هل نحن في طريق العودة الى المجتمع الأمومي؟ وهل سينعم العالم بالسلام حين تتسلم النساء كل شؤونه فتختفي شجونه ونبلغ من حيث لا ندري فراديسنا المحلومة منذ بداية الخليقة؟ لعله تفكير ساذج، لكن لو ألقينا نظرة على خريطة الأرض حالياً لوجدنا ان مراكز القيادة المشغولة من قبل سيدات قديرات تفوق في مطلع القرن الحادي والعشرين أي زمن آخر. ولو بدأنا من آخر المستجدات في هذا المجال ألا يدهشنا ما حصل في ليبيرياوألمانيا حيث شقت امرأتان طريقهما الى رئاسة الحكومة على متن تأييد شعبي عارم؟ من كان يصدق ان المرأة التي بدأت حياتها منظّفة وخادمة حققت انتصاراً مذهلاً على بطل كرة قدم ومليونير، وفي بلد افريقي ذكوري السياسية والتقاليد الى حد الشوفينية؟ إلين جونسون - سيرليف ادخلت كرة الإرادة الشعبية في مرمى جورج ويها، فائزة في نسبة فاقت 70 في المئة، والطريف المثير للسخرية ان الرئيس الخاسر اتهم المنتخبة للمرة الأولى بالتزوير، فكأنها هي السلطة وهو المرشح المغبون! في الأثناء صرّح ممثل الأممالمتحدة لدى بعثتها في ليبيريا ان الانتخابات كانت شفافة وهادئة، كذلك كان موقف لجنة المراقبة المحلية. اما في ألمانيا التي تشهد وصول امرأة الى قمة السلطة للمرة الأولى في تاريخها الحديث، فكان الصراع مريراً حتى اللحظات الأخيرة. ولو نحّينا جانباً النعوت المتضاربة التي اطلقت عليها ابتداء من تشبيهها بمارغريت ثاتشر واعتبارها"المرأة الحديد لألمانيا"او"داس مادشن"أي"الفتاة"انطلاقاً من عدم ثقة بعضهم بجدارة المرأة، حتى في ألمانيا، فإن ألمانيا لم تعرف عبور امرأة الى رأس هرم السلطة منذ الملكة ماريا تيريزا في القرن الثامن عشر، وما حققته انجيلا ميركيل لجهة التحالف مع"اعدائها"وتشكيل حكومة يكاد العنصر النسائي ان يبلغ نصف اعضائها يعتبر ذروة في الإنجاز السياسي قل نظيره. على رغم نجاحها العسير في نسبة 51.6 في المئة اصبحت تارجاك هالونن اكثر رئيسة محبوبة لفنلندا. وفي مجتمع لوثري شمالي محافظ جابهت هالونن تقاليد بلدها ولم تتزوج اب ابنتها إلا بعدما كبرت البنت واقتنعت هالونن بالزواج من رفيق دربها. وكانت هالونن انضمت الى الحزب الاشتراكي الديموقراطي عام 1995 وشغلت منصب وزير خارجية حتى العام 2000 حين قادت فنلندا الى عضوية الأسرة الأوروبية، ربما لا يسع القارئ ان يتذكر عشرة اسماء فنلندية مشهورة، لكنه لن يتمكن من نسيان هالونن بسهولة، فهي التي سحبت بلدها من عزلته الجليدية الى دينامية المغامرة الأوروبية الكبرى. فايرا فيكه - فريبيرغا في الثامنة والستين من عمرها، تخلت عن جنسيتها الكندية لتصبح رئيسة لجمهورية لاتفيا. ويشاع في اوساط الأممالمتحدة انها ستكون خليفة كوفي أنان. اول امرأة على رأس دولة من اوروبا الشرقية تملك طلاقة الكلام والكتابة في خمس لغات هي الفرنسية والإيطالية والألمانية والإنكليزية اضافة الى لغتها الأم. بعد الحرب العالمية الثانية هربت اسرتها الى كندا حيث نشأت فايرا في مونتريال ودرست علم النفس واللغات. وبعدما فشل البرلمان اللاتفي في التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة مخضرمة عام 1999 تقدمت بترشيح نفسها ولا تزال في اعلى هرم السلطة، قادرة على اقامة التوازن الصعب بين موالاة الغرب وعدم معاداة الروس. في الفيليبين غلوريا ماكاباغال - أرويّو هي المرأة الثانية في رئاسة الحكومة بعد الوصول التاريخي الى السلطة الذي حققته كورازان اكينو. قيل انها اكثر النساء قوة في العالم. لكنها تواجه حالياً تظاهرات عنيفة داعية الى استقالتها، بسبب اتهامات وجهها المرشح ضدها فرناندو بو مدعياً انها زوّرت نتائج الانتخابات. في الفترة الأولى لحكمها استطاعت ان ترد تهم تبييض المال عن زوجها المحامي. ويذكر ان غلوريا ورثت العمل السياسي عن والدها الرئيس الراحل ويوسدادو ماكاباغال، وهي متخصصة في الاقتصاد، دخلت المعترك السياسي عام 1992 فائزة بمقعد في مجلس الشيوخ، ثم دخلت قصر الحكومة على أنقاض جوزف استرادا الذي أسقطته ثورة شعبية على الطريقة الفيليبينية. في موزامبيق لويزا ديوغو، 47 سنة، تمثل الجيل الجديد من جبهة التحرير الحاكمة، صحيح انها لم تحمل