أبناء الشخصيات البارزة ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً هل يحملون رسالة مماثلة لرسالة آبائهم أو امهاتهم وللبيوت التي نشأوا فيها؟ أين يتشبهون وأين يستقلون؟ وكيف يرون المستقبل، الواقع؟ هذا ما نحاول تلمسه مع نسمة يوسف إدريس 26 سنة خريجة كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة الانكليزية، وتُناقش قريباً رسالة الماجستير في الجامعة الاميركية في القاهرة عن اطروحة بعنوان "الشعر المستوحى من ألف ليلة وليلة" بإشراف الدكتورة فريال غزول. لماذا كان اتجاهك الى الادب الانكليزي؟ - منذ صغري وأنا اهوى الكتابة والقراءة، وكان قلبي متجهاً الى الادب، لأنني ارى فيه كل مكونات الحياة من سياسة وعلوم وغيرهما. وهل كان لوالدك تدخل في هذا الاختيار؟ - والدي توفي حين كنت في الثامنة عشرة، وهو شجعني على دراسة الادب، لأنني كنت أحياناً افكر في دراسة الحقوق، خصوصاً القانون الدولي، وهو لفت انتباهي الى انني من الممكن ان اجد نفسي في الادب، بسبب ميولي. ماذا يمثل لك والدك يوسف إدريس؟ - سُئلت هذا السؤال غير مرة، وفي كل مرة أجد أشياءً جديدة، وكلما يمر عام أشعر أنه يمثل لي معاني أهم واجمل واعمق، لأنني انضج وقيمته في حياتي تكبر كلما كبرت، فهو عندما كان على قيد الحياة كان الصديق والاخ الاكبر والمثل الاعلى، وكان الشخص الوحيد الذي اتحدث معه في كل الامور، من دون قلق او حاجة الى من يترجم افكاري، وبعد وفاته شعرت أنني فقدت قيمة كبيرة. وأنا حالياً اتعايش مع فكرة موته، من منطلق ان روحه مازالت تعيش في داخلي، واصبح رمزاً لكل شيء جميل وكل حلم أريد تحقيقه. كونك إبنة يوسف إدريس، ماذا اضاف لك وماذا أخذ منك؟ - اضاف اليّ الكثير، منه انني عاشرت عبقرية مثله عن قرب وكانت متاحة لي طوال الوقت، وكنت استمتع به كأب حنانه وعظمته وصداقته. واعتبر نفسي محظوظة ليس على مستوى الإبنة فقط، بل كذلك على مستوى الشباب. إذ أن شباباً كثيرين كانوا يرسلون له رسائل يستشيرونه فيها، أما أنا فكنت استشيره ليل نهار، لكنه أضاف إلى عبئي المسؤولية في أن أكون على قدر آماله التي وضعها فيّ وطموحه من دون ان يتكلم، ولا بد أن أكون انسانة ناجحة لكن ليس بالضرورة مثله، كما أن المجتمع ينتظر مني ان اعمل شيئاً جيداً لا سيما أنني اخترت المجال نفسه. وما أقرب أعماله الى قلبك، ولماذا؟ - كل اعمال والدي جزء منه، وأرى في أعماله باختلافها كمالاً. جميعها تشبه البحر والشمس والنجوم والاشجار، ومع ذلك توجد اعمال احس بها جداً لحساسيته المرهفة فيها وملاحظاته للأشياء الصغيرة جداً والتي لا يلحظها معظمنا، ومنها قصة "نظرة" التي تدور حول طفلة صغيرة تعمل خادمة وتحمل صاجاً من الكعك فوق رأسها، وتنظر الى الصبية وهم يلعبون الكرة، هذه القصة كتبها وعمره 50 عاماً، ومع ذلك شعر بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة للطفلة، واعشق كذلك قصتي آخر الدنيا ولعبة البنت بالاضافة الى مسرحيتي: المخططون والفرافير. من وجهة نظرك ماذا يميز اسلوب يوسف إدريس. وما أدواته التي ميّزت ابداعاته الادبية؟ - أهم ادواته أنه كان يشبه اشعة الليزر، فهو كان يخترق الاشياء ويحطمها ويعريها تماماً، ولم يكن ليترك تفصيلاً دقيقاً او احساساً او معاني غريبة كانت محرمة ولم يخترقها أحد قبله، وهذه هي العبقرية، وهو مثال لما يجب أن يكون عليه الفن الذي يأخذك من الروتين والملل ويجعلك للحظات مثل الشمعة والوهج. وماذا عن أعمالك القصصية؟ - اتفقت مع دور النشر على استكمال مجموعتي القصصية الأولى والتي تحمل عنوان مسك الليل وتحوي 20 قصة، على أن تصدر في معرض القاهرة الدولي للكتاب. هل كتبت جانباً من هذه القصص أثناء حياة والدك، وهل كان يشجعك على الكتابة؟ - اغلب قصصي كتبتها بعد رحيله، وفي حياته لم يكن يشجعني على الكتابة وكان يقول لي "ستدمرين حياتك كلها، لأن الكاتب يظل طوال حياته يبحث عن افكار" وهو كان ضد فكرة الكتابة، وفي مذكراتي كنت أكتب احياناً لقطة او قصة قصيرة فكنت آراه يدمع ويصمت خوفاً من أن يكون مصيري مثل مصيره، ومع ذلك كان سعيداً. وهل تنتمي مجموعتك إلى الأدب النسائي؟ - لا، فهي ابعد ما تكون عن الادب النسائي، وأغلبها من الحياة عموماً، والفلسفة تحكم غالبيتها، وقد تكون بطلة احداها امرأة فأكتب بمشاعر امرأة، إلا أن الغالبية ابطالها رجال، لدرجة أن بطل إحدى هذه القصص راهب يتكلم بصفة الأنا. ولمن تقرأين؟ - بحكم دراستي أقرأ لكتاب كثيرين أجانب من إنكلترا أو ألمانيا او روسيا، بالاضافة الى الادباء المصريين أمثال توفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس وعباس محمود العقاد ونجيب محفوظ، وأحب الشعر جداً، لا سيما شعراء اميركا اللاتينية، والشعراء العرب: بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وفدوى طوقان وادونيس. ما ابرز مشاكل الشباب من وجهة نظرك؟ - المشكلة التي أراها خطيرة جداً وعواقبها على المدى القصير والبعيد قد تكون مدمرة هي المسخ الذي يعانيه الشباب، فهو لا يعرف لمن يتبع كيانه، ومن هو؟ وهم لا يسألون أنفسهم حتى الاسئلة البديهية مثل: ماذا أحب؟ وأبسط الامثلة على ذلك، أنني في بداية كل عام أسأل الطلاب الذين أدرسهم، لماذا اخترتم دراسة الانكليزية؟ ونادراً ما أسمع من أحدهم أن هذا كان إختياراً منه، وشبابنا على وشك أن يفقد عزيمته، ولو حدث هذا فلن يكون هناك بلد أو حلم. وماذا عن أحلامك وهواياتك؟ - احلامي الصعبة جداً أن تعم السعادة بين الجميع، واعتبر هذا حلماً وهواية لأنني دوماً أحاول ان أعمل كل شيء باستمتاع، ولا يكون عملي أو زوجي او اصدقائي او اولادي عبئاً عليّ، الى جانب احلامي التقليدية ومنها النجاح في أن اكون كاتبة واستاذة ناجحة، أما هواياتي فهي كثيرة، ومنها هواية التأمل وهي هواية غريبة، لأنني افكر في نفسي على انني كاميرا تحاول ان تلتقط منظراً، وقد يكون هذا تمريناً على الكتابة، الى جانب القراءة وسماع الموسيقى والرياضة، لا سيما التنس والسباحة.