التهاب القصبات المزمن مرض صامت، وبحسب احصاءات منظمة الصحة العالمية فهو مسؤول عن أكثر من مليوني وفاة في أنحاء المعمورة، وهذا الرقم سيصل بحلول العام 2020 الى نحو أربعة ملايين أو يعتقد بأنه سيصبح السبب الثالث للوفاة حينئذ. والتهاب القصبات المزمن حالة مرضية غالباً ما يتم كشفها في شكل متأخر، بعد حدوث خراب واضح لا يمكن اصلاحه، من هنا ضرورة كشف المرض باكراً من أجل تفويت الفرصة عليه. ان الرجال والنساء ليسوا سواسية أمام الإصابة بمرض التهاب القصبات المزمن، فالمرأة أكثر تعرضاً له لأسباب تشريحية وهورمونية. قبل أكثر من 10 سنوات لم تكن حصة الجنس اللطيف من التهاب القصبات تتجاوز العشرين في المئة، أما في أيامنا هذه فبلغت حصتهن 40 الى 50 في المئة والسبب يرجع الى مقارعة النساء للرجال في بعض العادات السيئة. هناك عوامل عدة لها دورها في التمهيد للاصابة بالتهاب القصبات المزمن ومنها: التدخين، ويعتبر من أهم العوامل التي تأكدت علاقتها بالتهاب القصبات المزمن، فقد كشفت الدراسات التجريبية ان التدخين لمدة طويلة ينقص حركة الأهداب ويثبط وظيفة الخلايا البالعة في نهاية الأنابيب الرئوية كما يؤدي الى تضخم الغدد المفرزة للمخاط، وهذا كله يقود الى انسداد الطرق التنفسية الصغيرة الذي يكون واضحاً عند المدخنين الشباب، وهذا الانسداد يمكن حصول عكسه في حال التوقف عن التدخين في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان. التلوث الجوي، فقد بينت التحريات أن هناك صلة وثيقة بين التهاب القصبات المزمن والتلوث الجوي بثاني أوكسيد الآزوت وثاني أوكسيد الكبريت وجزيئات تلوث أخرى. المهنة، ان التهاب القصبات منتشر بكثرة بين العاملين الذين يتعرضون لأبخرة عضوية وغير عضوية سامة. الالتهابات الميكروبية، ان تكرار الالتهابات القصبية - الرئوية ستقود عاجلاً أم آجلاً الى الاصابة بالتهاب القصبات المزمن. العوامل العائلية - الوراثية، هناك عوائل تصاب أكثر من غيرها بالتهاب القصبات المزمن. يتظاهر التهاب القصبات بالعوارض الآتية: 1 - ضيق التنفس التدريجي الذي يظهر في البدء عند الجهد ثم يتطور ليحدث في أوقات الراحة. 2 - سماع صوت الصفير عند التنفس. 3 - الإحساس بضيق في الصدر. 4 - السعال المستمر المترافق مع خروج بلغم لزج. 5 - الشعور بالتعب الدائم. 6 - اضطراب في النوم. 7 - فقدان الوزن. ان اللافت في مرض التهاب القصبات المزمن هو أن المصاب لا يشكو إلا من السعال والقشع خروج مفرزات رئوية والتدخين. والسعال غالباً ما يبدأ في الشتاء ويشتد رويداً رويداً ليحصل على مدار السنة، ويظل السعال ملازماً للمريض أعواماً طويلة فلا يستشير طبيبه إلا عندما يترافق مع صعوبة في التنفس أو بعد تعرضه لقصور في القلب الأيمن. ويتم تشخيص التهاب القصبات المزمن بناء على ما يرويه المريض عن حالته وبعد فحصه سريرياً واجراء تحاليل للقشع اضافة الى اجراء أشعة للصدر وتحاليل دموية واختبارات وظائف الرئة وهذه الأخيرة لها أهمية قصوى في وضع التشخيص وبالتالي معرفة درجة العجز التنفسي المرافق للالتهاب، وهل هو بسيط أو متوسط أو شديد. يجري قياس القدرة التنفسية بواسطة جهاز"سبايرومتري"حيث يزفر المصاب خلاله وفي مدة زمنية معينة، وبناء على كمية الزفير المودعة في الجهاز يقرأ الطبيب درجة العجز التنفسي الذي يعانيه المريض. والى جانب هذا فإن قياس درجة العجز لها كلمتها في تدبير المرض بالوسائل المناسبة. وإذا كان التدخين حاضراً بقوة في حياة المصاب فعلى هذا الأخير ان يقول له وداعاً. فالاقلاع عن التدخين يعتبر الوسيلة الأكيدة التي تسهم في انحسار مرض التهاب القصبات المزمن، ويكون أثر الاقلاع واضحاً أكثر ما يكون في المراحل الأولى لتطور المرض. أما اذا كانت الملوثات البيئية أو المهنية هي السبب فعلى المصاب أن يحاول جهده كي يغيِّر مكان سكنه أو مكان عمله ليشطب من حياته ما يعكر صفو قصباته. أيضاً على المريض أن يحصن نفسه ضد الانفلونزا بأخذ اللقاح سنوياً، كما يجب الانتباه الى أي التهاب ميكروبي وعلاجه بالتي هي أحسن. ان زيادة مفرزات القشع واصفرارها يدلان إلى بدء وقوع الالتهاب وهنا لا بد من تناول المضادات الحيوية لمدة أسبوع الى عشرة أيام. وإذا ترافق القشع مع الحمى والآلام الصدرية فمن الضروري زرع المفرزات للتعرف إلى الميكروبات المسببة وبالتالي تناول المضادات الحيوية المعادية لها. ومن بين التدابير الأخرى التي يلجأ اليها الطبيب في علاج التهاب القصبات المزمن: - اعطاء الأدوية الموسعة للقصبات للتغلب على ضيق النفس الناتج عن تقلص العضلات الموجودة في تراكيب الفروع القصبية أو عن انتفاخ الأنسجة المبطنة للقصبات. - وصف المقشعات للمساعدة على تصريف المفرزات المتراكمة في أقنية الرئة. - اعطاء الكورتيزون ومشتقاته للسيطرة على تهيج القصبات الهوائية والتهابتها. - اعطاء الأوكسيجين عند الضرورة. - التمارين الرياضية لتحسين حالة المريض، خصوصاً لجهة تحمل الجهد. يبقى علينا أن نعرج على بعض النقاط المهمة حول مرض التهاب القصبات المزمن خصوصاً وأمراض الرئة عموماً: ان السعال الصباحي المترافق مع خروج البلغم ليس شيئاً طبيعياً كما يتوهم بعضهم، وخصوصاً عندما يترافق مع ضيق النفس، ان وجود أحد هذين العارضين أو كلاهما يجب أن يدفع لاستشارة الطبيب. ان تناول مضادات السعال ممنوع في مرض التهاب القصبات المزمن، لأن المضادات لا تسمح بطرد المفرزات المتقوقعة في القنوات الهوائية بل تبقى تراوح مكانها مشكلة بؤرة سهلة لغزو الميكروبات وتكاثرها. ان ضيق النفس لا يعني بالضرورة ان هناك داء رئوياً، فهذا الضيق قد يحصل من مرض في القلب أو قد ينتج عن ارتفاع ضغط الدم، والطبيب وحده هو الذي يميز بينها.