لا يزال مصير الانتخابات التشريعية العراقية يتأرجح بين مؤيد لاجرائها في موعدها ومؤيد للتأجيل. وفيما اكد امس رئيس الحكومة الموقتة اياد علاوي التزام حكومته موعد نهاية الشهر الجاري، ابدى مصدر في المرجعية الشيعية في النجف خيبة أمل من امكان التأجيل، وذهب اخرون في مناقشتهم للموعد الى التحذير من حمام دم في العراق. اما المرشحون الى الانتخابات فلم يشغلهم هذا السجال عن متابعة حملاتهم لاستقطاب الناخبين ولم تخل المنافسة من تبادل الاتهامات. أكد امس، رئيس الحكومة العراقية الموقتة اياد علاوي ان حكومته ملتزمة باجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المقرر، وقال في مؤتمر صحافي:"الحكومة وانا شخصيا نشجع جميع العراقيين على الاسهام في هذه العملية الانتخابية". واوضح ان"عدم المشاركة في الانتخابات عملية غير صحيحة وستلحق اأذى بالشعب العراقي". ويأتي تصريح علاوي غداة طلب الرئيس العراقي غازي الياور من الاممالمتحدة بحث ما اذا كان يتعين على البلاد أن تمضي قدما في الانتخابات في الموعد المقرر وسط العنف الذي يهدد بابعاد الناخبين عن مراكز الاقتراع. ونقلت وكالة الانباء الالمانية عن عضو المجلس الوطني الانتقالي العراقي وجدان ميخائيل ان"المجلس بصدد عقد اجتماع مشترك مع الياور وعلاوي لدراسة كل الجوانب المتعلقة بالانتخابات بشكل معمق". وكان المستشار السابق للامن الوطني موفق الربيعي اعلن من لندن"هيئة الاذاعة البريطانية"بي بي سي ان"ارجاء الانتخابات سيقود الى حمام دم ويؤدي بالتأكيد الى اندلاع حرب اهلية". مؤكدا ان"اجراء الانتخابات في موعدها هو الضمانة الامنية الافضل للعراق". وكان مصدر مقرب من المرجعية الدينية العليا في النجف اكد ان المرجعية لن تكون مرتاحة في حال تأجيل الانتخابات و"ستكون محرجة لانها شاركت في موضوع يكاد يتنافى مع ما جرت عليه العادة في تعاملها مع المواضيع المماثلة". وقال الشيخ فاتح آل كاشف الغطاء ل"الحياة":"ان المرجعية لم تتعامل مع موضوع الانتخابات بشكل سياسي كما انها لم تترك لنفسها مجالاً للمناورة السياسية ولم تضع في حساباتها معالجات لمثل هذا الوضع"، ولفت إلى ان"بعض الاطراف اجادت اللعبة واعلنت مشاركتها في الانتخابات إلا انها انسحبت قبل اجرائها بأسابيع الامر الذي يعني انها أرادت ان تقول للعالم أجمع ان الانتخابات المقبلة ستفرز برلماناً شيعياً - كردياً كما تبقي فرصة الطعن في شرعية الدستور الذي سيعده البرلمان في يدها"وذلك في اشارة إلى انسحاب الحزب الاسلامي العراقي من الانتخابات. واشار الى ان المرجعية لا تمتلك حالياً خياراً آخر غير ابداء عدم ارتياحها والرضوخ لقرار التأجيل بسبب عدم قدرتها على اجراء الانتخابات بمفردها من جهة وعدم قدرتها على الانسحاب من الموضوع برمته واعلان مقاطعة الانتخابات من جهة اخرى. وقال شاكر الدجيلي، أحد قيادي الحزب الشيوعي العراقي ل"الحياة"ان تضارب تصريحات المسؤولين في الحكومة العراقية حول اجراء الانتخابات يكشف وجود طروحات جديدة تصب في خانة التأجيل. وأوضح ان"تصريح وزير الدفاع حازم الشعلان كان واضحاً وانها المرة الاولى التي يطرح فيها مسؤول في الحكومة نقاطاً واضحة عن أسباب التأجيل واشتراط دخول السنّة في العملية السياسية"، مؤكداً ان"الحزب الشيوعي يتفهم منطق المطالبة بالتأجيل لكنه لا يريد ان تتم العملية بتفرد طرف على حساب طرف اخر". واشار