أنهى السودانيون أمس نحو 22 عاماً من الحرب الأهلية في جنوب البلاد بالرقص والزغاريد والأهازيج في حفل وسط نيروبي شهده نحو 25 رئيس دولة وحكومة، إضافة إلى ممثلي ومسؤولي منظمات اقليمية ودولية، وغاب عنه زعماء المعارضة والفصائل المسلحة في شرق البلاد وغربها. وشكلت أزمة دارفور حضوراً بارزاً في كلمات وسطاء السلام الأفارقة وشركائهم الغربيين. ووقع النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه وزعيم"الحركة الشعبية لتحرير السودان"جون قرنق الذي سيحل مكانه في قصر الرئاسة على وثيقة اتفاق السلام النهائي التي تحوي أكثر من مئتي صفحة تشمل اتفاقات اقتسام السلطة والثروة والترتيبات الأمنية والعسكرية ومستقبل المناطق المهمشة الثلاث وملحقين لوقف النار الدائم وكيفية تنفيذ الاتفاقات وجداولها الزمنية التي توصل اليها الجانبان خلال 30 شهراً من المحادثات. كما وقع على الوثيقة شهوداً ممثلو 12 دولة ومنظمة تشمل الرئيس الاوغندي يوري موسفيني الذي يرأس الدورة الحالية للهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا ايغاد التي توسطت في النزاع، والرئيس الكيني مواي كيباكي رئيس اللجنة الفرعية في ايغاد المعنية بملف السلام السوداني، ووزير الخارجية الاميركي كولن باول، ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة محمد سحنون، ووزيرة التعاون الدولي النروجية هيلدا جونسون، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ومساعد وزير الخارجية الايطالي، ونائب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي باتريك مازيماكا، ووزير التعاون والتنمية في لوكسمبورغ تشارلز غارنر عن الاتحاد الأوروبي، ووزيرة التنمية الدولية البريطانية هيلاري بن، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة الى السودان يان برونك ووزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط. كما شهد الحفل الرؤساء الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والرواندي بول كاغامي والبورندي دوميسيان ندايزي والجيبوتي اسماعيل عمر غيلي والتنزاني بنيامين مكابا والصومالي عبدالله يوسف، ونائب رئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما والنيجري ابو بكر اتيكو، ورئيس الوزراء الاثيوبي والتشادي. وتزاحم نحو سبعة آلاف سوداني، معظمهم من اللاجئين الجنوبيين في كينيا، ومئات حضروا من الخرطوم والمناطق التي تسيطر عليها"الحركة الشعبية"في جنوب البلاد وجبال النوبة والانقسنا على استاد كرة القدم الذي نظم فيه الحفل وسط نيروبي وسط زغاريد ورقص وأهازيج وهتافات، بينما كانت الخرطوم هادئة ولم تشهد فرحة مماثلة، واستمرت الحياة الطبيعية في الأسواق والأحياء عدا عشرات من الجنوبيين من أنصار"الحركة الشعبية"عبروا عن فرحتهم بطريقتهم الخاصة. ولوحظ ان جميع زعماء المعارضة غابوا عن حفل السلام وأنابوا عنهم ممثلين لأحزابهم، وقاطع قادة الفصائل العسكرية في دارفور وشرق البلاد المناسبة على رغم دعوتهم من قرنق. وأشاد وزير الخارجية الأميركي كولن باول بالتوقيع على اتفاق السلام، واعتبره خطوة في اتجاه المصالحة، لكنه حذر رهن موقف بلاده حيال السودان بحل أزمة دارفور وطالب طرفي الاتفاق بالتحرك فوراً لايجاد حل سريع ووقف"العنف والفظائع في دارفور"ووعد باقامة علاقات ايجابية مع السودان. واعتبر الرئيس السوداني عمر البشير الاتفاق صفحة جديدة في تاريخ بلاده، وتعهد بتنفيذه وإقرار الحريات والديموقراطية وتحقيق اجماع يؤدي الى حل أزمة دارفور وشرق السودان، ووعد بوقف العنف والقتال في دارفور والسعي مع"الحركة الشعبية"لاستيعاب كل القوى السياسية. ووصف جون قرنق في خطاب طويل كرر فيه عدم رغبته في عدم العودة إلى التمرد... اتفاق السلام ميلاد"سودان جديد"يختلف عن الذي نال استقلاله قبل 49 عاماً، ويودع"عهد الاستعمار وتجارة العبيد"، وأعلن الافراج عن جميع الأسرى وسجناء الحرب الذين تحتجزهم حركته. وأكد قرنق، الذي قوطع غير مرة بهتافات أنصاره، أنه سيعمل على استيعاب كل الأحزاب والقوى السياسية في مرحلة السلام، وعدم اقصاء أي جهة. ودعا المعارضة إلى المشاركة في الحكومة الانتقالية والمؤسسات التي ستنشأ ودعم الاتفاق، موضحاً أن السودان سيشهد للمرة الأولى وحدة طوعية وحرة، ولكنها ستفض بعد ست سنوات عبر الاستفتاء إذا لم يقتنع بها شعب جنوب البلاد. كما طمأن القوى الجنوبية التي لا تنتمي إلى حركته، ووعد باشراكها في حكومة الجنوب التي سيرأسها لمنع النزاع بين الجنوبيين. وتعهد بممارسة ديموقراطية تسمح للجميع بنيل حقوقهم، ودعا المهاجرين من أبناء الجنوب إلى العودة إلى ديارهم، مشيراً إلى أنه سيستوعب حتى معارضيه. وتلا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان يان برونك كلمة نيابة عنه أعرب فيها عن سروره بانتهاء أطول حروب افريقيا. وقال إن المصاعب التي ستواجه تنفيذ اتفاق السلام ينبغي تجاوزها بحكمة حتى لا تعود الحرب. واعتبر الاتفاق حافزاً لحل أزمة دارفور ومشاكل الأقاليم الأخرى. ورأى كوفي أنان في خطابه الذي وجهه إلى الحفل، ان السلام لا يمكن تقسيمه، وان الاتفاق في جنوب البلاد سيكون بداية عهد جديد لخلق سودان ديموقراطي، ودعا إلى عقد مؤتمر للمصالحة الشاملة في البلاد، وقال إن مجلس الأمن سيقرر قبل نهاية الشهر نشر بعثة سلام فاعلة في السودان، وتعهد بدعم الاتفاق على رغم المصاعب التي يمكن أن تواجه تنفيذه، مشيراً إلى ان المرحلة المقبلة لن تكون طريقاً ممهداً. واعتبر ممثلو الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والاتحاد الافريقي ورئيسا اوغنداوكينيا ورئيس الوزراء الاثيوبي ووزراء من النروج وبريطانيا واريتريا والهند وايطاليا خاطبوا الحفل اتفاق السلام خطوة مهمة نحو تحقيق الأمن والاستقرار في السودان، لكنها غير كافية ما لم تحل أزمة دارفور ووعدوا بدعم الاتفاق والمساهمة في إعادة إعمار جنوب البلاد وتنميته.