أخذ موضوع الاحتياطات البترولية على المستوى العالمي، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية، حيزاً كبيراً من النقاش الإعلامي خلال الأشهر الماضية، حيث ظهرت بعض الآراء التي تدعي أن الإنتاج السعودي والذي يعكس كمية الاحتياط المتوافر للإنتاج وصل إلى مرحلة الذروة وأنه في طريقه إلى الخفض خلال السنوات القادمة. طرح هذا الرأي بشكل خاص السيد ماثيو سيمونز في كتاب صدر في الولاياتالمتحدة بعنوان"أفول في الصحراء"، وادعى فيه أن نحو 90 في المئة من إنتاج البترول السعودي يجري استخراجه من بضعة حقول ضخمة وقديمة، وان مستوى إنتاج أهم تلك الحقول استمر على وتيرة مرتفعة خلال الأعوام الخمسين الماضية، وبواسطة أساليب وتقنيات قد تكون غير مناسبة، وذلك انطلاقاً من رغبة المملكة بأن تكون أكبر وأهم منتج ومصدر للبترول عالمياً. ويدعي سيمونز أن هذه السياسة تؤثر سلباً على إنتاجية الحقول، وتؤدي إلى نضوب الاحتياط خلال فترة زمنية أقصر من المتوقع، كما تشكل كمية كبيرة من البترول الممكن استخراجه من الحقول الرئيسة في المملكة. بمعنى آخر، إن السياسة الإنتاجية المتبعة تقصر العمر الإنتاجي المفترض لتلك الحقول. ويشكك سيمونز في آراء الكثير من المراقبين البتروليين وصناع القرار وعلماء البترول والجيولوجيا السعوديين وغيرهم ، ويدعي أن المملكة لا يمكن أن تحافظ على مستويات إنتاج مستمرة في حدود 10 ملايين برميل يومياً أو أكثر خلال السنوات القادمة. وينبع الادعاء هذا من شكوكه بمستوى الاحتياط البترولي المعلن من جانب المملكة والبالغ 264 بليون برميل. ومن الملاحظ أن نظريات ذروة الإنتاج البترولي تبرز عندما ترتفع أسعار البترول وتزول عند خفض الأسعار. وبالفعل، فقد سعى سيمونز إلى طرح هذه الفكرة منذ أكثر من 15 عاماً، ولكنها لم تكن مقبولة آنذاك ولم تلق أي اهتمام يذكر إلى أن بدأت الأسعار بالارتفاع مؤخراً. والجدير بالذكر أن سيمونز يحمل درجة الماجستير في الادارة المالية، وليس عالماً جيولوجياً او بترولياً، كما أن ليس لديه أي خبرة في التقنيات البترولية كما هو واضح في كتابه. وهو متخصص في القضايا المالية ويترأس شركة للاستثمارات المالية. ومن ثم، فإن فكرته في البداية لم تلاق أي قبول في الأوساط البترولية. وتنعكس خلفية سيمونز غير البترولية في رصد الكثير من الأخطاء الواردة في كتابه، مثل الأسماء والتعريف غير الدقيق لشخصيات بترولية لعبت دوراً مهماً في صناعة السياسة البترولية السعودية. كما يتصف باللامبالاة في البحث، عاكساً بذلك ضعف خلفيته البترولية والتي ترتب عليها ضعف في سرد الوقائع بدقتها وحقيقتها. ويلاحظ أيضاً أن سيمونز يبدي نوعاً من اللاموضوعية. ففي حين أنه يشكك في إحصاءات مهندسي البترول السعوديين حالياً، تجده يشيد في شكل واضح بكفاية المهندسين البتروليين والجيولوجيين العاملين في الشركات الأميركية الأربع التي تولت إدارة ارامكو حتى النصف الأول من السبعينات، معتمداً فقط على أرقام الاحتياط المعلنة من قبلهم آنذاك، من دون الأخذ في الاعتبار أنها قد تغيرت وتقدمت كثيراً عن تلك الأيام. وإضافة إلى كتاب سيمونز، ظهرت مقالات أخرى كثيرة، منها المقالة التي نشرها السيد رفائيل ساندريا في نشرة"ميس"بتاريخ 12 أيلول سبتمبر الماضي، والتي