انتقل الهم اللبناني بمواضيعه المختلفة وتشعباته الى باريس في ضوء الزيارة التي اختتمها امس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة للعاصمة الفرنسية تخللتها محادثات مع المسؤولين الفرنسيين الذين أكدوا وقوفهم الى جانب لبنان خلال المرحلة الحرجة التي يجتازها. وتزامنت زيارة السنيورة مع زيارة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكانت مناسبة لعقد لقاء بينهما والتباحث في موضوع المخيمات الفلسطينية وكيفية الحؤول دون تحولها الى مصدر لزعزعة استقرار لبنان. والتقى السنيورة رئيس الحكومة الفرنسية دومينيك دوفيلبان الذي قال:"ان الصداقة بين البلدين قديمة جداً والكل يعرف مدى دعم فرنسا لحكومة لبنان في هذه المرحلة الحرجة". وأكد دوفيلبان ضرورة التعبئة لمساعدة لبنان على المستوى الاقتصادي والاعداد لمؤتمر دولي يجمع اصدقاء لبنان ويعقد في أقرب وقت ممكن. وقال ان فرنسا مستعدة بالطبع لمواصلة تعاونها وتكثيفه"مع هذا البلد الكبير الصديق". وشكر السنيورة فرنسا على كل ما قامت وتقوم به من اجل لبنان. وقال ان اللقاء شكل مناسبة طيبة لبحث الكثير من المسائل، لا سيما في ما يتعلق بالدعم الفرنسي لعقد المؤتمر الدولي في نهاية هذا العام، بما يعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وأيضاً لما تقدمه على صعيد استمرار مفاعيل القرار 1595 حتى 15 كانون الاول ديسمبر المقبل، لتتمكن الحكومة اللبنانية من دراسة تقرير القاضي ديتليف ميليس الذي تمنى ان يتسلمه الجانب اللبناني خلال الايام القليلة المقبلة. وعبر عن سروره لما أسفرت عنه محادثاته التي تطرّقت الى التعاون الاقتصادي والتقني بين البلدين الى جانب المساعدات الأمنية التي تقدمها الحكومة الفرنسية لتمكين لبنان وأجهزته الأمنية من ان تكون على مستوى التحديات التي تواجهها. وأكد تصميم اللبنانيين على ان يبدأ لبنان هذه المرحلة الجديدة من حياته، مستنداً الى قيم الديموقراطية والحريات واحترام دولة القانون التي تتمتع بالسيادة والحرية مثلما يرغب بذلك الشعب بأكمله. وعن توقيف الشاهد السوري في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، زهير محمد الصديق من السلطات الفرنسية، قال السنيورة ان اعتقاله تم بموجب قرار اتخذته الأجهزة المعنية استناداً الى مبررات متوافرة لديها وان ليس له التدخل في مسار قضائي. ووصف الوضع الامني القائم حالياً في لبنان بأنه الى تحسن واضح، وانه"لولا الاعتداءات الارهابية التي عانى منها البلد لكان يمكن القول ان الوضع الأمني ممتاز، وان الحكومة تبذل كل الجهود الممكنة لاعادة تنظيم اجهزتها الامنية والاستخباراتية لتكون بمستوى التحديات". وكان السنيورة التقى أول من أمس، وزير الخارجية فيليب دوست بلازي، وتأتي زيارته لباريس في اعقاب زيارة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي أجرت محادثات مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك تناولت مطولاً الوضع اللبناني وسبل تطبيق القرارين 1559 و1595. لقاء السنيورة -"أبو مازن" وكان السنيورة عقد في وقت سابق جلسة محادثات مع عباس أبو مازن في فندق"موريس"، تركزت على سبل التعامل مع موضوع المخيمات الفلسطينية، خصوصاً في ضوء ما يقال عن تسريب عناصر وأسلحة اليها بطريقة غير شرعية. وحول هذا الموضوع قال عباس ان المحادثات تخللها بحث للعلاقات الثنائية، بعيداً من أي شروط لبنانية او مطالب فلسطينية بما يضمن المصلحة العليا للبنان وأيضاً للفلسطينيين. وأضاف:"ان الفلسطينيين في لبنان ضيوف ويحترمون القانون وهم ليسوا فوق هذا القانون وليس للفلسطيني ان يتدخل في الشؤون اللبنانية وان لا مجال للتخوف، لأن كل المنظمات الفلسطينية هي في اطار منظمة التحرير الفلسطينية". وعبّر السنيورة عن ارتياحه الشديد للقاء عباس وقال انه لمس لديه تأكيداً على ما تقوم به الحكومة اللبنانية على صعيد القضايا التي تعالجها وعلى اهمية تغليب مسلك الحوار الذي تعتمده الحكومة اللبنانية في المعالجة. ورأى"ان هذا الجهد المشترك يتيح مواجهة أي خطر يمكن ان يتعرض له لبنان والحكمة التي يتمتع بها الرئيس الفلسطيني واخوانه وأيضاً الحكومة اللبنانية