معظم الشبان والشابات الذين سألتهم عن ممثلهم الكوميدي المفضل، حدثوني عن جمال دبوز، الكوميدي الشاب المغربي الاصل، الذي بات خلال بضع سنوات، احد اهم نجوم فرنسا، و واكثرهم شعبية. كونه عربياً، او من اصل عربي، ليس اغرب ما في قصته الفرنسية. فمن بين الممثلين الكوميديين الفرنسيين المعروفين، هناك اكثر من واحد من اصل عربي. نسبة العرب الذين امتهنوا الاضحاك الكوميدي اعلى من نسبتهم في المهن الفنية الاخرى في فرنسا. سخرية القدر شاءت ان يكون العرب اكثر من يضحك الفرنسيين، وهم يفعلون ذلك أكثر من اي شيء آخر. الكوميديون الفرنسيون الذين من أصول عربية، يتحدثون في استعراضاتهم، التي يكونون فيها وحدهم على المسرح، عن وضع ابناء جاليتهم في فرنسا، ويسردون النكات التي يستحدثونها في هذا الموضوع. لكن شخصية"جمال دبوز"، تشبه في مزاحها وطريقتها في اضحاك الجمهور، ما نجده في بيوتنا العربية، ولدى بعض سكانها الذين يحبون ان يُضحكوا من حولهم باستمرار. هكذا يضحك جاميل الفرنسيين. هو مثل ابن عمتي الذي يجد بين سطور كل حديث دعابة، والذي يستعمل جسده حين لا تسعفه الكلمات في ابتداع نكتة مضحكة. جمال دبوز، هو، يفعل ذلك باللغة الفرنسية، ولكن بمنطق ابن عمتي وحيويته نفسهما. أما الكوميديون ذوو الاصل العربي الآخرون، فلا يبدو المزاح لديهم عربياً، مهما تكلموا فيه عن نفسهم. هم لا يذكرونني بإبن عمتي، حين يؤدون نكاتهم على المسرح او في البرامج التلفزيونية، ولا يتبعون منطقه في ايجاد النكتة بين الكلام، واستدراجها منه. جمال دبوز أشبه برجل فرنسي في شخصية مسرحية عربية. هو فرنسي بحس فكاهة عربي او شرقي. الفرنسيون يضحكون انطلاقاً من حس الفكاهة العربي، ويحبون ذلك. هم الذين جعلوا من جمال دبوز نجماً سينمائياً، بعدما كان شاباً فقيراً نشأ في احدى ضواحي باريس في كنف عائلة كبيرة وأم محجبة. كان يضحك اخوته واصدقاءه، قبل ان يصبح المزاح مهنته. الفرنسيون يضحكون على نكاته، وهو لا ينكّت مثلهم، كأنه يأخذ افكاره من عندهم، ويترجمها الى العربية في رأسه، ويجد فيها النكتة التي يريد، ثم يقولها باللغة الفرنسية. وكل ذلك بسرعته المعهودة. الدعابات الفرنسية التي تنتقل بين الناس كالفضائح، ومنها نكات الشارع، لا تشبه تلك التي تسري في شوارع بيروت. نكاتهم قصيرة وسريعة نسبة الى نكاتنا. لا يعطونها كثيراً من وقتهم حين يروونها، كما نفعل، ولا يحمّلونها تفاصيل ولا يمنحون شخصياتها كثيراً من الالوان. لا يغير الراوي صوته بين شخصية وأخرى. ولا تشبه نكاتهم القصص الجدية، ذات النهايات المضحكة، ولا تطول النكتة خلال سفرها من حي الى آخر، او من بيت الى بيت. دعاباتهم لا تشبه دعاباتنا من حيث الشكل، لكنّ فيها روح النكتة نفسها. الاخبار الحمصية مثلاً، التي يضحك منها اللبنانيون منذ اجيال، اسمعها هي نفسها، هنا. إلا ان الحمصي فيها بلجيكي. ولكن من القصة اللبنانية لا يبقى الا البداية والنهاية، لا يبقى الا النكتة، النكتة فقط. نكات الشقر اكثر ما يضحك الفرنسيين في ايامنا هذه. ففي فرنسا، الشقر في كل مكان. وكما اراد حس الفكاهة ان يصبح البلجيكيون بسطاء، فقد جعل من الفتيات الشقراوات مثالاً للحماقة والجمال الخارجي الذي لا ذكاء فيه. انها النكتة التي يرددها الفرنسيون باستمرار وتضحكهم كل يوم، والتي باتت لكثرة انتشارها، تضحكهم قبل ان يخبروها. ويكفي ان يقول شاب لصديقته انها شقراء، اذا اوقعت كوباً او اذا اخطأت في الكلام، حتى يضحك الجميع. كل يوم تفرّخ نكتة جديدة عن الشقراوات، وكل فرنسي، ان كان شاباً او فتاة، اشقر او اسمر، يروي نكتته الخاصة عن"القضية". الفتاة الشقراء الجميلة التي تمشي في الشارع تصبح احياناً نكتة بحد ذاتها، لبعض الشباب الذين ينظرون اليها من بعيد، ويضحكون منها بعد ان يرمي احدهم كلمة او اثنتين. وتتخذ احياناً دعابة الشقر ابعاداً جدية اذ عمدت بعض الشقراوات الى صبغ شعرهن. وتبرر إحداهن ذلك قائلة:"تعبت من كوني شقراء"او"وصلت الى عمر ما اشعر فيه انني شقراء". يضحك الفرنسيون من نكات تشبه نكاتنا، ولا تشبهها. يضحكون بسرعة نكاتهم، ولكنهم يضحكون منها الضحكة نفسها، ويذكرهم موضوعها بدعابة اخرى يعرفونها، فيخبرونها بدورهم. وحين اكون بينهم تذكرني بعض نكاتهم، بنكات لبنانية، فأنقلها بدوري. اضطر ان افسر احياناً ان شخصيتي من حمص لا من بلجيكا، او انها ابو العبد وليس شقراء... واحياناً أخرى لا افسر، اروي دعابة حمصية كأنها بلجيكية، فيضحكون.