القرار العربي بارسال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الى بغداد، للتحضير لمؤتمر وطني للمصالحة في العراق، أمر بالغ الأهمية. فموسى، صاحب الخبرة الطويلة في السياسة العربية، يعرف مدى صعوبة المهمة الموكلة اليه ومدى دقتها. وعمرو موسى سياسي وديبلوماسي عربي محنك، نجاحه في تنظيم مؤتمر المصالحة في العراق قبل الاتفاق على الدستور، ينطوي على أولوية. فالدستور العراقي، بصيغته الحالية، يشكل سبباً للتفرقة وليس للتوافق، كونه يستبعد فئة أساسية من العراقيين تتمثل بالسنّة. والمعروف أنه عندما استبعد الرئيس العراقي السابق الأطراف غير السنّية، فإنه تسبب باضطراب العراق. والآن وإذا بقي الدستور على حاله، فهذا يؤدي عملياً الى استبعاد السنّة ويدفع العراق نحو المزيد من الاضطراب والمشاكل. المصالحة في العراق ضرورية وبأسرع وقت ممكن. لأن الدستور المطروح حالياً، بدلاً من أن يشكل وثيقة لعقد اجتماعي بين العراقيين، أصبح اتفاقاً سياسياً بين طرفين أساسيين هما الشيعة والأكراد، بهدف استبعاد السنّة. وخطورة الدساتير التي تفرق الشعوب بدلاً من جمعها تكمن في كونها ستؤدي عاجلاً أم آجلاً الى مشكلات سياسية وانقسامات أخطر وأكبر مما هي عليه الآن. والمشكلة الأخرى التي نادراً ما تثار، في ما يتعلق بالعراق، مردها الى وجود خلافات كبيرة داخل صف القوتين الأساسيتين، أي الشيعة والأكراد. فالساحة الكردية تشهد انقسامات كبرى، ورغم الانتخابات التي اجريت في اقليم كردستان في شباط فبراير الماضي، ليس هناك حتى الآن حكومة كردية، نتيجة الخلاف على الصلاحيات والمسؤوليات بين الموالين للرئيس العراقي جلال طالباني والموالين لمسعود بارزاني. وهناك أيضاً داخل الصف الشيعي خلافات بارزة تحولت أحياناً الى مواجهات مسلحة، وهو ما بدا مثلاً في البصرة حيث هناك ما لا يقل عن أربعة أطراف شيعية، هي الفضيلة والدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبدالعزيز الحكيم ومجموعة الصدر. ونشأت بين هؤلاء خلافات مردها الى المصالح المتباينة، واتضح ذلك في البصرة وأيضاً في الديوانية. ورغم ما يشهده العراق من اضطرابات وانقسامات، إضافة الى الأوضاع الأمنية الخطيرة، فإن الرئيس الأميركي جورج بوش لا يحتاج إلا إلى جملة واحدة يضمنها خطاباته الموجهة الى الرأي العام الأميركي. وهي أن العراق سيوافق على الدستور في 15 تشرين الأول/ اكتوبر ويصوّت على انشاء مجلس تشريعي في كانون الأول/ ديسمبر، وبالتالي فإن العراق أصبح ديموقراطياً، وأنه نجح. في المقابل، فإن ما هو قائم في العراق من مشاكل فإنه هو الرئيس بوش بغنىً عنها ولا يريد ذكرها، خصوصاً في ظل الضغوط الداخلية التي يتعرض لها منذ كارثة اعصار كاترينا. وإذا تم الاتفاق على الدستور، والاحتمال كبير بأن يتحقق ذلك، فعندها سيصبح من الصعب جداً تعديله مستقبلاً. ولذا فمن المهم جداً عقد مؤتمر مصالحة قبل فوات الأوان. والمرجو بالتالي أن تنجح المبادرة العربية ومهمة عمرو موسى، كي تزول مخاطر تقسيم العراق وتفتيت دولة عربية كبيرة وغنية، لكنها تحولت الى دولة فقيرة بعد حروب صدام حسين وبعد أخطاء المحتل الأميركي.