الى ان"الحكومة العراقية تتحمل العبء الاكبر في مسؤولية الحفاظ على سلامة الانتخابات ونزاهتها وأن على الاممالمتحدة أن تشارك بفاعلية في مساعدة العراقيين على تجاوز الازمة واجراء الانتخابات بصورة صحيحة وسليمة". في هذه الاثناء، اعلن"الائتلاف الديموقراطي العراقي"بزعامة مالك دوهان الحسن، وزير العدل في الحكومة الموقتة الحالية، عن برنامجه الانتخابي الذي يتكون من ثمانية بنود ابرزها"محاولة انضاج مشروع سياسي وطني يوحد الافكار والتوجهات والثوابت المشتركة"، وقال هاشم الحبوبي احد قيادي اائتلاف ل"الحياة":"نسعى إلى تهيئة الاجواء المناسبة لانتاج ثقافة ديموقراطية تتيح لشخصيات المجتمع المدني والشخصيات السياسية تولي مهمة اعادة بناء البلد"، واوضح ان البرامج الانتخابية المطروحة"تكاد تكون متشابهة وقريبة من بعضها". وعلى رغم طرح"تجمع الديموقراطيين المستقلين"بزعامة عدنان الباجه جي نفسه كتجمع يتصدر قائمة الكيانات السياسية العلمانية، الا ان خصوصية المجتمع العراقي، على ما يبدو، منعت القائمين على التجمع من ترجمة توجهاتهم العلمانية الى طروحات موثقة يتضمنها برنامجهم الانتخابي الذي بدا مشابهاً للبرامج الانتخابية الاخرى، ولا يختلف عن تلك التي طرحتها تيارات سياسية دينية، كالتيار الاسلامي الديموقراطي، بزعامة محمد عبد الجبار الشبوط. فكلا الكيانين اشتركا في المطالبة بدولة تنبثق من رحم الانتخابات وتتشكل من مؤسسات منتخبة، وتعتمد في عملها التشريعات الدستورية، كما انهما طالبا بمساواة المرأة بالرجل سياسياً واجتماعياً وقانونياً واقتصادياً وثقافياً، واعانتها على اعتلاء المواقع والمناصب الادارية والسياسية، والأهم من هذا وذاك، ان ااثنين، يؤمنان ان الاسلام، مصدر اساسي من مصادر التشريع للدستور الدائم. ويراهن التجمع الجمهوري العراقي، بزعامة سعد عاصم الجنابي، على تركيبته التكنوقراطية المتنوعة، حيث يضم التجمع اناساً من مختلف الطوائف والمذاهب، ما جعله يطرح"برنامجا ًانتخابياً صيغ من وحي هذا التنوع"، بحسب عبد الستار جواد، احد قيادييه ومرشحي قائمته، الا انه لم يعلن عن هذا البرنامج حتى الان. وفي النجف، اتخذت الحملات الدعائية الانتخابية، منحى مختلفاً، اذ راح مرشحو القوائم يكيلون الاتهامات لبعضهم بعضاً رغم ان مجموعة منهم ينضوون تحت لواء قائمة واحدة في منطقة، وينفردون في منطقة اخرى، ومنهم احد مرشحي حزب الدعوة لانتخابات مجلس محافظة النجف، الشيخ علي ميرزا الذي يكيل الاتهامات لمرشحي المجلس الاعلى للثورة الاسلامية هناك، ما يعكس، حالا جديدة للعملية الانتخابية المزمع خوضها، خلال الاسابيع القليلة المقبلة. واتهم ميرزا المجلس الاعلى"بالعمالة والتبعية لايران"، واكد ل"الحياة"ان شخصيات عدة تضمهم قائمة"الائتلاف العراقي الموقت"يدينون بالولاء لايران"، ولفت الى ان هؤلاء"يحملون الجنسية العراقية، الا انهم يعملون لصالح الاستخبارات الايرانية في العراق". وفي السياق نفسه، جدد"التيار الصدري"اتهام حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق،"العمالة لايران"، وقال الشيخ علي سميسم مسؤول المكتب السياسي في التيار ل"الحياة"ان"ايران تتدخل في شؤون العراق عبر هذين الحزبين"، واشار الى انها تسعى لحرف نتائج العملية الانتخابية لصالح الشخصيات التي تدعمها. ولفت الى ان المجلس الاعلى في النجف، يعمل على ترويج الفكر الايراني