عمر راجح إسم بات له موقعه على الساحة العربيّة في عالمي الرقص المعاصر والمسرح الراقص. وهذا الراقص الذي عمل لفترة مع فرقة كركلا الشهيرة، استقل بتجربته منذ سنوات عدّة، وبدأ يثير الاهتمام عربياً وعالمياً. مؤسس فرقة"مقامات"، مؤلف ومخرج مسرحي، راجح خريج الجامعة اللبنانية - كلية الفنون، وحائز شهادة الدكتوراه من جامعة لندن للرقص المعاصر. رقص مع فرقة كركلا أربع سنوات، وعمل مع العديد من المخرجين البارزين منهم روجيه عساف وجنى الحسن. حائز جائزة افضل تقنية مسرحية في"ايام قرطاج المسرحية"عن عرض"حرب عَ البلكون". وشارك في تجارب عدّة في لبنان، المانيا، فرنسا، اسبانيا، مصر وتونس. بعد تخرُّجه من لندن، واطلاعه على التجارب المسرحية والراقصة في الغرب، عاد عمر راجح الى لبنان محملاً بمشاريع تأسيسية في مجال المسرح الراقص. وبعد كركلا، جمع عدداً من الفنانين الشباب، من ممثلين وراقصين، ومعظمهم كان بعيداً عن الاحتراف، وقدّم معهم مسرحية"بيروت صفرا"التي أثارت الاهتمام وعرضت لاحقاً في أكثر من مهرجان عربي وعالمي... هكذا تشكلت نواة فرقة"مقامات"، بعد النجاح التي حققته المسرحية والتي اعتبرت آنذاك بداية ظهور مسرح راقص في لبنان. تأسّست"مقامات"بشكل عفوي في العام 2002، وسعت منذ انطلاقتها الى سدِّ الفراغ الذي تعاني منه الساحة اللبنانية. يقول عمر:"أسسنا فرقة شبابية معاصرة معظمها من الطلاب الجامعيين، ووُلِدَ ذلك الاندفاع بعد انجذابنا للحركة المسرحيّة العالميّة. لم انتق راقصين محترفين بل اعتمدت ممثلين معظمهم لم يكن تخرج بعد، ليبتكروا المشهد ويوصلوا حساسيتهم الجديدة الى الجمهور". ويضيف:"فرقتنا تعمل على ثلاث محاور. العمل الابداعي ومواكبة العصر - مشروع صفر project zero الذي يهدف الى تقديم الدعم والمساعدة الى التلاميذ الجدد في مجالنا، عبر اعطاء الارشادات والملاحظات التقنية من دون التدخل في التركيبة الأساسية - اقامة ورش عمل ولقاءات شهرية في الجامعات والمدارس للتعريف بالرقص المعاصر". وقدّمت الفرقة أعمالاً عدّة: بعد تجربة أولى مع"بيروت صفرا"2002، جاء عرض"حرب عَ البلكون"2003، ليرسّخ حضورها في مجال المسرح العربي الراقص. كما شاركت في"مهرجان القاهرة التجريبي""أيام قرطاج المسرحية"،"مهرجان برلين المسرحي". تقوم أعمال راجح على أساس الارتجال. وفي هذا السياق يقول:"اضع تصوراً عاماً، وبعض الأسس والمنطلقات والأفكار والاقتراحات... وفي التمارين نحاول ان نطورها. العرض يبنى في البروفا". ويعترف بأنّه يستفيد كثيراً من الطاقات الشبابية التي تضمّها الفرقة، فعُروضه بحاجة الى قوة بدنية هائلة وقدرة على خلق الانفعالات. وهذا ما يميَّز لوحاته الراقصة النابضة، القاسية، المليئة بالحركة. "بيروت صفرا"تتناول مشاكل الشباب ومعاناتهم في مجتمعنا. والذريعة محاولة لكتابة رواية عن انتحار فتاة. يقابل الكاتب اربعة أشخاص، لكل منهم روايته عن الحادثة، ومن خلالها يحكي عن انتحاره هو. اما في"حرب عَ البلكون"، فيحاول راجح ان يرسم بانوراما للحرب الاهلية وتأثيراتها، من وجهة نظر جيل ما بعد الحرب. هكذا كسر ما قدمه في"بيروت صفرا"التي كانت قطعة حميمية ومبنية على بعض الهواجس... بل اشتغل بالمنطق نفسه، إنما بشكل استعراضي. وتعمق أكثر في العمل على الممثل لاظهار الحالات النفسية المتعددة. وتعمل"مقامات"على خلق الفكرة وبلورتها وتطويرها حتى تصل الى الجمهور بطريقة صدامية، بمعنى ان تجعل اللحظة المشهدية قاسية جداً، تحمل الكثير من العنف والطاقة والثورة والأسى ووجع الجسد. ويعتبر راجح نفسه ضد المسرح الخطابي ومسرح النص المكثَّف. بل انه منحاز للنص الذي يخدم الجسد:"ان الجسد هو قالب اللغة. في كثير من المشاهد لا تستطيع ان تستعيض عن الكلمة بالجسد، لكن هذا الأخير يفتح أحياناً آفاقاً أوسع وأكبر للعلاقة بين المرسل والمتلقي. النص في مسرحياتي لخدمة المسرحية وتوضيح حركات الجسد". ويرى بعض النقاد في هذا المبدأ، الحجر الأساس في مشروع فرقة"مقامات"التي تعمل ضدّ الرائج والاستهلاكي، وتطمح الى تقديم فن معاصر من دون الاعتماد بشكل دائم على الكلمة. وفي العام 2004 نظّم عمر راجح أوّل مهرجان عربي للرقص المعاصر في بيروت."مهرجان الرقص الدولي"عمل على إفساح المجال امام الجمهور اللبناني لمشاهدة العروض الغربية المعاصرة، والعمل على خلق تواصل مع مدارس الرقص الأجنبية للاستفادة من الخبرات والأفكار الجديدة. ويستعد راجح قريباً لاطلاق الدورة الثانية من مهرجانه، ويتضمّن عرضاً جديداً من تأليفه واخراجه. وعن آلية عمل الفرقة يقول:"ليس هناك اي معاشات او مردود مالي للفرقة. ما يجمعنا هو الاندفاع والحماسة لتأسيس نمط محترف عبر التمرين اليومي، وتقديم عروض بشكل متواصل". وتواجه التجربة مصاعب عدّة، أبرزها عدم توافر قاعة للتمارين اليوميّة، إلا أن"مسرح مونو"يسمح لراجح ورفاقه باستعمال صالته كلما سمحت الظروف.