مع انهيار الكتلة السوفياتية خسرت الحركات الثورية وحروب الأنصار والعصابات سندها الإيديولوجي، الى حين ظهور الإرهاب الأصولي. ومن غير ايديولوجية، يضعف التعرض الى المخاطر والإقدام على جبهها. ومع نهاية الحرب الباردة، فقدت نماذج الأسلحة التي صممت في سبيل إنزال دمار كبير بعدو ثقيل التسليح، ندها. وكانت حرب كوسوفو، في 1999، الامتحان الذي ابطل المنطق العسكري الساعي في تحطيم قوة عسكرية واقتصادية بواسطة ضربات جوية كاسحة. فكان على الأوروبيين إعمار ما دمره القصف، او تمويل إعماره. والدرس الذي استخلص هو استهداف مراكز سلطة العدو وقيادته وشبكاته، وترك الأداة الاقتصادية في حال تتيح تشغيلها من جديد. ويقول قادة عسكريون اوروبيون انهم يعون اليوم ان المفعول العسكري لا يؤدي الى مفعول سياسي مباشر، وليست القوة الحجة المقنعة. وقد يكون تقييد التدمير حجة اقوى إقناعاً. وينبغي، عليه، ان تكون الأسلحة رادعة وليس مدمرة، وأن تتيح التدرج, وتتناسب وقوة الخصم، ولا تحول دون العودة عن استعمال القوة جراء دمار كبير. ولعل مفهوم"العدو"خسر بعضاً من حدته القاطعة جراء خسارة سنده"الأبدي". والحرب نفسها ضعفت مشروعيتها نظير انحسار سعيها في تدمير دولة العدو، واضطرار اعداء الأمس الى المفاوضة السياسية. ونجم عن تناول الإعلام المصور والمرئي مشاهد الحروب الدامية مباشرة، ومن غير رقابة، صدود الرأي العام ونفوره، وإدانته الخسائر البشرية وضيقه بها، مدنية كانت أو عسكرية. ولكن الرغبة في حرب من غير قتلى، او الحرب"الصفر قتيل"التي اراد الأميركيون بلوغها، غداة فيتنام خصوصاً ثم غداة الصومال في 1993، لم تتحول معياراً مقبولاً وعاماً. ولا ريب في ان ضحايا 11 ايلول سبتمبر مهدوا الطريق الى إذعان الرأي العام الأميركي الى الخسائر بأفغانستان والعراق. ولا يغفل المراقبون عن ان سلاح الدمار الشامل، اليوم، والسبب من الخسائر العظيمة هو المنجل وهو أداة قتل 600 الى 800 ألف رواندي او الكالاشنيكوف. ويأتي وراءهما سلاح الجيوش النظامية في ادنى السلم. ويتفق هذا مع رغبة الجيوش الحديثة في تقليص وقت العمليات"الكثيفة"تفادياً للخسائر الكبيرة والدمار العميم. والأميركيون يذهبون الى ان تفوقاً ساحقاً يضمن النصر هو شرط لا غنى عنه في دخولهم الحرب. والعراق امتحان قاس لهذا المذهب. ويذهب الفرنسيون الى ان التناسب بين الغاية المتوخاة وبين الوسائل المعملة هو المعيار والميزان. ويدعو الى تقييد القوة العسكرية اتخاذ المدن والمدنيين ميداناً للحرب ومسرحاً. فالمدن والسكان هما الترس الذي تتترس به الحركات الإرهابية. والصواريخ الموجهة باللايزر, والأسلحة والذخيرة الدقيقة التصويب، والطائرات المجهزة بعدة إلكترونية من غير طيار، والقنابل الصوتية، والرصاص المطاط، هذه كلها من عدة التكيف مع حرب المدن. عن لوران زاكيني، لوموند الفرنسية، 19/10/2005