سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المواقف المبدئية من المواثيق الانسانية لا تلغي الالتزامات بمبادئ التحالف الدولي ضد الارهاب . رايس نجحت في احتواء الفضيحة في اوروبا ... والتعتيم عليها خارج القارة
يبدو ان وزيرة الخارجية الأميركية وفقت، في جولتها الأوروبية الأخيرة، في تحويل قضية رحلات الاستخبارات والسجون السرية التي شغلت الرأي العام الأوروبي الى"اللاقضية"بعد التفهم الواسع الذي لقيته لدى نظرائها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. واختارت الوزيرة اسلوب الصراحة وراء ابواب مغلقة حول طاولة عشاء في بروكسيل الاسبوع الماضي للرد على الاستفسارات الأوروبية في شأن مئات الرحلات السرية التي نظمتها وكالة الاستخبارات الأميركية سي آي ايه في اجواء الاتحاد الأوروبي ومطاراته. وتشير تقارير صحافية الى ان هذه الرحلات نقلت مئات المعتقلين لاستجوابهم خارج الولاياتالمتحدة، والى وجود معتقلات سرية تحت سيطرة الاستخبارات الأميركية داخل الاتحاد الأوروبي خصوصاً في بولندا، وفي رومانيا المرشحة لعضوية الاتحاد. وكانت الوزيرة الأميركية استبقت سفرها الى اوروبا بتحديد هوامش النقاش مع نظرائها الأوروبيين الذين كان بعضهم يتعرض لضغط الرأي العام، خصوصاً في المانيا والبلدان الاسكندينافية، حول حقيقة الرحلات السرية واعتقال المشتبهين في سجون سرية في بلدان يسهل التعذيب فيها من دون رقابة، او اعتقال بعضهم مثلما حدث للمواطن الالماني اللبناني الأصل خالد المصري. وعلى عكس النقاشات الصعبة التي توقعها بعضهم، فان المحادثات في العواصم التي زارتها رايس تضمنن مقارعة الأدلة والمسؤوليات ومعادلات احترام قواعد دولة القانون من جهة ومكافحة الارهاب من جهة اخرى. وأوضح مصدر ديبلوماسي ان الوزيرة الأميركية انتقدت، خلال العشاء مع نظرائها في الاتحاد في بروكسيل، اسلوب الحكومات الأوروبية في معالجة المسألة، والذي وصل حد النفاق. فعلى مدى أكثر من اسبوع ملأت قضية الرحلات والسجون السرية صفحات الجرائد ونشرات الأخبار وتنافس السياسيون في طلب التفسيرات الأميركية، ودعا البرلمان الأوروبي الى تشكيل لجنة تحقيق في القضية، على رغم ان"الرحلات تمت بعلم السلطات الأوروبية"، بحسب ما ذكرت الوزيرة الأميركية نظراءها الأوروبيين. وأكدت رايس، في اليوم التالي على هامش اجتماعات حلف شمال الأطلسي، ان الولاياتالمتحدة تحترم سيادة الحلفاء والقانون الدولي وان الرحلات تمت"وفق اجراءات الملاحة الجوية وقوانين المطارات الأوروبية". وقد ترضي التأكيدات الرسمية عواصم الاتحاد التي لا ترغب في فتح ازمة جديدة مع واشنطن، بعدما تمكنت الى حد ما من ردم الهوة التي اتسعت بسبب الحرب الأميركية - البريطانية على العراق. ووصف وزير الخارجية البلجيكي كال ديغيت النقاشات مع الولاياتالمتحده بال"مرضية"، فيما قال نظيره الفرنسي فيليب دوست بلازي الذي تزعمت بلاده جبهة الرفض ضد الحرب على العراق ان فرنسا"اخذت علما بالموقف الذي شرحته رايس وتنتظر الرد الأميركي على كتاب بعثه وزير الخارجية البريطاني جاك سترو باسم الاتحاد"يطلب فيه توضيح