كلما تفتح ورد الربيع الجوري يتورد وجهها الحبيب في ذاكرتي. غداً 21 مارس... عيدالربيع... عيد الأم. وأتذكرها... ابتسامتها... دفئها... رائحة العود والورد في ملابسها... أصداء ضحكتها المميزة الرنين... كرنين الأجراس الفضية... صوتها الذي لم يفقد طفوليته... لو أن لي أن أحاورها... فتسمعني وتجيب! وما زلت ألوذ بها متسائلة، لاجئة من جهلي الى حكمتها. حتى وهي غائبة عني بالجسد... هي في الوجدان الحي أبدا. ذكرى حية... وبعد لا يغيب في إحساسي الواعي وغير الواعي... تعبر معي حقائق أيامي الممتدة... وتساند خطاي إذ أكرر خطاها. يحتضنني أطفالي فأتذكر دفء احتضاني لها. وأعاقبهم إذا اخطأوا.. فأتذكر تفهمها وحنوها. وأفتقد المشاعر في غيرها فلا أجد مثل حنانها وصدق عواطفها. ثم أتألم لعارض جسدي أو نفسي فأجدني دون وعي أناديها... "آه يا أمي". وأنام محاصرة بتأزمات يومي وضغوطه... لأجدها تنبعث في احلامي... مثلما عرفتها في الطفولة... صرحاً شامخاً قوياً يحتضن أشواقي... وصدراً يتشرب دموعي... ونبعاً من الحب البسيط الذي ما تلوث بالمصالح والتمثيل. هي من علمني... أن الجوهر الذي نعرفه عن أنفسنا، هو الأهم في بقائنا سعداء، وصمودنا واقفين... وليس قشور المظاهر التي يمكن ان نغش بها الآخرين. وأننا لا نتحطم عبر تقييم الآخرين لنا سلباً، أو نتسامق بإعجابهم وإشادتهم ايجاباً... وإنما يبنينا ويهدمنا تقييم أنفسنا لنا صدقاً. هي من علمني... أننا نلغي أنفسنا حين نغشها... ولذلك يجب ان نطهر دواخلنا لنستطيع التعايش معها في هدوء، ونستطيع احتواء ضعف الآخرين واحتدامات تقلباتهم، وسماع مشاعرهم من وراء الأقنعة الدفاعية. هي من علمني... كل ايماني بالأعمق من حقائق الوجود... أن الصلاة عمود الدين... وأن الصبر مفتاح الفرج... وأن الصدق هو اساس السعادة... وأن الأنوثة ليست بالاتكاء على إغراء نتصنعه صبغاً على الأظافر أو تلويناً للشفاه، أو تغنجاً بالصوت... بل اكتمال الأنوثة هو قدرتها على التكامل دون فقدان خصوصية التفرد، ودون تقبل المهانة أو الخضوع لغير دوافع الحب الناضج بالوعي. وهي من علمني... ان الأمومة ليست احتضان الطفل أمام الآخرين، وإهماله في غيابهم... وليست في إلغاء كيان الطفل وتفرداته الخاصة لنصوغه امتداداً لأحلامنا غير المتحققة وطموحاتنا وتطلعاتنا... وليست في ارتهانه لتأمين مستقبلنا حين يطالنا وهن العمر. هي من اضاءت لي حقيقة الامومة بأنها العطاء الذي لا يستبقه تخطيط الأخذ مستقبلاً حين "يكبرون"... بل هي أكبر من علاقة الرحم، فهي ذلك التعاطف مع كل ضعيف يحتاج دفء الامومة وحمايتها. هذا الفراغ الذي تركته في حياتي لم ينجح في ملئه بعد كل هذه السنين أي كيان آخر! رحمها الله... وجعل مثواها جنة الأمهات الطاهرات. غداً في عيد الأم... تذكروا أمهاتكم بلمسة حب وتقدير... مهاتفة... زيارة... قارورة عطر تستعير شيئاً من عبق وجودها... 21 وردة حب لا تفي لتكريمها... الأم... هي تجسيد ذلك الحب الذي لا يموت.