تحيرني هذي التجاعيد التي تزحف إليك... تتزايد حول عينيك وتمتد بلا خجل في أنحاء وجهك... وتغضبني. يغضبني عنادها، إصرارها على كسر تمردك واختلافك وكرهك لكل ما هو تقليدي ولكل ما يبدو لك ضعيفاً عجوزاً، وأيضاً لكل من رضي أن يبقى مبعداً خلف أسوار يعتقدها من الباطون المسلح وتعرفين أنها في الحقيقة من الأوهام فقط. ماما فاطمة نناديك دائماً، تكرهين المناداة بجدتي، ترفضينها، وأنا أيضاً لا أحب أن أناديك بها، هي لا تشبهك، لا تشبه شبابك الدائم ونظرتك المتفائلة نحو المستقبل. أذكر يوم رفضت شقيقتي الصغرى أن تتعلم الفرنسية في باريس خوفاً من ألاّ تفهمينها وبعد سنوات طويلة تفاجئيننا، أنت التي لم يكن لك حظ الدخول الى المدرسة، فاجأتنا وأنت تنطقين بكلمات فرنسية صحيحة، في موقعها الصحيح من الجملة. أتذكر نقاشاتك وآراءك السياسية وحبك الكبير لفلسطين وحلمك بالسفر... وتلك المكانة المتميزة التي كانت لك دائماً أينما حللت. وأنك حتى في ذلك لا تتماهين مع صورة المرأة المستقلة القوية. أنت نموذج مختلف عن الأخريات... كل الأخريات: قوية في وجه الضعيفات وتفيضين حناناً وعطاء ضد كل ادعاءات المتحررات من أنوثتهن ضد الرجال. اعتقدت دائماً بأن آراءك المختلفة غير"الخنوعة"هي ما ميزك، لكنني ومع مرور السنين وكثرة التجارب أكتشف أنك في كل ثنايا وجداني، تظهرين في كل غمزة، في كل بسمة، ومع كل دمعة. يُفرحني أنك لا تشبهين الأخريات، أتعرفين أنني حين أراقب النساء من حولي... كل النسوة، أتنبه الى أنني تعلمت الأنوثة منك، وأننا كلنا أخواتي وأمي وخالاتي وبناتهن نشبه بعضك، ونحلم بأن نصير مثلك. إذا سُئلت لماذا أكتب عنك لن أجد إجابة علمية، على أي حال لا يصح كلام المعادلات معك وعنك، لكنني حين أغضب وأثور وأفرح أتذكرك، وحين أحن الى نسمة... أي نسمة، وأذكرك حين أحزن وتدمع عيني... لذا سأبدأ الحكاية من نهايتها، سأقول إنني أحب النساء اللواتي يشبهنك، وأحب الأنوثة كما تعرفينها أنت مصدراً للجمال وللعطاء وللقوة وللضعف أحياناً، يحق لنا أن نقع، أن نستسلم، أن نبكي، أن نتألم، أن نصرخ بصوت ترتعد له الزهور الغافية في حدائقها، ثم نقف لنكون أناساً آخرين، أكثر قوة ربما، لكننا أكثر حناناً بالتأكيد... وهذه عباراتك كما أذكرها. لماذا أكتب عنك؟ ربما لأنني لكثرة ما أحببتك طوال حياتي أجد أن بعض الكلمات ستشهد كم هي متينة ووثيقة تلك العلاقة بيننا، وأن شيخوختك لم تبعد المسافات بيننا، ربما أنك كلما كبرت وزادت التجاعيد في وجهك كلما زاد تفهمك لأحلامنا الشبابية.