نشرت وسائل الإعلام قبل ما يزيد عن الأسبوع، عن مصادر قريبة من السيد علي السيستاني، ما يفيد بأن دور المرجعية في الانتخابات المقبلة، التي ستجري في الخامس عشر من كانون الأول ديسمبر المقبل، سيقتصر على دعوة الناخبين الى الادلاء بأصواتهم في الانتخابات من دون التدخل في خياراتهم لمن يريدون التصويت له. وأكثر من هذا، فقد حرّم السيد السيستاني على ممثليه في المحافظات ترشيح أنفسهم فيها، إذا أرادوا الاحتفاظ بصفتهم ممثلين له. ولعل هذا الموقف نجم عن تجربة الانتخابات السابقة التي ساهم مكتب السيد السيستاني في تشكيل قائمة الائتلاف المرقمة 169 والزعم بأنها تحظى بمباركته، من دون أن تكون هذه المباركة موثقة بختمه وتوقيعه، الأمر الذي أكد ضرورته ممثله السيد الخفاف في أكثر من مناسبة. ومعلوم مدى التأثير الذي قام به هذا الزعم في حصول القائمة المذكورة على النسبة العالية من الأصوات في الانتخابات، الأمر الذي حمل المرجعية جزءاً كبيراً من مسؤولية الأداء السيئ لحكومة الدكتور إبراهيم الجعفري على كل الصعد. هذا الأداء الذي سبب الاحباط في أوساط المرجعية ذاتها، كما ورد على لسان الشيخ أحمد البهادلي، الاستاذ في الحوزة العلمية وممثلها في المؤتمر العالمي الذي نظمه المعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية، في مقابلته المنشورة في مجلة"الكلمة"الصادرة عن"مؤسسة الإمام الخوئي"في لندن في عددها الصادر في آب اغسطس الماضي. لقد شهد الأسبوع الأخير الذي أعقب التصويت ب"نعم"على الدستور تشكيل القوائم الجديدة التي ستخوض الكيانات السياسية: أحزاب ومنظمات وشخصيات سياسية الانتخابات، بعيداً عن أي تدخل من جانب السيد السيستاني أو مكتبه، على ما يبدو، هو أمر جيد، يحفظ للمرجعية مقامها في نفوس مقلديها ويمنع استغلال هذا المقام من قبل جهات سياسية لأغراض حزبية، وحتى شخصية، لا علاقة لها بمهمات المرجعية الدينية. واننا نأمل بأن يستمر هذا الموقف، وأن لا يجري الالتفاف عليه من قبل أي جهة، وتحت أية ذريعة كانت. ذلك أن أي انحياز لهذا الطرف أو ذاك، وهذه القائمة أو تلك، سيحمّل المرجعية تبعة الأخطاء والخطايا التي يمكن أن يرتكبها أي حزب أو منظمة أو شخصية سياسية، لأن العمل السياسي، ومن يشارك فيه، عرضة لهذه الأخطاء والخطايا، كما يشهد على ذلك، ليس فقط تاريخ العقود والعهود السابقة، بل تاريخ الثلاثين شهراً التي انقضت على سقوط النظام الديكتاتوري المنهار. إن الشعب العراقي بكل مكوناته، كما يشهد على ذلك هذا النشاط الانتخابي الواسع، يتوق الى انتخابات حرة نزيهة، لا تشوبها شوائب الإكراه المادي أو المعنوي، الذي يصادر ارادة الناخب بأي شكل كان هذا الإكراه، وأن تساهم المرجعيات الدينية على اختلافها من كل الأديان والمذاهب في تأمين حرية الناخب في أن يختار البرنامج الذي يصوّت له انطلاقاً من فهمه لمصلحته ومصلحة الوطن والشعب، وليس انطلاقاً من انتماءات ضيقة دينية أو مذهبية أو قومية. وإننا إذ نخص مرجعية آية الله السيد علي السيستاني في هذا السياق بالذكر، فإن ذلك يأتي انطلاقاً من الدور الذي لعبته في دعم العملية السياسية السلمية منذ بدايتها. ومن اصرارها المعلن على ضرورة تولي الشعب العراقي لشؤونه بنفسه عبر ممثليه المنتخبين بحرية، واستكمال بناء مؤسسات الدولة الدستورية بأسرع وقت ممكن، وتوفير الظروف اللازمة لاستكمال السيادة الوطنية وانهاء وجود القوات الأجنبية على أرض الوطن. كاتب عراقي، لندن.