من خلال اعادة طبع الكتب الايرانية التي تروج لولاية الفقيه، وانه المجلس ما فتئ ينظم السفرات المجانية لاهالي كربلاء والنجف بحجة زيارة الإمام الرضى، وهو بذلك يعمل على كسبهم الى جانبه كما انه يصرف الأموال الطائلة التي يوزعها على شكل رواتب شهرية على هؤلاء، بهدف تجنيدهم للعمل لصالح ايران. واكدت وزيرة البيئة مشكاة المؤمن مرشحة قائمة الديموقراطيين المستقلين التي يتزعمها الباجه جي"ان الدعوة لتأجيل الانتخابات جاءت من شعور القوى السياسية العراقية ان الارضية الامنية والسياسية غير مهيئة لاجراء الانتخابات"، وذكرت في تصريح ل"الحياة"ان استمرار العنف وتردي الوضع الامني ومقاطعة شرائح ليست قليلة الانتخابات قد تمثل قوة قاهرة يمكن ان تشكل عذراً قانونياً يمثل مخرجاً يمنح الحق بعدم اجراء الانتخابات في موعدها المقرر". واشارت إلى"ان الحكومة الموقتة الحالية يمكن ان تزاول عملها وتستمر فيه إلى حين اجراء الانتخابات وفق صيغة سياسية ترتبط بتواقيت تتفق عليها القوى السياسية العراقية". وعن وعود المرجعيات الشيعية لمقلديها باجراء الانتخابات في موعدها وحثهم على ضرورة الاشتراك فيها اكدت المؤمن ان"اي جهة تعد الشعب عليها الالتزام"، مشيرة إلى"ان الاحزاب الشيعية اكتفت بالدعوة الى ما تريد حول اجراء الانتخابات وفي الوقت نفسه لم تحجر على باقي الحركات او تمنعها من ان تدعو إلى اي اقتراح آخر ويبقى الباب مفتوحاً ويتحمل وجهات نظر متعددة". وينفرد البرنامج الانتخابي لكتلة المصالحة والتحرير التي يترأسها مشعان الجبوري عضو المجلس الوطني الموقت بمحورين اساسيين يشكلان اسم الكتلة اولهما"الدعوة إلى المصالحة الوطنية بعد التمزق والتناحر الطائفي والسياسي في ظل النظام السابق على ان تشمل جميع اطياف المجتمع وقومياته، خصوصاً البعثيين ومنتسبي الاجهزة الامنية السابقة الذين لم تتلطخ ايديهم بأي فعل اجرامي لكونهم ابناء العراق وليسوا ازلام صدام، وذلك من خلال تشكيل هيئة عليا للمصالحة مهمتها انصاف المتضررين ومحاسبة المذنبين ومحاكمتهم محاكمة قانونية عادلة بعيداًعن الثأر والانتقام". ويتركز المحور الثاني على شرعية المقاومة السلمية للمحتل واهمية خروجه من العراق بهدف تحقيق الاستقلال. ويدعو المحور"إلى ضرورة تحقيق الاستقرار الامني وذلك بعودة الجيش السابق وتطهير الاجهزة الامنية من الفاسدين والمرتشين وبناء جهاز امني وطني لا ينتمي إلى اي حزب او طائفة وتعزيز حماية الحدود". كما يسعى البرنامج إلى محاربة الفساد الاداري للنهوض بالمؤسسات التنموية والصناعية والتعليمية ووضع اسس متطورة لاقتصاد حر يحقق توازناً بين الاستثمارين الخاص والعام بما يتناسب وثروات العراق. وأكد يزن الحيدري، سكرتير اللجنة المكلفة الحملة الانتخابية الخاصة بالكتلة ل"الحياة"ان صعوبات عدة"تواجه حملتهم الانتخابية بسبب المعيقات الامنية في المدن السنّية لكنها تسير بشكل جيد في جنوبالعراق كما انها لم تصل إلى اقليم كردستان لكونها منطقة انتخابية مغلقة كردياً". ولفت إلى ان طبيعة الحملة الانتخابية للكتلة هي تعريفية لجذب الناخبين بعيداً عن الرشاوى المالية التي يقدمها البعض لشراء اصوات الناخب، وان الكتلة ذات توجه وطني عراقي لا علاقة لها بقرار الجهات السنّية بمقاطعة الانتخابات او الانسحاب منها على رغم كونها تخشى عدم قدرة الناخبين السنّة المشاركة في الاقتراع لاسباب امنية.