الانتخابات المقبلة وفرت للقوى الممثلة لهذه الاقليات الفرصة في أن تحقق بعض ذلك الطموح، اعتماداً على أن النظام الانتخابي الجديد يقوم على أساس اعتماد دائرة انتخابية لكل محافظة، واعتماد المقاعد التعويضية البالغة 45 مقعداً والتي تراعي تخصيص مقاعد للأقليات والقوى الصغيرة الأمر الذي من شأنه أن يعزز الفرص بتمثيل أفضل في البرلمان القادم يتضمن الشمولية والتوازن. يضاف إلى كل ذلك"أن القوى التي خاضت الانتخابات السابقة أو تلك التي لم تشارك فيها استخلصت دروساً وعبرا لا بد أن تعكس نفسها في الممارسة الانتخابية الحالية، والأهم من ذلك أن الناخب العراقي أصبحت له تجربة وقدرة على التمييز، وهو ينشد برامج سياسية اقتصادية يمكن تطبيقها على ارض الواقع على رغم استمرار انشداده الى مسألة الانتماء الديني والمذهبي والقومي. وهذا ما جعل التنافس يأخذ شكله الحاد بين القوى الليبرالية والديمقراطية من جانب والقوى الإسلامية من جانب آخر. وفي ضوء هذه الاعتبارات فإن خريطة القوى في البرلمان الجديد ستشهد تغيراً ملحوظاً، وربما كبيراً. ويمكن التوقع منذ الآن أن الائتلاف العراقي الموحد الذي سيبقى الكتلة الأكبر في البرلمان لن يستطيع أن يحصد عدد المقاعد نفسه كما في الانتخابات السابقة، وكل التوقعات تشير إلى أن الائتلاف العراقي الموحد ستراوح حصته في عدد المقاعد في البرلمان المقبل ما بين 105 و115. وتوقعنا ونبني في هذا الصدد أن كتلة الائتلاف يمكن أن تحصد ما نسبته نحو 80 % من عدد المقاعد المخصصة لمحافظات الفرات الأوسط والجنوبية وهي بابل 11 مقعد، البصرة 16 مقعد، كربلاء 6 مقاعد، ميسان 7 مقاعد، المثنى 5 مقاعد، النجف 8 مقاعد، القادسية 8 مقاعد، ذي قار 12 مقعد، واسط 8 مقاعد والأحزاب أي 64 مقعداً من اصل 81 مقعد مخصصة لهذه المحافظات. بينما ممكن أن تحصل في بغداد ما بين 20 إلى 25 مقعد من اصل 59 مقعدا مخصصة لبغداد. فيما يتوقع أن تحصل قائمة الائتلاف من محافظة صلاح الدين على مقعدين من اصل 8 مقاعد مخصصة لهذه المحافظة ومقعدين من اصل 9 مقاعد مخصصة لمحافظة كركوك، وما بين 3 إلى 4 في محافظة ديالى من اصل 10 مقاعد، أما في محافظة نينوى يمكن أن يحظى الائتلاف ما بين مقعد أو مقعدين. ويضاف لحصته ما يحصله من المقاعد التعويضية والبالغة 45 مقعداً والتي سيحصل عليها نتيجة احتساب أصوات الناخبين في خارج العراق وكذلك مجموع الأصوات التي نالها في مجموع محافظاتالعراق والتي لم ينل عليها مقاعد ، فضلا عما يحوزه بموجب ثقله البرلماني من المقاعد الفائضة التي لم يجر توزيعها. علماً أنه لن تحتسب أصوات المقترعين خارج العراق في العملية الحسابية لمقاعد الكيانات السياسية للمحافظات، ولكنها ستضاف إلى أصوات المقترعين داخل العراق لتحديد تقسيم المقاعد التعويضية لمجلس النواب بموجب المادة 19 من قانون الانتخابات والأنظمة الصادرة عن المفوضية. في حين يتوقع أن يحافظ التحالف الكردستاني على موقعه السابق ويبقى الكتلة الثانية من حيث الوزن في البرلمان القادم لكن من المتوقع أن تكون حصته من عدد المقاعد ما بين 55 و 60 مقعداً. وحسابنا لحصة مقاعد التحالف الكردستاني مبنية على أساس أن التحالف الكردستاني سيحصد حصة المحافظات الكردية الثلاث كاملة والبالغة 35 مقعداً السليمانية 15 مقعداً، اربيل 13 مقعداً، دهوك 7 مقعداً. ويلاحظ انه هنا حتى لو حصل الاتحاد الإسلامي الكردستاني على عدد من هذه المقاعد وهي في احسن الأحوال ما بين 3 إلى 4 مقاعد فإن الاتحاد الإسلامي سينضم داخل البرلمان إلى كتلة التحالف الكردستاني، والذي نتوقع أن يحصل ما بين 4 إلى 5 مقاعد من حصة مقاعد كركوك التسعة، بينما ستكون حصته من عدد مقاعد محافظة نينوى والبالغة 19 نحو ستة مقاعد، ونتوقع أن يحصل على مقعد أو مقعدين في محافظة ديالى، وربما مقعد في محافظة صلاح الدين. أما حصته من مقاعد بغداد ربما تتراوح ما بين 3 إلى 4 مقاعد. بينما سيحصل على باقي حصته من المقاعد عن طريق المقاعد التعويضية. ويتوقع أن تبقى القائمة العراقية الوطنية الكتلة الثالثة في البرلمان المقبل وتحصل ما بين 45 و 50 مقعداً، ونتوقع أن تحصل هذه القائمة ما بين 15 إلى 20 مقعداً في بغداد وحدها، وتحصل على 10 إلى 12 مقعداً من محافظات الفرات الأوسط وجنوب العراق، أما من المحافظات نينوى وصلاح الدين والانبار وكركوك فلا نتوقع أن تحصل هذه القائمة اكثر من 5 مقاعد، وان نصيباً كبيراً ستحصله القائمة العراقية من المقاعد التعويضية حيث نتوقع أن تحصل على نسبة كبيرة من أصوات ناخبي الخارج فضلا عن مجموع الأصوات التي تنالها في مجموع محافظاتالعراق والتي لم تنل عليها مقاعد ، والمتابعة للمعطيات على الأرض تعطي الانطباع إنها ستكون كبيرة. ويتوقع أن تحصل مجموع الأحزاب والقوى الممثلة للسنة العرب نحو 50 مقعداً، غير انه بسبب تشتت هذه القوى فلا يتوقع أن تكسب المزيد من المقاعد عن طريق المقاعد التعويضية التي ستتقاسم المتبقي منها بعد توزيع عدد منها يتراوح ما بين 10 إلى 20 مقعداً على الاقليات والأحزاب الصغيرة الكتل الثلاث الرئيسية أي الائتلاف العراقي والتحالف الكردستاني والقائمة العراقية الوطنية. وفي حال انحسار عدد القوى والأحزاب الصغيرة في الحصول على مقاعد منفردة، فإن ذلك سيخدم الكتل الثلاث الرئيسية. * كاتب وصحافي عراقي.