في كتاب" توكورورو"للصحافية اللبنانية الشابة كامي بزيع، تختلط الكلمات ذات المدلول السياسي بالمضمون الاجتماعي، بلغة سلسة تأخذك معها الى ابتسامة تهكم تارة والى صفعة مدوية تارة اخرى. فالكاتبة جمعت مشاهداتها في مئة وستة وخمسين نصاً، لا هي بالقصة ولا بالشعر، ويمكن اعتبارها نوعاً من الخواطر او التأملات، ولكن يبدو ان التصنيفات لم تعد تهم، في زمن اتاح مرونة فيها وترك لكل كاتب ان يصنف كتاباته كما يريد. ما كتبته كامي بزيع هو قصص بحسب احساسها ووفق رؤيتها، ولكنها قصص مختصرة جداً تقتصر على حدث واحد لذا صنفتها بأقاصيص قصيرة وصدرت عن دار بيسان، بيروت، 2005. ولم تكن من حاجة لتأطيرها بإطار زمني او مكاني لأن عمودها الفقري هو المشاعر. فقصتها هي رواية الشعور النهائي الذي يتركه الحدث مهما كان، وهي الحالة التي تحكي عنها وتسجل موقفها منها، ولا حاجة الى مزيد من التفاصيل. كتابها، أشبه بصفحة كانت تفرد في المجلات في عقد السبعينات، لشؤون الحب وشجونه، وقد أضفت عليه الكاتبة رومانسيتها من الغلاف حتى تصميم الصفحات، وصولاً الى المضمون واللغة التي كتب فيها. وهو بتزويقه أقرب الى ذوق المراهقين، ولكنه ليس بعيداً ايضاً من ذوق الاجيال الاخرى، لطرافة في اسلوبه وعمق لم يخلو منه. وفيه بدت الكاتبة أشبه بطفلة لاهية وحكيمة في الوقت نفسه، تسخر حيث تحكي عن مفاهيم العصر المادي، وتضع النقاط على الحروف، حيث تلتقط بحسها ان بعضاً مما يحكم علاقات البشر لا يتأثر بالوقت والعصر. وتدس الطرافة داخل السذاجة والمنطق داخل الشعر، وتحول تجربتها مزيجاً من عمل نقدي اجتماعي يلتقط المشاهد والاخبار، ومن ادب شاعري يقارع الواقع بالحلم. وحين تسترسل في حلمها، تستكشف كقارئ شيئاً منها، وتتعرف الى طفلة لا تحب ان تكبر، وتحلم بالحب والوطن والعلاقات الانسانية، بما يتجاوز وسع الحلم. "عندما اخبرتهم بأنها تشعر نفسها تطير.../ اتهموها بالجنون، ودارت الهمسات حولها.../ اما هي فاستمرت في التحليق مصغية لكل.../ ما يقولونه." حفنة من المشاعر كتابها، ويحمل شجون المراهقة وأحاسيس المرأة الشرقية عموماً، حيث تمني الحب قبل لمسة الجسد وذكرى القبلة الاولى، وحيث تتكرر صورة الحبيب الذي لا ينسى، للمرة الألف ربما، وكأنها لازمة لا تتغير في معظم الكتابات النسوية، وإن من دون نحيب هذه المرة. وهي إن دلت على شيء، فعلى مجتمع نساؤه محاصرات ومتنفسهن الوحيد احلام اليقظة والوهم، ويصعب عليهن تجاوز حب أول حتى بعد زمن طويل. وكأن الدنيا توقفت هناك وتحجرت في الصدمة ونسين ان النضج يواكب الواقع. هناك شيء من نرجسية محببة وخفية في علاقة الكاتبة بكتابها، من تشبيه نفسها بعصفور الطنان الصغير الذي يتنقل من زهرة الى زهرة لقطف الرحيق، كما قطفت هي مواضيعها من الناس والحياة، وصولاً الى اعتماد اسم العصفور بالاسبانية، عنواناً لكتابها، وهو على شيء من غرابة. وكلها خيارات تختبئ خلفها الكاتبة بذكاء ونعومة، وتضاف الى شاعرية كلماتها وانسيابية لغتها، التي لا تفقد سلاستها ورقتها حتى في اقصى لحظات السخرية او الصدم. ويمكن القارئ ان يلحظ في كلام حبيبين، ما يذكر بعصر الفروسية فيحس بهزء الكاتبة، وان يلحظ في سيرة علاقة زوجية مفردة سياسية للتهكم فلا يحسها مندسة في غير موضعها، وان يلمس عمق رومانسية الكاتبة في كل مفردة ولا يظنها تعيش خارج عصرها، لأن في اختيارها الرومانسية قوة توحي بأنها تتأبطها كأنها شر لا بد منه، او كأنها تعويذتها ضد هذا الزمن المادي الفج، الذي وحدها مفاهيمه السطحية تستحق التهكم، بنظرها. فمن له ان يحاكم خيارها هذا؟ متى يصبح للمرأة الحق بالمشاركة؟". * * * قالت له: اشعر بأن هذا الذي بيننا ليس حباً./قال لها: بل هو عشق اكبر من الموت./ في اليوم التالي./ كان مع امرأة اخرى، قائلاً لها... العبارة نفسها". * * * "يبحث الرجل عن امرأة ليبثها اشواقه./ وتبحث المرأة عن رجل لتصغي الى اشواقه./ وعندما يلتقيان، ينسيان الأمر... ويغرقان في المناكفة". * * * "تحب ظلها.... تتأمله./ عندما تسير، يبدو خفيفاً ومن دون هم./ كأنه هي.... لكن دون قلق".