على رغم تيقن معظم العراقيين والمراقبين من أن مصير الرئيس المخلوع صدام حسين سيكون الإعدام، إلا أن بدء محاكمته اليوم والتي وصفت بأنها محاكمة القرن الواحد والعشرين، تثير الترقب والكثير من الأسئلة لأنها تتجاوزه الى محاكمة عقود بكاملها من التوجهات السياسية العراقية وربما العربية، ويتوقع الجميع أن تؤسس لمرحلة جديدة في عراق تتصارع على السلطة فيه الطوائف والمذاهب والأعراق. راجع ص 2 وبعد عامين من القاء القبض عليه في حفرة في مكان قريب من مسقط رأسه في تكريت، يمثل صدام وسبعة من معاونيه، في مقدمهم نائبه طه ياسين رمضان وأخوه غير الشقيق برزان التكريتي أمام محكمة شكلها"التحالف"الأميركي في العراق، والجميع متهم بقتل 140 شيعياً في بلدة الدجيل عام 1982، إثر محاولة اغتيال فاشلة لصدام في هذه البلدة، والمفارقة أن خمسة من المتهمين السبعة مسلمون شيعة. ومثل أي قضية في العراق اليوم، ينظر الى المحاكمة من مواقع مذهبية أو عرقية، فمعظم السُنة يعتبرونها محاكمة للطائفة وانتقاماً شيعياً وكردياً. وهكذا بدا المشهد متناقضاً تماماً بين فرحة جامحة تعم المناطق الشيعية والكردية، وغضب ونقمة في المحافظات السنية خصوصاً في تكريت. الأمين العام ل"الحزب الاسلامي"طارق الهاشمي قال ل"الحياة"ان أخطر ما في موضوع محاكمة صدام هو"ربط هوية وخلفية جرائم هذا الرجل بالسنة". وأضاف ان"أذى صدام وقع على جميع العراقيين ولم يقتصر على الشيعة والأكراد". واعتبر ان"الربط بين الرئيس المتهم والسنة نابع من رغبة بعض الأطراف في تحويل المحاكمة الى محاكمة للسنة". ويشكل تقديم صدام الى محكمة علنية انتصاراً معنوياً ومادياً بكل المقاييس لقادة الكتل السياسية الموجودة في السلطة، خصوصاً الذين خاضوا صراعاً طويلاً معه، وفي مقدمهم الزعيمان الكرديان الرئيس جلال طالباني ومسعود بارزاني، ورئيس"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"عبدالعزيز الحكيم، ورئيس حزب"الدعوة"رئيس الحكومة ابراهيم الجعفري، ورئيس حزب"الوفاق" اياد علاوي. ويقول القيادي في"الحزب الاسلامي"اياد السامرائي ل"الحياة"ان محاكمة صدام"خاضعة لمعايير سياسية وحزبية وطائفية فضلاً عن المعايير الأميركية والبريطانية، وهذه المعايير تطفو على السطح في وقت الأزمات". ويوضح ان"بعض القيادات السياسية يحاول استخدام المحاكمة للضغط على قيادات سياسية اخرى، مع انها لا تملك زمام محاكمته، كما انها تسعى من جانب آخر الى كسب المؤيدين للتغطية على فشل الحكومة في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي وتعتمد أزلام صدام شماعة لتعليق فشلها عليها". ويرى العضو في"المؤتمر العام لأهل العراق"حارث العبيدي ان المحاكمة"لن تكون عادلة"، وشكك بنزاهة المحكمة والحكم. ويقول ل"الحياة":"يجب تأجيل المحاكمة الى ما بعد انتخاب حكومة مستقلة تمثل كل المكونات السياسية، على ان تأخذ على عاتقها جدولة الانسحاب الأجنبي وانتخاب لجنة قضائية وطنية لمحاكمة من ارتكب الجرائم بحق الشعب العراقي في عهد صدام وقبله وبعده". ويعتبر نقيب المحامين كمال حمدون أن محاكمة صدام تقودها بعض الأحزاب"الموالية لدول الجوار في تلميح الى إيران ومصرّة على بدئها، رغم ما يمر به البلد من ظروف صعبة، لإرضاء هذه الدول التي احتضنت زعماءها سابقاً". من جانبها، تشدد الحكومة ذات الغالبية الشيعية، بحسب الناطق باسمها ليث كبة، على ان"المحاكمة تسير وفق طريق قانوني مرسوم لها". مشيراً الى ان"المجرم يجب ان يحاكم". ويلفت مستشار الأمن القومي موفق الربيعي الى انه من"الضروري رؤية صدام ماثلاً امام العدالة وهو يستجوب عن جرائمه ليجيب عن أسباب ارتكابها". مؤكداً ان ذلك"سيعزز ثقة العراقيين بقياداتهم السياسية وسيكون خطوة جيدة في مجال التحسن الأمني". وفيما يحيي الاكراد ذكرى عمليات الانفال التي غيبت نحو 180 ألف شخص في صحراء السماوة، يتمنى معظمهم ان تنتهي محاكمة الرئيس المخلوع بإعدامه، فيما ترى شريحة واسعة من اهالي مدينة كركوك ان القضاء العراقي"ليس مؤهلاً لمحاكمته". ويقول مسؤول منظمة تطالب بإعدام صدام من خلال جمع التواقيع:"كل الاكراد يتطلعون الى ان يتحقق حلمهم بإعدام صدام، ونتمنى ان يلاقي رموز نظامه البائد المصير نفسه". ويشير السياسي الكردي البارز محمود عثمان، الى ان هناك"مخاوف اميركية حقيقية"من محاكمة صدام. ويزيد أن"المحاكمة قد تفتح النار على الاميركيين لدورهم في دعمه خلال عمليات الابادة الجماعية ضد الاكراد والشيعة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي".