ليس غريباً أن يقترن اسم السينمائي السوري مصطفى العقاد بلقب المخرج العالمي، فهناك مبدعون لا يبحثون عن الأوصاف والألقاب والجوائز، بل ان الألقاب وصفات الشهرة والذيوع هي التي تبحث عنهم، وتلوذ بهم، ومصطفى العقاد من هذا النوع العصي الذي أبدع أفلاماً لا تشبه إلا مبدعها وبالذات فيلم"الرسالة"1976، بنسختيه الإنكليزية، تمثيل أنطوني كوين، وإيرين باباس، والعربية بطولة عبدالله غيث، ومنى واصف، وپ"عمر المختار، أسد الصحراء"1981، تمثيل أنطوني كوين، وأوليفر ريد، ورود ستايغر، وإيرين باباس، ويتناول قضية الشعب الليبي، ونضاله المرير ضد الاحتلال الإيطالي. ولا ننسى الفيلم التسجيلي الذائع الصيت الذي يتمحور حول"قصة حياة جمال عبدالناصر"ومدته أربع ساعات، وباللغة الإنكليزية. غير أن هذا الوثائقي المهم مُنع لسببين أساسيين، الأول، أن الفيلم يتحدث عن تفجير اليهود لسينما"لافون"في القاهرة، والثاني يتطرّق إلى قصف الإسرائيليين باخرة التجسس ليبرتي في البحر الأبيض المتوسط وإتهام المصريين بتنفيذ هذه العملية زوراً وبهتاناً. أما الأفلام الثمانية الأخرى التي لم يُسلّط عليها الضوء كثيراً فهي سلسلة أفلام الرعب"هالووين"التي ساهم فيها كمنتج منفذ تارة، وكممثل تارة أخرى وقد بدأ العمل بها منذ عام 1978 وحتى العام 2002. وقد عزز من خلالها وجوده الفني والتجاري في هوليوود. وحملت هذه الأفلام أسماء وعناوين مثيرة نذكر منها"الكابوس لم ينتهِ بعد"،"موسم الساحرة"،"موعد مع الخوف"،"عودة مايكل مايرز"،"لعنة مايكل مايرز"،"بعد عشرين سنة"وپ"الانبعاث". أحبَّ مصطفى العقاد منذ الصغر عالم السينما الساحر، وأوقد فيه هذا الولع أحد أصدقاء العائلة الذي علمه كيف"يمنتج"الصور، وزرع فيه حب الثقافة البصرية، وعمقها من خلال دعوته إياه لمشاهدة بعض الأفلام المهمة آنذاك. فالمعروف أن العقاد يتحدر من عائلة حلبية فقيرة، فهو من مواليد حلب العام 1935، ولكنه أصر على رغم فقره المدقع، أن يواصل دراسته السينما في الولاياتالمتحدة الأميركية، وقد تحقق هذا الحلم حينما ذهب إلى الولاياتالمتحدة عام 1954، ودرس الفنون المسرحية أولاً في جامعة كاليفورنيا، ثم تخرج فيها عام 1958، ليواصل دراسة تخصصه السينمائي قبل أن يشرع في إخراج أول فيلم روائي طويل عام 1976 بعنوان"الرسالة"، وهو فيلم رائد عن الإسلام يتوجه به إلى الجمهور الغربي. وقد وقفت بعض الدول العربية ومنها مصر ضد عرض الفيلم بحجة ظهور بعض الصحابة فيه. والجدير ذكره أن تربية مصطفى العقاد كانت قاسية جداً، لكنه وصف هذه التربية بالغنية على الصعد الأخلاقية والدينية والبيئية.، ولولا هذه التربية الغنية لما حافظ هذا المبدع على شخصيته القوية التي لم تتزعزع خلال وجوده في أميركا. والغريب أن مصطفى العقاد يعيش حياتين متناقضتين، فحينما يدخل الزائر بيته يجده حاملاً بالمأكولات والأطعمة الحلبية، ناهيك بتمسكه بالموسيقى العربية، وكتب اللغة والدين والتراث. وحينما يخرج العقاد خارج منزله تراه يتصرف كأميركي مئة في المئة. ومع ولعه بالسلوك والآداب الغربية إلا أنه رفض تغيير اسمه كما طلبوا منه مراراً في هوليوود، مركز صناعة النجوم في العالم، فهو آثر أن يظل محتفظاً بهذا الاسم الذي يحمل بين طياته رنيناً عربياً خاصاً لا يمكن التفريط به. ويرى العقاد أن هيمنة الفيلم المصري على السينما العربية متأتية من سهولة اللهجة المصرية، وانتشارها في البلدان العربية. ويرى أن حُب الجمهور هو أغلى عنده بكثير من جوائز الأوسكار. غير أنه يفرّق بين نوعين من المشاهدين، فالنوع الأول بالنسبة اليه هو المشاهد المشارك الذي ينفعل مع الفيلم، أي يضحك، ويبكي، ويتألم، ويتأمل، ويتماهى في بعض شخصيات الفيلم، أي بمعنى المُشاهِد الموضوعي الذي يعوّل عليه كثيراً، ويعمل من أجله، وهناك المُشاهد المتفرج الذي يلج السينما من أجل التسلية المحضة ومن دون المشاركة الوجدانية المنفعلة. ولا يعير العقاد أهمية لهذا النوع من المُشاهد السلبي، لكنه لا ينكر أهمية"التسلية والتشويق"بالنسبة الى المخرج الذي يعرف كيف يُمسك بالجمهور، ويوصل إليه أفكاره من خلال التسلية المقصودة، والتشويق الهادف.