تعالج الموضوع نفسه، ولكنها تفنده وتختلف في استنتاجاتها على أساس أن تقدير الاحتياط العالمي لا يبقى ثابتاً، بل يعتمد على معايير متغيرة تؤثر فيه، مثل الاكتشافات البترولية الجديدة، وتقنيات الاستخراج المتقدمة، إضافة إلى أسعار البترول. فعلى سبيل المقارنة وكما توضح بعض المقالات البترولية، يعتقد مؤيدو نظرية ذروة الإنتاج البترولي أن الاحتياط العالمي المثبت لا يتعدى 2000 بليون برميل، وإن كان هناك بعض الاحتياط غير المكتشف، فهو في تقديرهم يكاد لا يتجاوز 200 بليون برميل. وهذا كما هو معروف، غير كاف لتعويض خفض الإنتاج في الحقول التي بلغت الذروة، وخصوصاً أن إنتاج البترول العالمي خلال العقدين الماضيين قد تجاوز إي إضافات مهمة على الاحتياط. ولمنتقدي هذه النظرية رأي آخر. فهم، استناداً إلى إحصاء الهيئة الجيولوجية الأميركية، يقدرون الاحتياط البترولي العالمي بما لا يقل عن 3000 بلايين برميل على الأقل. واستناداً الى ذلك، وعند الأخذ في الاعتبار استعداد دول منظمة أوبك لرفع طاقتهم الإنتاجية بما يزيد على 50 في المئة، فإن إنتاج البترول العالمي سينمو لعقود مقبلة عدة عقدين أو ثلاثة على الأقل قبل أن يصل إلى مرحلة ذروة الإنتاج والتي تقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية بلوغها بحلول العام 2030. ويعتقد هؤلاء الباحثون بأنه ستطرأ تقنيات جديدة ستحسن من عمليات الإنتاج والإنتاجية وستساهم في خفض نسبة تراجع الإنتاج بما لا يقل عن 4 إلى 6 في المئة، وهذا سيؤدي بالطبع إلى زيادة إنتاج مصادر البترول غير التقليدية مثل رمال الزيت الكندية، ونفوط أورينوكو الفنزويلية الثقيلة، والوقود السائلة الأخرى. وإن هذه التقنيات والتحسينات في عمليات الإنتاج كفيلة بسد الفجوة بين العرض والطلب على البترول. لذا، فهم لا يرون أي انقطاع أو تعثر رئيسي مرتقب في إمدادات الطاقة العالمية. ويشير مقال ساندريا إلى دراسة أعدها كينيث ديفيز، معتمداً في فكرته الأساسية على تطبيق Logistic Decline Model ، أو ما يعرف بنموذج هيوبرت Hubbert Model لتقويم الإنتاج البترولي العالمي والاحتياط المتبقي تبعاً لذلك. واستنتج ديفيز في دراسته هذه أن الإنتاج البترولي العالمي سيصل ذروته عام 2005. ولعل الأهم من ذلك، هو ما تظهره المقالة من إمكان تطبيق نموذج هيوبرت على حقول الإنتاج الضخمة وأكبر ثلاث دول منتجة للبترول أميركا وروسيا والمملكة العربية السعودية، حيث يعتبر أداة علمية يمكن الاعتماد عليها لتقدير الاحتياط في تلك الدول وفي الحقول الضخمة المعروفة عالمياً. والجدير بالذكر هنا أن نموذج هيوبرت استُخدم في الصناعة البترولية منذ أربعينات القرن الماضي كأداة لتقدير احتياطات مكامن البترول. وتكمن أهميته في استناده إلى تحاليل هندسية وجيولوجية تتضمن معايير هامة كالاكتشافات الجديدة، والتغيرات في تقنية الإنتاج، وغير ذلك مما يؤثر على إنتاجية الحقل. كما أنه يستخدم معدل الإنتاج كمعيار أساسي لتقدير الاحتياط المثبت والذي بدوره يعكس الاحتياط المثبت وليس الذي لم يُكتشف بعد. أما على المستوى العالمي، وفي ظل معدلات الإنتاج الحالية، فإن تقديرات ديفيز للاحتياط العالمي تبلغ نحو 2000 بليون برميل، أما ذروة الإنتاج فمن المتوقع أن يتم الوصول إليها