يعقد وزراء دول منظمة الدول المصدرة للنفط"أوبك"اجتماعهم الأخير لهذا العام في الكويت منتصف هذا الأسبوع وسط جو ودي مريح، خصوصاً مع بقاء أسعار النفط ضمن معدلات عادلة ومقبولة من قبل كل من المستهلكين والمنتجين. فالأسواق النفطية"مشبعة"بالنفط الخام ولا خوف من حدوث ارتفاعات حادة في الأسعار. ويتوقع أن يكون جو المؤتمر تشاورياً والنقاش مركزاً على السنة المقبلة وكيفية التعامل مع حصص الإنتاج وتعديلها وتخفيضها إذا بقي أداء الأسواق النفطية على حاله. ولكن"أوبك"تمتلك من الخبرات والتجارب ما يمكنها من اتخاذ القرار الضروري المناسب. ومع نهاية العام الحالي هناك قناعة لدى الجميع، وهي أن أداء"أوبك"طوال العام الجاري والماضي، كان أداء راقياً وممتازاً على جميع المستويات، وبشهادة جميع الدول المستهلكة للنفط، خصوصاً الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. واستطاعت المنظمة فعلاً كسب ثقة الجميع في مجال النفط والطاقة بعد أكثر من 25 عاماً على انشائها. لقد تميز أداء المنظمة، وخصوصاً في العام الجاري بالقدرة على متابعة ورصد تطورات الأسواق والأسعار عن كثب وبصورة منتظمة، في محاولة للجم أسعار النفط واستقرارها. وكذلك تميزت المنظمة مؤخراً باتصالها المباشر بالدول المستهلكة للنفط والمنظمات العالمية الأخرى، خصوصاً وكالة الطاقة الدولية للتعرف على الأرقام المتعلقة بكميات ومعدلات الطلب العالمي على النفط، ومن ثم تحديد مواقفها وكيفية التعامل مع أحدث المستجدات في الأسواق النفطية، ومنها للوصول الى القرار الصحيح. كما استطاعت"أوبك"خلال العام الجاري، أن تثبت وتؤكد للعالم وللدول المستهلكة للنفط بأن هدفها الأساسي هو استقرار أسعار النفط، والمحافظة على نمو الاقتصاد العالمي، والتأكيد على أن أي ضرر في الاقتصاد العالمي هو ضرر لدول المنظمة، وان الارتفاعات الحادة في أسعار النفط ليست لصالح المنظمة ولا لصالح الدول المستهلكة للنفط . يشار الى أن معدل 70 دولاراً للبرميل لم يكن سعراً مناسباً للنفط، لا للمنتجين ولا للمستهلكين . وأعربت المنظمة عن عدم ارتياحها لهذا السعر بضخ كميات أكبر وبزيادة الإنتاج الى أعلى معدل في تاريخ المنظمة، إذ وصل الى نحو 30.3 مليون برميل يومياً. وأدت هذه السياسة في ضخ نفط أكثر من الطلب ، إلى خفض الأسعار الى نحو 50 دولاراً . من خلال هذه التجارب وغيرها، أثبتت"أوبك"قدرتها على التعامل مع الأزمات النفطية. وخير دليل على ذلك طريقة تعاملها مع إعصاري"كاترينا"و"ريتا"اللذين ضربا الولاياتالمتحدة في الخريف الماضي وأديا الى فقدان منشآت و مصافي تكرير وطاقة إنتاجية تقدر بأكثر من مليون برميل في اليوم. الا ان المنظمة زودت الولاياتالمتحدة بكميات كافية من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة ساهمت بمنع حدوث إي عجز أو توقف في الإمدادات النفطية للولايات المتحدة، فكانت وقفة جريئة هدأت من تخوف الدول المستهلكة للنفط من حدوث أزمة، بل كارثة نفطية. وحققت المنظمة مصداقية في تعاملها مع جميع الدول المستهلكة وحصلت، وللمرة الاولى على الثناء والشكر والترحيب، وتغيير في لهجة ولغة التعامل معها من أكبر دولة مستهلكة للنفط، سواء من قبل الرئيس الأميركي أو من وزير الطاقة، خصوصاً حول دور المنظمة في العمل على استقرار الأسعار وفي مساعدتها خلال فترة الأعاصير. ان الحوار الإيجابي بين الدول المستهلكة ومنظمة"أوبك"سيساعد على استقرار وزيادة الاستثمار في النفط، وتحديداً بعد الاعتراف بأن الكميات الاحتياطية المتوافرة في العالم موجودة في دول الشرق الأوسط وبقية دول"أوبك". من هنا تهافت الدول المستهلكة على التعاون والمصارحة مع دول"أوبك"، خصوصاً الخليجية منها، في ما يتعلق بخططها واستراتيجياتها الإنتاجية المستقبلية. أن الأداء المميز لمنظمة"أوبك"أدى، خصوصاً، الى كسب المنظمة ثقة مختلف الأطراف الكثيرة على ساحة الطاقة الدولية، بل ساعد في تجنيب الاقتصاد العالمي أضراراً كبيرة نتيجة النمو غير المسبوق في الولاياتالمتحدة والصين والهند. * كاتب ومحلل نفطي.