الموقف من التقارير التي نشرتها وسائل الاعلام والتي اثارت قلق الرأي العام. واضاف ان الأوروبيين"تلقوا تطمينات من الجانب الأميركي حول احترام سيادة الحلفاء والالتزامات الدولية التي وردت في اتفاقية جنيف وحظر المعاملات السيئة المحطة بالذات البشرية". ويسفه رضا الحكومات واقتناعها الى حد ما بصواب الشرح الأميركي مواقف المفوضية الأوروبية، خصوصاً مفوض الشؤون الداخلية فرانكو فراتيني الذي ساير الرأي العام وهدد البلدان الأوروبية التي اقامت سجونا سرية باقتراح حرمانها من حق التصويت في نقاشات المجلس الوزاري ذات الصلة بقضايا حقوقية. لكن المواقف المبدئية ازاء المواثيق الانسانية لا تلغي الالتزامات بمبادئ التحالف الدولي ضد الارهاب. وقد استخدمت الوزيرة الأميركية طبيعة العمليات الارهابية لاقناع الشركاء بوجود سباق بين اجهزة الاستخبارات والشبكات الارهابية، وأشارت الى ان الأمر"لا يتعلق بنشاط الجريمة العادية التي تنتظر اجهزة الأمن وقوعها ثم تعتقل المتهمين وتقدمهم الى القضاء". وذكرت بأن الاستخبارات هي السبيل الى تفادي مثل هذه الجرائم، وتقتضي طبيعة العمل الاستخباراتي التكتم والسرية المطلقة"وهو ما يجب شرحه للرأي العام"بحسب رايس التي ابدت من جهة اخرى اقتناعها بضرورة معاقبة"التجاوزات مثلما حدث بعد اكتشاف فضيحة التعذيب في سجن ابو غريب في العراق". لكن المعارضين لهذا الرأي يعتبرون ان التكتم والعمل السري، من دون رقابة المشرع، يسمحان بارتكاب تجاوزات على نطاق واسع تتحول الى سياسة منتظمة. ويشير هؤلاء الى ان جرائم التعذيب في السجون العراقية فاقت حدود التجاوزات من جنود محبطين يجهلون بيئة الشعب العراقي وثقافته، وباتت سياسة منتظمة ومشتركة بين القوات المتعددة الجنسية وبعض الأجهزة العراقية. كما يلفت هؤلاء الى تقارير منتظمة تتحدث عن انتهاك ابسط حقوق الانسان في معسكر غونتانامو في كوبا حيث تعتقل الولاياتالمتحدة مئات من"المقاتلين"، منذ حرب افغانستان، وتنكر عليهم مقتضيات اتفاقيات جنيف على رغم انتقادات الهيئات الانسانية الأميركية والدولية. واذا كانت رايس لم تجد صعوبة في اقناع ممثلي حكومات الحلفاء بان الأمر يتعلق بمكافحة الارهاب مؤكدة بأن"الديموقراطيات العريقة، والولاياتالمتحدة منها، تلتزم قواعد دولة القانون"، وان المعادلة تقتضي في جزئها الآخر"واجب حماية السكان والحاجة الى استخبارات لا يعلم الرأي العام بطبيعة عملها السري". الا ان هناك صعوبة في اقناع قطاعات واسعة مهتمة باحترام حقوق الانسان، حتى ولو كان متهما او مشتبها به، ولا تقبل تغييب السلطات التشريعية والقضائية التي تمتلك صلاحية مراقبة تنفيذ القوانين حتى في مجال الاستخبارات. وقد تكون الوزيرة الأميركية توصلت في نهاية جولتها الأوروبية الى تبديد قلق الحكومات، لكنها لم تبدد الشكوك في شأن ما يتردد، منذ فترة، في تقارير كثيرة عن نقل الولاياتالمتحدة معتقلين لاستجوابهم في سجون سرية اقيمت في بعض البلدان العربية والاسلامية التي لا تتردد في استخدام وسائل التعذيب، وتسمي هذه التقارير بلداناً عربية اضافة الى اوزبكستان وباكستان وافغانستان.