هاريس: أسعى لخوض مناظرة ثانية مع ترامب    الأهلي يتغلّب على ضمك برباعية في دوري روشن للمحترفين    النصر يحقق أول فوز تحت قيادة بيولي بثلاثية في مرمى الاتفاق    غابري فيغا: عانينا كثيراً في المباراة واليوم افضل اداء لي مع الاهلي    هزة أرضية جنوب مدينة الشقيق قدرها 2.5 درجة على مقياس ريختر    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    التعادل السلبي يخيم على مواجهة الخليج والفيحاء    ضبط مواطن بمحافظة طريف لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    غوارديولا يعرب عن سعادته بعودة فودين للمشاركة في المباريات    بالزي السعودي.. «نيفيز» يعيد ذكريات زواجه    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    برعاية وزير النقل انطلاق المؤتمر السعودي البحري اللوجستي 2024    جمعية إسناد تنفذ مبادرة نسمعهم لمستفيديها ذوي الاعاقة السمعية    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باليوم الوطني 94 بفعاليات تشكيلية وسينمائية وتراثية وثقافية    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ينظم مؤتمره الدولي الثالث    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    جيش إسرائيل يؤكد مقتل الرجل الثاني في حزب الله اللبناني إبراهيم عقيل    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    المركز الوطني للأرصاد يحذر من المعلومات الفردية غير الرسمية عن مناخ المملكة    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    حافظ :العديد من المنجزات والقفزات النوعية والتاريخية هذا العام    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    "رفيعة محمد " تقنية الإنياغرام تستخدم كأداة فعالة لتحليل الشخصيات    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    حروب بلا ضربة قاضية!    قراءة في الخطاب الملكي    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    نائب أمير منطقة جازان ينوه بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد رعد قضى أياماً صعبة في برج سامراء وبساتين الرمادي وصحراء طرابيل . الفلوجة حلقة الخطف الأولى ... ومضارب العشائر العراقية ملاذات آمنة للخاطفين وأمرائهم
نشر في الحياة يوم 09 - 09 - 2004

عندما باشر اللبناني محمد رعد الحديث عن مختطفيه العراقيين، وعن فترة ال72 يوماً التي قضاها عندهم بين الفلوجة والرمادي وسامراء، تدخل والده اكثر من مرة ليصوب كلام ابنه، فتفاوت اوصاف الابن لخاطفيه بين الجهاد والاجرام والسرقة لم ترق للوالد خصوصاً ان لهؤلاء امتداداتهم في لبنان وان الاحتياط واجب، ومن الخطر اطلاق الأوصاف عليهم من دون حساب. قد لا يكون كلام الوالد دقيقاً، ولكنه لا يخلو من الحقيقة. فهو، اي الوالد، وعندما بلغه خبر خطف ابنه وجد في لبنان قناة الى الخاطفين. اتصل بالشيخ ماهر حمود في صيدا الذي باشر بدوره اتصالات مع الشيخ احمد الكبيسي المقيم في ابو ظبي، وهذا الأخير وعد الأهل ببذل المستطاع بعد ان تحقق من ان محمد ذاهب الى العراق ليخطب ابنة خاله هناك.
لا شك في ان هناك بيئة عربية حاضنة لعصابات وجماعات الخطف في العراق. فالشيخان ماهر حمود واحمد الكبيسي وخلال توسطهما بين الخاطفين وذوي المخطوفين لم يشقّا طريقاً يجهلها الآخرون، ونبرة الرجاء والتمني التي خالطت المناشدات التي اطلقها ناشطون اسلاميون في الأردن وفي قناة الجزيرة القطرية وطالبوا فيها باطلاق الصحافيين الفرنسيين كشفت عمقاً اوسع يتحرك فيه الخاطفون، اذ بدا واضحاً من تلك النبرة ان مطلقيها لا ينكرون على الخاطفين حقهم في الخطف واحياناً الذبح ولكن عليهم ان يدركوا كيف يفعلونها وبمن. وهناك قصة نجاح لبنانية ثانية في مجال الاتصال بالخاطفين وتحرير رهائن من بين ايديهم، وهي قصة جندي المارينز من اصل لبناني واصف حسون الذي اطلق بظروف غامضة ووصل الى لبنان ايضاً في ظروف غامضة، وما رشح من اخبار عن ادوار لعبها مُفتون من مدينة طرابلس اللبنانية ومدينة حلب السورية في رعاية تحرير الجندي الأميركي من ايدي خاطفيه.
ومتقصي قنوات الاتصال بالخاطفين العراقيين في البلدان المجاورة للعراق كلبنان وسورية والأردن سيلاحظ من دون شك في ان هذه القنوات لم تفتح بهدف تحرير الرهائن، وانما عملها هذا هو على هامش وظائف اخرى شقت هذه القنوات لتأديتها.
فبالقرب من منزل الشيخ ماهر حمود في مدينة صيدا - جنوب لبنان، يتحدث كثيرون عن مجموعات تطوعت لل"جهاد"في العراق. وفي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين والذي طالما توسط الشيخ بين مجموعاته المتناحرة، عائلات كثيرة غاب ابناؤها منذ فترات متفاوتة. الشيخ جمال سليمان وهو احد الاسلاميين الذين انشقوا عن حركة فتح، اعلن ان ابنه الشاب قتل في عملية انتحارية في بغداد، والشاب محمد الفران المقيم في صيدا القديمة قتل ايضاً قبل اشهر قليلة في ساحات"الجهاد"العراقية. هذا فيما يؤكد ناشط فلسطيني في مجال تخفيفه من اهمية هذه الأخبار على ان المجموعة التي خرجت من المخيم للجهاد في العراق لا يتعدى عدد افرادها ال52 مقاتلاً. ولكن تبقى اسئلة كثيرة معلقة ومرتبطة بآلية عمل الوساطات والاتصالات المؤدية سواء لمشاركة المجموعات العراقية"جهادها"او لدفعها للافراج عن مختطفين، لا سيما ان مجموعات الخطف و"الجهاد"مختلفة.
