بعد عام وثلاثة أيام بالتمام والكمال، يعاود أغنى رجل في العالم زيارته لمصر التي بدورها تستقبله استقبال الفاتحين. ملك الكومبيوتر في العالم ورئيس شركة ميكروسوفت السيد بيل غيتس حلّ ضيفاً على القاهرة في زيارة تقدر قيمتها بنحو 81 مليون دولار، إذ إن غيتس سيمضي 81 ساعة في القاهرة، وساعة بيل غيتس الواحدة من العمل تقدر بمليون دولار اميركي. وحين يختار الرجل، الذي تصدر قائمة"فوربس"لأغنى أغنياء اميركا للعام ال 11 علي التوالي، أن يزور قاهرة المعز مرتين في اقل من31 شهراً، فإن هذا حتماً قد أثّر كثيراً في مشاعر المصريين المعروف عنهم حميميتهم وتقديرهم لأحاسيس الود والحب. صحيح أنه عندما زار القاهرة في كانون الثاني يناير الماضي لم يعلم عنه المواطن العادي الكثير، بل إن كثيرين لم يكونوا يعرفون اسمه، لكنه هذا العام بات أكثر شعبية وقرباً إلى قلوب البسطاء، أولئك البسطاء لا يعرفون أو لا يكترثون كثيراً بمشاركته في تأسيس كيان تكنولوجي ضخم لتدريب الكوادر الشابة، ولا يقدرون قيمة ضلوعه في دعم البنية الاساسية لحكومة مصر الالكترونية، لاسيما أن بعضهم يعيش في ظل غياب البنية الاساسية من الأصل، لكنهم سعداء بتركيبة مثل تركيبة غيتس التي يفتقدونها كثيراً. إنه رجل بالغ الثراء، لكنه متواضع، ومبتسم، ولا يحب ارتداء ربطات العنق. هو تركيبة مختلفة تماماً عما اعتادوه، فالموظفون الكبار يجب أن يكونوا دائمي التجهم، والمسؤولون يجب ألا يكونوا في متناول يد البسطاء، وصانعو القرارات والسياسات يجب أن تسبقهم وتصاحبهم وتذيلهم مواكب مهيبة. لكن غيتس ليس كذلك، ويكفي ان صحافية مصرية حظيت بمقابلة غيتس مع عدد آخر من الصحافيين العرب خلال زيارته السابقة للقاهرة كاد يغشى عليها حين سألته:"هل أخاطبك ب"سير"أو"مستر؟"فرد عليها من دون تفكير: خاطبيني ب"بيل"، وكانت النتيجة انها كتبت مقالاً طويلاً عن تواضع غيتس وبساطته و"كاجوالته"ولم تذكر صلته بعالم الكومبيوتر والانترنت من قريب أو بعيد. واذا كان المثل المصري الدارج يقول"كل واحد وعلامه"- أي أن كلاً منا يتصرف حسب علمه وخبرته - فإن رجل التكنولوجيا والكومبيوتر الأول في مصر الذي تصادف كذلك انه يشغل منصب رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف اختار"القرية الذكية"لمقابلة غيتس، ربما لاقتناعه بأن رئيس ميكروسوفت يشعر بالارتياح اكثر اذا جلس في مكان يحيطه عبق التكنولوجيا التي يصفها دائماً بأنها فرد من أفراد أسرته. وبالإضافة إلى هذا العبق الداعي إلى تفاخر دولة نامية، فإن مصر س"تنفش ريشها"حتماً أمام غيتس خصوصاً بعد تعاظم حجم مبادرات"كومبيوتر لكل بيت"، وخفض قيمة استخدام شبكة الانترنت، وبدء انتعاش المشاريع المصرية في هذا المجال المتقدم، كما ان عدد مستخدمي الانترنت زاد الى 3،3 مليون مستخدم، وهو رقم جيد خصوصاً في ظل استمرار انتشار الامية الحرفية بنسبة أقل قليلاً من 05 في المئة بين مواطني مصر ال 5،07 مليون شخص. هل هذه المقومات هي التي دفعت غيتس الى العودة الى مصر؟ عموما فإن سفير اميركا لدى مصر السيد ديفيد وولش قال في آيار مايو الماضي"أعلم أن غيتس يعرف الصفقة الجيدة حين يراها، ولا بد أنه رأى شيئاً ما هنا في مصر". وفي اوساط الانترنت انتشر على غير موقع هذه الايام خبر يشير الى أن مخترع"هوت ميل"هندي مسلم اسمه صابر باتيا وليس بيل غيتس. المهم هو أن بيل غيتس اضحى ورقة رابحة في جعبة الحكومة المصرية، والارجح أن مصر ورقة اكبر ربحاً على كومبيوتر بيل غيتس المحمول.