الذين اعتقدوا أن نضال الأشقر اختفت من الساحة، لبنانياً وعربياً، بعد الاغلاق القسري ل""مسرح المدينة"، والذين راهنوا على أن الحياة الثقافيّة"ستستريح"من مشاغبتها وصخبها، خاب ظنّهم أخيراً حين دعت الفنانة المسرحيّة أهل الاعلام والفنّ واصدقاء المسرح إلى لقاء أوّلي وسط ضجيج ورشة البناء، في مسرحها الجديد في شارع الحمراء البيروتي الشهير. نضال الأشقر عادت من جديد إلى دائرة الضوء، يوم أمس في قاعة سينما"سارولا"لتعلن ولادة"مسرح المدينة الجديد"، وشعاره"صنع في لبنان"! بتعبير الممثلة المعروفة التي جلست على المنصّة بين المحامي والمسرحي أسامة العارف، ونقيب الممثلين اللبنانين رفيق علي أحمد... وسط ديكور غريب كأنّه من مسرحيّة عبثيّة لبيكيت:"السقالات الحديديّة"و"الكابلات"في كلّ مكان والغبار الأبيض يكسو الأرض وسرعان ما ينتقل إلى ملابس الحاضرين، وصوت الآلات التي تعمل في الصالة المحاورة، وتعلّق عليه نضال:"عم يعملوا علينا parasite"! وإذا كان الحدث المباشر هو اداء هذه الممثلة أمامنا على الخشبة، كتلة من الاعصاب وطاقة قادرة على الاستئثار بأنفاس جمهورها... فإن الجانب الأهمّ من الحدث هو أن العاصمة اللبنانيّة تستعيد هنا صرحاً ثقافيّاً اعتبر كثيرون أنها لم تعد تتسع لمثله، خلال الأشهر الماضية. ويتألّف المبنى الجديد من قاعة كبرى تتسع لخمسمئة مشاهد، ومسرح صغير للتجريب، وقاعتي تمارين:"محترف جون ليتل وود للمسرح الحديث"على اسم الفنانة البريطانيّة كانت استاذة الأشقر، و"قاعة سعدالله ونّوس لاعداد الممثل"، إضافة إلى حيّز مخصص للمعارض قرب البهو الخارجي وأطلقت عليه الاشقر اسم"حديقة الياسمين - قاعة نهى الراضي"كتحيّة للفنّانة العراقية، صاحبة"مذكرات بغداديّة"التي إنطفأت قبل أشهر في بيروت... تحدثت نضال الأشقر إلى الاعلاميين، محاطة بعناصر طقوسيّة ورمزيّة هي صلب المسرح: الى يمينها جزء من ستارة المخمل العتيدة، خلفها لوحة لنهى الراضي، وأمامها على مقدّمة الخشبة سلّة من الخبز ووعاءان من الصعتر البلدي. ذكّرت أن المسرح"عامل انفتاح وحريّة لمواجهة التعصّب والتخلّف"، و"الجواب الأكيد على الجهل، لأنّه مديني بامتياز، يرفض بتكوينه كلّ ما يفرّق". واستعادت كثيراً ذاكرة الحمراء، وعشرات الوجوه العربيّة واللبنانيّة التي عبرت بهذا الشارع... كأننا بها تطمح أن تعيد إليه عصره الذهبي. و"مسرح المدينة الجديد"الذي يعيد حالياً ترميمه وقولبة فضاءاته واحياء ملامحه المهندس خليل خوري والمعماري كريم بكداش وفنّان الاضاءة ديمتري صدّي، من المقرر أن يفتتح يوم 17 شباط فبراير المقبل بأمسية موسيقية يحييها شربل روحانا عود ورينيه ماكلين ساكسوفون، ثم يستضيف أمسيات موسيقيّة لسيمون شاهين ومروان عبادو، وعروضاً من السيرك للتونسي محمد إدريس، ومسرحيّة سعد الله ونّوس"أحلام شقيّة"في قراءة مصريّة لفرقة"الهناجر". إختلطت فرحة الولادة يوم أمس في ال"سارولا"، بالحزن على رحيل الفنّان عارف الريّس. شكرت نضال الأشقر كل الذين ساهموا معنوياً ومادياً بانبعاث هذه المغامرة، لكنّها لم تحدد توجهات البرمجة خلال ما تبقّى الموسم، ولم توضح اذا كانت الموازنة اكتملت لادارة هذا المكان المميّز خلال الأعوام المقبلة. لكن ما همّ، نضال الأشقر عادت الى الساحة، وما على الجمهور سوى التهافت إلى شارع الحمراء... في انتظار أن ينجز زميلها المسرحي روجيه عسّاف، هو الآخر، مسرحه الجديد الطيّونة، في المقلب الآخر من المدينة.