هل اتخذ الرئيس السوري بشار الأسد قراراً نهائياً بپ"المواجهة"مع المجتمع الدولي ام انه اتخذ قراراً بپ"الصمود"في حال استمرت الضغوط على سورية ونظامها؟ ان قراءة متأنية للاشارات التي ارسلها الرئيس الأسد في خطابه الشامل في شأن ملفات العراقوفلسطينولبنان وعملية السلام والتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تفيد ان الأسد اتخذ قرارپ"الصمود"لتعبئة الذخيرة السورية ثم الانتقال الى"المقاومة"اذا استمرت الضغوط. ولا شك في ان قول الاسد في صلب الحديث انه"اذا كانت القضية قضية مساومات. يطرحون مشكلة هنا كي يساومونا على اشياء اخرى كالعراق مثلا، ًفليتفضلوا او ليساوموا وليتفاوضوا فوق الطاولة امام شعبنا"، يعطي تفسيراً اساسياً لمنهجية الخطاب السوري. وكأن الرئيس السوري، اراد التذكير بنقاط القوة وپ"الاوراق"التي لدى بلاده وپ"المخاطر"التي تهدد الشرق الاوسط والعالم في حال حصول انهيار في سورية. ويمكن القول ان وراء الخطاب الحماسي واللهجة الصارمة والعقائدية الكثير من الرسائل المعتدلة خصوصاً في شأن ملفي العراقوفلسطين والتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري"اذا كان الهدف كشف الحقيقة". كان الانتقاد حاداً للرئيس فؤاد السنيورة بوصفه"عبداً مأموراً لعبد مأمور"مع تحذير من ان لبنان بات"مصنعاً"وليس ممراً فقط لپ"المؤامرات"على سورية، ذلك على خلفية وجود اعتقاد رسمي سوري بأن التحقيق باغتيال الحريري حالياً وموضوع الانسحاب من لبنان سابقاً، استخدما في شكل اساسي"اداة سياسية"لتقليل الخيارات امام صانع القرار السوري. وكان آخر الحلقات في ذلك طلب ميليس استجواب ستة من المسؤولين السوريين الكبار في"مونتيفيردي"قرب بيروت. وقد استند ميليس الى الفقرة ج في المادة 11 في القرار 1636 كي يطلب استجوابهم في لبنان وان يعطي مهلة بين 3 و10 الجاري لارسالهم الى التحقيق. لكن الجانب السوري قدم، من وجهة نظره، تنازلاً كبيراً بأن وافق لاحقاً على حصول استجواب الستة في القاهرة او حتى في فيينا او جنيف. وفيما علل ميليس رفضه الاستجابة لأسباب امنية لأنه تلقى"تهديدات جدية"خلال وجوده في سورية في 20 ايلول سبتمبر الماضي ولان القرار 1636 يعطيه صلاحيات تحديد المكان، فان رفض القاضي الالماني عزز قناعة دمشق بأن هدف ميليس"اهانة"مسؤولين سوريين. ثم اضاف الرئيس الأسد الى ذلك سبباً آخر لدى تحذيره من احداث"شرخ في الدولة"او النظام السوري وبين النظام والشعب. وزاد:"لا يجوز ان نتنازل عن شيء يؤدي الى ان يدخل احد الى داخل منزلنا ويحاول اهانتنا من الداخل واللعب بالاستقرار الوطني"قبل ان يضرب مثلاً عن"الاعتداء"على افراد العائلة. ولا شك في ان"الزاوية"التي وضع ميليس الحكومة السورية فيها، كانت احد الاسباب الاساسية وراء خطاب الأسد الداعي الى"الصمود والمقاومة". لكن ونتيجة ادراك دمشق مدى حساسية الامر، حرص الرئيس السوري على التأكيد ان دمشق ستواصل"اللعبة الى الاخير"عبر التأكيد على"التعاون الكامل"واقتراح ضرورة الاتفاق مع فريق التحقيق الدولي على"الآليات القانونية والقضائية"لاستجواب المسؤولين الستة. وبسبب قناعته ان"القضية سياسية وليست جنائية"وان ميليس سيقول في منتصف كانون الاول ديسمبر المقبل ان سورية"لم تتعاون"، راح الاسد يرسل اشارات معتدلة على محطات الضفة الاخرى: العراق، فلسطين، السلام. وفي مقابل اهمال مقصود للحديث عن مفاوضات السلام السورية - الاسرائيلية وتوجيه"تحية الى شعبنا الصامد في الجولان"، اعطى كل الدعم للرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن في مقابل عدم الحديث نصاً عن"حماس"و"الجهاد الاسلامي"وعدم استخدام عبارة"المقاومة"في الموضوع الفلسطيني. وكان لافتاً ان الأسد قال ان بلاده"توافق على ما يوافق عليه الاخوة الفلسطينيون وسترفض حتماً ما يرفضونه"مع تأكيد دعم"الوحدة الوطنية ونضال الشعب الفلسطيني". ولأن دمشق لا تزال تعتقد بأن العراق هو الملف الاساسي للولايات المتحدة الاميركية، بعث الأسد الكثير من المواقف الجديدة سورياً والمنسجمة مع المواقف العربية عموماً. صحيح ان الأسد تحدث عن ضرورة"وضع جدول زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق"، لكن هذا الكلام يكتسب بعداً ايجابياً لدى وضعه في سياق الموقف العربي اولاً وفي سياق ان ذلك يعطي أملاً للعراقيين ويخفف من الارهاب ثانياً. وفي مقابل عدم ذكر كلمة"المقاومة"لدى الحديث عن الجبهة الشرقية لسورية، تقصد ان يقول لپ"الشعب العراقي"من على منبر جامعة دمشق وامام اعلام سورية وبغياب اعلام"البعث"الحاكم:"ندين أي عملية ارهابية تحصل ضد أي مواطن عراقي وتحت أي سبب او عنوان"وان"دم كل مواطن عراقي هو بالنسبة الينا كدم كل مواطن سوري"، ذلك في أوضح موقف رسمي سوري من العمليات الارهابية في العراق، لأن موقف دمشق كان يدين العمليات التي تستهدف المدنيين والمؤسسات الدولية. وبعد توجيه بعض الانتقادات، كرر الأسد دعوة الرئيسين جلال طالباني وابراهيم الجعفري الى زيارة سورية لبحث مستقبل العلاقات بين الشعبين واستئناف العلاقات الديبلوماسية، والأهم الاستعداد لپ"التعاون من دون حدود سواء لضبط الحدود او ما هو خلف ضبط الحدود"أي في الداخل العراقي، الامر الذي يقال للمرة الاولى. وعندما توضع هذه الاشارات في سياق الرسائل المعتدلة التي حملها نائب وزير الخارجية وليد المعلم والتعليمات التي صدرت الى السفارات السورية والوزراء السوريين لتبني"معادلة معتدلة جديدة"في الخطابين السياسي والاعلامي، يفهم ان الأسد اختار"الصمود"وتذكير اميركا من دون ان يذكرها بپ"الاوراق"والمواقف المعتدلة مع ترك الباب مفتوحاً باتجاه"المواجهة اذا استمر استهداف سورية مهما فعلنا".