كفيلة بدرء الاخطار، وان عباس عبر عن ادانته لتسريبات السلاح والاشخاص الى المخيمات الفلسطينية". لقاء الحريري -"أبو مازن" وتبع اللقاء بين السنيورة وعباس، لقاء عقده الاخير مع رئيس"كتلة المستقبل"، النائب سعد الحريري الذي صرح انه رغب بزيارة الرئيس الفلسطيني ليؤكد له"ان كل الشعب اللبناني يقف الى جانب الشعب الفلسطيني في ما يعانيه، مثلما وقف هذا الشعب الى جانب اللبنانيين خلال كل المحن التي مر بها لبنان". وقال:"ان من هو مقيم في لبنان لا يريد زعزعة اوضاعه وان هناك فئات معينة تحركها بعض الجهات التي ينبغي على الدولتين اللبنانية والفلسطينية السيطرة عليها، ولذا فان العمل جار في هذا الاتجاه وهو عمل ناجح، خصوصاً ان الموضوع تم تناوله في شكل جدي بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الحكومة اللبنانية والامور تسير في الاتجاه الصحيح". ورأى"ان المهم ان اليوم وبخلاف الفترة السابقة، باتت هناك ارادة لدى عباس والدولة اللبنانية لحل هذا الموضوع، في حين انه لم يكن مسموحاً سابقاً الحديث لا في موضوع السلاح خارج المخيمات ولا في داخلها". وأشار الى"ان البعض قد يحاول استغلال الحديث عن المخيمات الفلسطينية لاعادة اثارة موضوع التوطين، ولكن على اللبنانيين ان يعرفوا ان التوطين غير وارد وان لبنان يحرص على ان يعيش الفلسطينيون على أراضيه مثلهم مثل أي مواطن عربي مقيم، وهذا مهم خصوصاً في ظل توافر الارادة اللازمة لتسوية الأمر". وعن المعلومات الاوروبية في شأن تهريب السلاح من سورية الى لبنان قال الحريري ان السنيورة حاول مراراً تناول موضوع الاسلحة التي تسرب الى المخيمات مع رئيس الوزراء السوري لكن للاسف لم يتلق أي جواب منه". وأكد وزير الخارجية الفلسطيني ناصر القدوة من جانبه"ان الجانب الفلسطيني حريص للغاية على توطيد العلاقات الفلسطينية - اللبنانية والبحث عن افضل السبل لتعزيز الاوضاع الايجابية الموجودة في لبنان لما فيه مصلحة لبنان ومصلحة الفلسطينيين المقيمين". ووصف اللقاءين بين عباس وكل من السنيورة والحريري بأنهما كانا مثمرين جداً، ومناسبة لتأكيد المواقف الفلسطينية المعروفة وأيضاً للتعبير عن تقدير خاص للدور الذي يلعبه الحريري شخصياً في السياسة اللبنانية". وذكر ان الموقف الفلسطيني ازاء ما يحصل في لبنان"في غاية الوضوح ويقضي باحترام سيادة لبنان واحترام قوانينه والاصرار على الا يكون العامل الفلسطيني جزءاً من المعادلة اللبنانية. والا يكون طرفاً في أي معادلة في لبنان". البيان المشترك وكان البيان المشترك الذي صدر عقب اللقاء بين عباس والسنيورة عبر عن قلقهما البالغ ازاء الدخول غير الشرعي للاشخاص والسلاح الى مجموعات فلسطينية في لبنان بما يؤثر سلباً في استقلال هذا البلد وسيادته من دون ان يخدم القضية الفلسطينية. وأكد البيان دعم عباس لكل الخطوات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في الاسابيع الماضية في ما يخص السلاح خارج المخيمات ووضع حد للدخول غير الشرعي للسلاح والاشخاص الى لبنان تأكيداً لمبدأ حصرية السلطة الامنية بالدولة اللبنانية على كل اراضيها. وذكر ان عباس والسنيورة ناقشا موضوع اطلاق حوار لبناني - فلسطيني لمعالجة قضايا اللاجئين في لبنان، الذين وصفهم البيان بانهم ضيوف الى حين عودتهم الى ديارهم. وقال ان هذا الحوار يجب ان يؤدي الى تطبيق كل قرارات مجلس الامن المتعلقة بموضوع السلاح الفلسطيني في لبنان وبالانسجام مع مندرجات اتفاق الطائف وبعيداً من أي مواجهة بين السلطة اللبنانية والمجموعات الفلسطينية المسلحة. وكان موضوع العلاقات مع سورية، حاضراً في تصريح أدلى به السنيورة في دار السفارة اللبنانية في باريس أول من أمس، اذ اشار"الى العلاقات الاخوية والجيدة القائمة منذ القدم بين البلدين والتي لا بد من ان تستند الى قاعدة الاحترام المتبادل". وذكر انه قبل نحو شهر تقريباً، بادر لبنان بمطالبة اللجنة العليا السورية - اللبنانية بالعمل على ازالة المشاكل الحدودية وترسيمها بالتتابع، منطقة تلو الاخرى. وأكد"أن هذا الأمر لمصلحة كل من لبنان وسورية التي ابدت تأييداً شفوياً لهذا المسعى الذي يشمل كل الحدود بما في ذلك مزارع شبعا".