السلاح في سعيها الى السلطة بل أدركتها بالوسائل الديموقراطية، لكن لويزا مقاتلة بالفطرة. درست العلوم الاقتصادية في جامعة مابوتو وحصلت على الماجستير من جامعة لندن بالمراسلة، ثم عملت لدى البنك الدولي في عاصمة بلدها، وبالتالي جرى اختيارها لوزارتي التخطيط والمال فاحتفظت بالوزارتين حين انتخبت لرئاسة الحكومة، واستطاعت عام 2004 ان تنتزع قراراً دولياً بإعفاء بلدها من الديون الخارجية. رئيسة وزراء نيوزيلندا هيلين كلارك 55 سنة امرأة باردة الأعصاب، شجاعة، طليعية في اتخاذ القرارات الصعبة، وفولاذية في المواجهات. وصلت الى الحكم عام 1999 بعد عشر سنوات من العمل السياسي ضمن حزب العمال وقيامها بمهمات وزارية ونيابة رئيس الحكومة. برعت في إقناع الأحزاب الصغيرة كي تساند ترشيحها واستعادت منصبها في مشقة وبسالة خلال نيسان ابريل الفائت وذلك بسبب المعضلة القائمة بين الحكومات المتعاقبة وبين شعب الماوري الأصلي المطالب بحقوق مائية وشاطئية ذات طابع خرافي. مع ذلك كانت لديها الشجاعة لاتخاذ القرار المماثل في هولندا وبلجيكا وإسبانيا بعدم تجريم مدخني الماريجوانا، كما شرّعت البغاء تحت سلطة القانون، وتعتبر هيلين كلارك في طليعة السياسيين المناهضين للطاقة النووية من اجل الحرب. شاندريكا كومارا تونغا 60 سنة رئيسة دولة سري لانكا منذ العام 1994 تنتمي الى سلالة سياسية عريقة، اذ خدم والداها بلدهما فكانت امها سيريمافو باندرانايكا اول رئيسة حكومة في العالم، اما والدها فقتل على ايدي التاميل وهي في الرابعة عشرة وعام 1989 سقط زوجها ايضاً، كما كادت تفقد حياتها حين هاجمها احد نمور التاميل عام 2000 خلال الحملة الانتخابية، وصلت شاندريكا الى الحكم بوعد انهاء الحرب، وعلى رغم المحادثات الفاشلة استطاعت كوماراتونغا ان تهدئ الوضع نسبياً، الى ان باغت بلادها اعصار تسونامي مودياً بحياة 30 ألف سيريلانكي فاضطرت الى تعليق المحادثات والاهتمام بالمناطق المنكوبة. البيغوم خالدة ضيا رئيسة حكومة بنغلادش 60 سنة بعكس نظيرتها في سري لانكا لم تكن مهتمة بالسياسة حتى العام 1981 عندما اغتيل الديكتاتور العسكري زوجها ضياء الرحمن. وعام 1983 مع انفراج الحال السياسية نسبياً في ظل حكم الجنرال حسين ارشاد عينت خالدة نائبة رئيس الحزب الوطني البنغلادشي، فما ان تمرست في العمل السياسي حتى انتخبت بعد ثماني سنوات لتكون اول رئيسة حكومة في بنغلادش تأتي الى الحكم بالوسائل الديموقراطية. إلا ان وجودها في السلطة اثار غيرة الشيخة حسنية، ابنة مؤسس الدولة البنغلادشية فهزمتها في انتخابات العام 1996. وبعد خمس سنوات، أي عام 2001 عادت خالدة الى الحكم في غالبية شعبية. اخيراً، لا يجوز ان ننسى رئيسة الجمهورية الإيرلندية ماري مكليس مع ان رئاسة الجمهورية في ايرلندا لا تتمتع بالسلطة التنفيذية وهي ذات دور"ملكي"مع ذلك تتمتع ماري 54 سنة بشخصية قوية تركت بصماتها على الحياة السياسية منذ العام 1997، فهي ابنة الأحياء الفقيرة في بلفاست، عرفت عنف الحياة في ظل الاحتلال البريطاني وعمليات جيش التحرير الإيرلندي وحملت معها الى الرئاسة صراحة الموقف وجدية بناء الجسور بين البروتستانت والكاثوليك المتنازعين منذ اكثر من قرن في ايرلندا الشمالية. مقارنة تلك السيدات بمارغريت ثاتشر اصبحت من الأمور المفروغ منها، شئن ام أبين، فثاتشر ارست قاعدة تنفي ربط السلطة الحديد بالرجال وحدهم، وتمكنت من تجاوز كل العقبات التي واجهت كل حقائبها الوزارية، كما تمتعت بحنكة ثعلبية ماهرة في تدوير المواقف لجهتها وجعل الأزمات في متناول الحل مهما صعبت. والحق يقال ان كل الرئيسات الواردة اسماؤهن اعلاه لم يبلغن بعد الشأو السياسي الذي بلغته ثاتشر. يبقى السؤال الكبير: هل تستطيع الولاياتالمتحدة المفروض انها اكثر الدول"تطلعاً نحو المستقبل"بحسب السيدة اولبرايت، ان تأتي بامرأة الى البيت الأبيض في الدورة الرئاسية المقبلة؟ وهل تكون تلك المرأة هيلاري كلينتون كما يتوقع كثر ويخشى كثر على السواء؟ ولو حصل ذلك، كيف سيتغير العالم الى الأفضل؟ ربما يكون الجواب ان تأتي امرأة الى الحكم في العالم العربي، ايتها الحالمات في الخدور!