في بيت كأنه العالم، كأنه المجتمع، كأنه الانسان اجتمعت سبع نساء لمدة 90 يوماً في برنامج حمل عنوان"من جديد"على فضائية MBC. أشياء كثيرة يمكن ان تقال عن هذا البرنامج الذي حمل سمات اجتماعية ونفسية انسانية في اطار طبي وإعلامي مدروس. كيف لنا ان نخضع لرقابة الكاميرا وسطوتها، بخوف وحرج في البداية ثم تأخذنا اللعبة؟ وكيف يتسنى القبول بالكشف عن ذواتنا امام الملايين من المشاهدين؟! بداية، تجدر الملاحظة ان هذا البرنامج يختلف عن برنامج"ستار أكاديمي"الذي بثته LBC والذي شاهدنا من خلاله شباناً وصبايا يخضعون لبرنامج فني رياضي لاختبار قدراتهم ومواهبهم وإظهار المنافسة بينهم. وشاهدنا وسمعنا من خلاله المماحكة والغيرة والحساسية العاطفية والتفاصيل اليومية التافهة لدى المشتركين بصورة مبتذلة وسطحية تدعو الى الملل. برنامج"من جديد"أكثر جدية وعمقاً، وأكثر فائدة للمشاركين ولنا نحن المشاهدين. وتوضح الهدف: كيف تتخلصين من اشياء، وكيف تكتسبين أشياء؟ هدف مشروع وجدير بالسعي، ولكن: الى أي مدى نحن قادرون على التخلص من اشياء تطبّعنا بها وانزرعت فينا، نشأنا عليها وحملناها من طفولتنا وخبراتنا، بإرادتنا وضد ارادتنا، من ميولنا الذاتية ومن اشكال القمع والارغام الكثيرة التي مورست علينا لحشر ذواتنا وتنميطها وجعلها نسخاً او عبيداً لذوات الآخرين، حتى من خلال الحب، الذي يقتل! تجربة فيها شيء من السجن: ان تخضع لبرنامج يراد لك الا تحيد عنه وتعيش مع وجوه مفروضة عليك. وهي دخول في مختبر: كي نختبر ذواتنا وقدراتنا. وهي امتحان في العراء: كيف تكون أرواحنا وهي مشرعة على الملأ؟ ثمة أمور غير البيت الجميل، ورغد العيش، وجولات الترفيه، وأخذ الدروس لاكتساب المهارات، ونيل الهدايا، أمور جالت في نفوس المشرفين ونفوس المشتركات ونفوسنا: في المحصلة، هل نجح"العلاج"مع كل واحدة من النسوة؟ هل تخلصن من المشكلات التي أتين بها الى البرنامج؟ هل كان ثمة توازن وعدالة نسبية في التعامل مع كل واحدة منهن على صعيد منح الاهتمام، والرعاية، والفرص، والتقدمات، وحتى الهدايا التذكارية؟ هل ثمة احلام جديدة ام أوهام اخرى؟! الأشياء الصلبة في النفس سيتم حملها وستستمر حتى حلم كبير أو قبر صغير، ما عبّر عنه راسكيلنكوف بطل ديستويفسكي في"الجريمة والعقاب": أينما ذهبت، لن تهرب! لنتذكر، ان هذه المجموعة من"الجنس اللطيف"عينة من مجتمع كبير، قاس، الفشل فيه أكبر من النجاح، مجتمع مملوء بالقمع والظلم والمكابرة والهشاشة، وابعد ما يكون عن"السوية النفسية"، مجتمع لو"وافق!"على الدخول في برنامج"من جديد"لاحتاج معظمه الى اقامة مديدة في عيادة نفسية هائلة، وسنحتاج عندئذ الى شاشة بعرض السماء! لنتذكر أنها التربية، وانه الانسان الذي يتبخر تماسكه حين يغدو مكشوفاً، الانسان المحزن جداً حين يصير جدّ وحيد. ولنتذكر ان الوحدة صعبة علينا جميعاً، ولكن لأنهن إناث سينطبق عليهن قول الشاعرة البلغارية بلاغا ديمتروفا:"ليس هنالك رجل يمكن ان يكون وحيداً، مثل امرأة وحيدة!".