التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري قال عن المشتبه بهم ان"افتراض البراءة قائم"، واختتم بهذه العبارة. ما قرأنا حتى الآن هو تحقيق غير مكتمل وأعتذر عن التكرار، ننتظر ان يستمر وان يشمل رؤساء أجهزة الأمن السورية، كما يريد المحقق ديتليف ميليس، ثم نرى ان كان قرار اتهام سيصدر على اساسه، وان كانت محكمة لبنانية او دولية ستقبل به او ترفضه، وان كنا سنرى استئنافاً. هذا التسلسل قد لا يعرفه بعض اللبنانيين، وغالبيتهم لها موقف مسبق من التقرير تأييداً او معارضة، غير انني اجد مستغرباً، او مستهجناً الى درجة الشك في النيات ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا تريد اجتماع وزراء خارجية الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي للضغط على سورية، ولتهديدها بعقوبات. كلنا يريد ان يعرف الحقيقة، وبما انني لا امثل الكل، او الاقلية، فإنني اتحدث عن نفسي فقط، فقد وجدت التقرير الدولي مقنعاً جداً، خصوصاً في رصد المكالمات الهاتفية، وفي اهمية الاتصالات مع القصر الجمهوري اللبناني، ودور احمد عبدالعال والأحباش. كذلك وجدت مقنعاً قول المحقق ميليس ان جريمة اغتيال الرئيس الحريري ما كانت لتتم من دون تواطؤ اجهزة الامن السورية واللبنانية. غير انه كانت هناك في المقابل شهادات زور، من مخبرين كذب بعضهم وغيّر شهادته، ولا يمكن لمحكمة في جريمة قتل تقتضي انتفاء الشك ان تقبل بها. مع ذلك تسارع اميركا وبريطانيا وفرنسا الى تهديد سورية، مما يثبت وجود محاولة لتسييس التقرير، ومما سيلقي ظلالاً من الشك على النتيجة النهائية. كنت اتمنى لو ان الادارة الاميركية الحالية، او أي ادارة سبقتها، أبدت الحماسة نفسها لتنفيذ أي من عشرات القرارات الدولية ضد اسرائيل، بدل ان تؤيد حكومة مجرمي الحرب، وتمدها بالسلاح والمال، ثم تحميها بالفيتو من عشرات القرارات الاخرى في مجلس الامن. أصر على ان نعرف الحقيقة، وأصر على ان يعاقب المجرمون جميعاً كائناً من كانوا، ثم أصر على ان اميركا وفرنسا وبريطانيا تريد سورية لا قتلة رفيق الحريري، لتصفية حسابات اسرائيلية وعراقية وغيرها. الفلسطينيون ليس لهم من ينتصر لقضيتهم، والقرائن من اسرائيل واضحة حيث يستمر الاغتيال والمطاردة والاعتقال وسط صمت اميركي مطبق. بل ان طبيباً فلسطينياً متهماً في ليبيا مع خمس ممرضات بلغاريات بتلويث اطفال ليبيين بالايدز لا يجد من يدافع عنه، مع ان الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة طالبا ليبيا بالإفراج عن الممرضات. كما ان الرئيس البلغاري جورجي بارفانوف بحث في قضية الممرضات مع الرئيس بوش في واشنطن هذا الاسبوع. وأقرأ ان الادارة الاميركية تريد لسورية ان تتبع المثال الليبي، فيبقى ان يجد الرئيس بشار الأسد خمس ممرضات بلغاريات وطبيباً فلسطينياً يعتقلهم ثم يرفض اطلاقهم. قلت ان العقيد معمر القذافي ليس مثالاً يحتذى وأيدتني كل رسالة تلقيتها من القراء باستثناء واحدة. وأقول اليوم ان الولاياتالمتحدة، في ولايتي جورج بوش الاولى والثانية، ليست مثالاً يحتذى. طالما اننا في موسم تنفيذ قرارات الاممالمتحدة فإنني اذكر الادارة الاميركية بأن القرار 1441 لم يعطها حق شن حرب على العراق، بل كان يفترض انه اذا وجد صدام حسين في حال انتهاك مادي Material breach للقرار يرجع طلاب الحرب الى مجلس الامن. ونعرف الآن ان صدام حسين لم يكن في حال انتهاك مادي للقرار 1441، والولاياتالمتحدة لم تنتهك القرار فقط، بل فعلت على اساس كذبة اسلحة الدمار الشامل. ثم ان الرئيس بوش لا يستطيع اليوم انكار فهم القرار الاول، وهناك كتاب جديد بعنوان"عالم بلا قانون"يقول مؤلفه البروفسور فيليب ساندز نقلاً عن تسجيل مكالمات بين جورج بوش وتوني بلير ان الرئيس الاميركي قال لرئيس الوزراء البريطاني:"ان من المنطق ان نسعى لإصدار قرار ثانٍ، ونحب ان نحصل عليه"الا انه في استعجاله الحرب خشي خداعاً من صدام او اعلان المفتش الدولي هانز بليكس ان العراق يتعاون مع التفتيش، فمن شأن هذا ان يعرقل الحرب. لو ان الحرب لم تقع لبقي ألفا شاب اميركي احياء مع مئة ألف عراقي. وبما ان صدام حسين لم يكن يملك اسلحة دمار شامل او أي برنامج نووي، فإننا نتذكر ان الولاياتالمتحدة لا تزال الدولة الوحيدة التي استخدمت سلاحاً نووياً، وهي استخدمت سلاحاً كيماوياً هو العنصر البرتقالي في فيتنام، اما في حرب الخليج الاولى فقد استخدمت اليورانيوم المستهلك في رؤوس القنابل لأن كثافة معدنه اكبر 1.7 مرة من معدن الرصاص ويستطيع اختراق الدروع، وكان من نتيجة استعمال 320 طناً من هذه الذخيرة انتشار سرطان الدم بين الاطفال، وارتفاع حالات التشويه لدى المواليد. هل سمع القراء ان كتاب البروفسور ساندز ينقل عن المخابرات المسجلة ان الرئيس بوش قال لبلير انه يريد الذهاب الى ابعد من العراق في معالجة موضوع الاسلحة الممنوعة، وذكر المملكة العربية السعودية وباكستان. لا اعرف ما قصد الرئيس بوش، وارجح انه لا يعرف ايضاً، فأكمل بما اعرف، فوزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد زار الصين اخيراً وأبدى قلقه واعتراضه لزيادة الصين انفاقها العسكري. الولاياتالمتحدة تنفق 400 بليون دولار في السنة كمخصصات"دفاع"، وهو رقم يزيد على ما تنفقه بقية العالم مجتمعاً، ثم يعترض رامسفيلد على الصين من دون ان يخطر بفكره ان الصين تنفق خوفاً من حجم الانفاق الاميركي. الموازنة العسكرية الاميركية 400 بليون دولار، وكانت موازنة صدام حسين عندما هاجمت الولاياتالمتحدةالعراق 1.4 بليون دولار، فلا أطلب سوى ان يرحم الله لبنان وسورية وشعبيهما.