في منتصف عام 2006 تاركاً ما مقداره 1000 بليون برميل من الاحتياط المثبت والتي، أبقي على معدلات الإنتاج الحالية عالمياً، تكفي لتغطية الطلب العالمي لفترة السنوات الأربعين المقبلة. وفي نهاية المطاف، فإن موضوع الاحتياط البترولي موضوع علمي بحت، مثل جميع المواضيع العلمية، لا يعرفه ويتابعه ويلم به بشكل دقيق إلا الخبراء في مجال الجيولوجيا البترولية. ولعل الأهم من ذلك أن احتياطات العالم من البترول تتأثر بعوامل عدة قد يكون من أهمها تقنية استكشاف واستخراج البترول. فعلى سبيل المثال، يصل متوسط كمية البترول الممكن استخراجها من الحقول على المستوى العالمي إلى نحو 40 في المئة من كمية البترول الموجودة في مكامن هذه الحقول. وعند تطوير تقنية استخراج البترول، فإن ذلك يرفع من كمية الاحتياط القابل للإنتاج. ولو بلغت نسبة الارتفاع هذه 1 في المئة فإن ذلك يشكل ما يستهلكه العالم في سنة كاملة. ويتضح دور التكنولوجيا في شكل أوسع وأدق عند الحديث عن الاحتياط في بحر الشمال الذي بدأ إنتاجه منذ أوائل السبعينات. فمنذ ذلك الوقت حتى الآن كانت التوقعات أن يصل إنتاج بحر الشمال إلى ذروته خلال خمس أو عشر سنوات، إلا أن الإنتاج مستمر حتى يومنا هذا وكذلك الاكتشافات الجديدة، وإن بكميات أقل من السابق. هذا المثال وغيره يشير إلى أن مثيري قضية ذروة الإنتاج لهم أهداف شخصية أو سياسية أكثر من كونها علمية. ويبدو أن السيد سيمونز هو جزء من حملة سياسية موجهة ضد دور المملكة في الصناعة والسوق البترولية العالمية. وقد بدأت هذه الحملة تأخذ شكلاً واضحاً منذ ست أو سبع سنوات، حيث بدأت بمقالات لبعض الكتّاب الأميركيين في الشؤون البترولية المعروفين بتوجهات سياسية محددة، وليس بموضوعية تحليلاتهم ، والذين ادعوا أن ليس هناك حاجة مستقبلية للبترول العربي عموماً وللبترول السعودي خصوصاً، لأن بترول روسيا وبحر قزوين سيحل محله. وبدأ معهد الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلي، بعد حوادث الحادي عشر من أيلول، يروج لفكرة التوسع في استغلال بترول غرب أفريقيا للاستغناء عن بترول منطقة الخليج. وتلى ذلك بسنتين، وتحديداً في عام 2004، نشر كتاب"النوم مع الشيطان"للسيد روبرت بير، يدعي فيه أن المنشآت البترولية السعودية غير آمنة وأنها عرضة للإرهاب. ولذلك يجب العمل على الاستغناء عن البترول السعودي. ويأتي الآن السيد سيمونز كجزء من هذه الحملة، ولكن من منطلق يحاول فيه أن يكون عملياً، إلا أن من الواضح أنه جزء من الحملة المتواصلة التي تسعى إلى ترسيخ فكرة عدم الوثوق بالسعودية ومنطقة الخليج كمصدر آمن ومستقر للبترول، بل يجب العمل باستمرار للبحث عن بديل لها. ختاماً، ونظراً للتغيرات المستمرة في جوانب العرض والطلب والأسعار ولتكنولوجيا استخراج البترول، فإن من الصعب تحديد فترة معينة لبلوغ ذروة الإنتاج. كما تشير الدراسات أيضاً إلى أن نظام الإمدادات البترولي العالمي يشوبه الكثير من التشابك والتعقيد، ويفتقر إلى الاحصاءات الكافية التي تمكن من تحديد بلوغ ذروة الإنتاج بشكل دقيق. ودائماً ما يفقد معظم مؤيدي نظرية ذروة الإنتاج صدقيتهم، بسبب محاولتهم التنبؤ بزمن معين يصل فيه الإنتاج العالمي إلى ذروته، ليبدأ بعد ذلك في الخفض. * اقتصادية سعودية.