زحمة المهرجانات السينمائية العربية، عالمية واقليمية ومحلية، لا تترك للمرء لحظة يتنفس فيها... بل لا تترك للمعنيين يوم راحة بين سفر وسفر، ومدينة ومدينة، ومهرجان وآخر. من يتابع هذا النشاط المزدحم الممتد من مشرق العالم العربي الى مغربه يخيل اليه لوهلة ان السينما العربية في ألف خير. وتزداد الصورة الظاهرية لهذا الخير، حين يشاهد المرء حصيلة كل هذا على الشاشات الصغيرة التي صار من عادتها - مشكورة في معظم الأحيان - أن تتابع نشاطات المهرجانات وتقدمها لمتفرجيها. وطبعاً كان يمكن الافتراض ان هذه المتابعة تعود بالخير العميم على السينما. لكن الحقيقة ان هذه الأخيرة لا تستفيد كثيراً من المتابعة التلفزيونية، وهو أمر سبقت الاشارة اليه كثيراً. ما نحن في صدده هنا هو السؤال عما اذا كانت كثرة المهرجانات السينمائية لا تعني - بالنظر الى الأمر الواقع - أكثر من كونها - أي المهرجانات - مجرد تحية لفن يعيش آخر سنوات ازدهاره، كمّاً إن لم يكن نوعاً. ما يؤكد النظرية الدائمة التي تقول اننا لا نكرم أحداً إلا بعد موته أو اعتزاله. ولكن في المقابل، وانطلاقاً من هنا، يصح ان نسأل، اذا كانت السينما، ذلك الفن الذي يعيش أزمات وجود في الكثير من العواصم العربية، تحظى بكل هذه المهرجانات، وهي على ما هي عليه، لماذا لا تزال التلفزة نفسها تعيش مرحلة - ما - قبل - مهرجانية؟ أوَليس من الضروري الآن، وللتلفزة، فضائية كانت أم أرضية، أن تحظى بدورها، تجديدات وانتاجاً ونجوماً وانجازات، باحتفاليات سنوية تكشف ما لديها من جديد، وما تتطلع اليه مستقبلاً؟ نعرف طبعاً ان في القاهرة، على الأقل، احتفالية سنوية من هذا النوع، يُعتد بها وبجوائزها، وتعتبر موسماً ينتظر. ولكن هل تكفي المناسبة القاهرية؟ في يقيننا ان"مهرجانات"تلفزيونية تنتشر الآن، انتشار المهرجانات السينمائية، ستبدو أكثر واقعية ومنطقية، بالنظر الى ما بات الجهاز الصغير يعنيه في حياتنا العربية المعاصرة، إذ يزداد الاهتمام به ومتابعته، مئات الأضعاف عن حجم الاهتمام بالسينما ومتابعتها. لعل مثل هذه المناسبات، إن تكاثرت وتعلمت من السينما دروسها، تكون قادرة على رفد الفن التلفزيوني - والعمل التلفزيون عموماً - بحوارات وتبادل خبرات، وحث على التجديد والتطوير، تكون في نهاية الأمر، في مصلحة هذه"النهضة"المدهشة التي تعيشها الشاشات الصغيرة في بلداننا. في كلمات أخرى، هل نكون فاعلين ان نحن طالبنا بمثل هذا الاهتمام بالتلفزة... قبل أن تحل أزمات مقبلة، يتكاثر فيها هذا الاهتمام، ولكن لمجرد الاحتفال اللاحق بفن يعيش سنواته الأخيرة؟