ويبدو ان الصعوبات التي تواجه من يحاول تحديد هويات دقيقة لمجموعات الخطف المختلفة في العراق تكمن في ان المراحل التي تمر بها هذه العمليات تؤدي حكماً الى تبدلات في هوية الخاطفين، اذ يمكن الحديث عن سوق للمخطوفين، والمجموعات التي تتولى الخطف ليس بالضرورة ان تكون هي نفسها من يتولى القتل او الافراج.
ولكن يبدو ايضاً ان جهات محددة ومتشابهة هي من ينتهي المخطوف اليها. اذ يقول احد المسؤولين العراقيين ان اختلاف المجموعات وتفاوتها هو صفة المرحلة الأولى من عملية الاختطاف، ولكن العصابات التي تتولى الخطف وهي في كثير من الأحيان مجموعات اجرامية لا هوية سياسية لها، ترسل الى الجماعات المهتمة بالاحتفاظ بالمخطوف عرضاً بما لديها، وعلى هذه الجماعات ان تقرر مدى استعدادها لشرائه من العصابة. هذا الأمر هو ما يفسر وصول المخطوفين الى مجموعات متشابهة، مثل"جيش التحرير الاسلامي"او"جماعة انصار السنة"، التي يبدو انها تمكنت من اقامة علاقات ثابتة مع مجموعات المرحلة الأولى من الخطف، وهو ايضاً الأمر الذي يفسر وصول المخطوفين الى مناطق محددة مثل الفلوجة والرمادي على رغم ان مناطق الخطف لا تقتصر على هذه المدن. عناصر كثيرة تدخل في حكاية الخطف تتعلق بالتحالفات العشائرية وبالمناطق وبهوية منفذي المرحلة الأولى والمرحلة الأخيرة.
يروي اللبناني محمد رعد الذي اختطف قبل اكثر من شهر من مدينة الرمادي غرب العراق وافرج عنه بعد 72 يوماً، انه كان عائداً الى لبنان من طريق سورية، الا انه فوجىء وبعد وصوله الى الحدود السورية - العراقية بأقفال المعبر، مما دفعه الى التوجه الى مدينة الرمادي والى فندق فيها كان سبق له ان نزل فيه خلال رحلة سابقة له الى العراق. وفي الساعة الحادية عشرة ليلاً وبينما كان جالساً على الشرفة مع صاحب الفندق وصلت سيارة من نوع"اوبل"فيها اربعة مسلحين ترجل ثلاثة ملثمين منهم ودخلوا الى الفندق. صاحب الفندق طلب من محمد البقاء مكانه، وتوجه لملاقاة المسلحين الذين امسكوا به، وتوجه اثنان منهم باتجاه الشرفة واقتادوا محمد الى السيارة. ويشير محمد الى انهم اجلسوه بين مسلحين في المقعد الخلفي ولفوا وجهه بكوفية حمراء، لكنه شعر بأن السيارة اتجهت يميناً وبعد قليل من الوقت شعر انه على الطريق السريع المؤدي الى الفلوجة.
الأمر لا يدعو الى التفاؤل، هكذا فكر محمد خصوصاً عندما سمع اسم الفلوجة على لسان احد خاطفيه، وفي هذا الوقت بدأ يتعرض للكمات ما ان يحاول تحريك رأسه. ثم سمع عبارة ثانية من احد المسلحين، اذ سأل هذا الأخير رفيقه على المقعد الخلفي:"ابو عبدالله: هل نتجه الى المسجد ام الى المنزل؟"، فأجاب ابو عبدالله:"الى المنزل وبسرعة". ادخل المسلحون محمد الى المنزل الذي لم ير منه شيئاً باستثناء الغرفة الكبيرة التي انزلوه فيها لمدة ستة ايام تعرض خلالها لأنواع مختلفة من التعذيب والضرب، وحاول الخاطفون التحقيق معه معتقدين انه يعمل في شركة مقاولات تتعاون مع الأميركيين. ويقول محمد انه لاحظ ان اثاث المنزل يدل الى ان صاحبه رجل غني.
لم يقتنع الخاطفون بأن محمد جاء الى العراق بهدف الزواج من ابنة خاله، وبعد جولات طويلة من الضرب والتحقيق احضروا آلة تصوير فيديو وطلبوا منه ان يناشد الشركة التي افترضوا انه يعمل فيها ان تنسحب من العراق. فعل محمد ذلك تحت التهديد، ولاحظ الشاب ايضاً انهم يتعمدون ضربه على رأسه، وسمعهم يتحدثون مع شخص منهم يطلقون عليه اسم الدكتور كان يطلب منهم عدم ضربه على ظهره. لم يتمكن الشاب من تحديد موقع المنزل الذي احتجز فيه في الفلوجة. فالغرفة محكمة الاقفال وهو قضى ايامه الستة فيها مقيداً ومعصوب العينين. يقول ان ثمة جامعاً في جوار المنزل، عرف ذلك من صوت المؤذن القريب الذي كان يسمعه والذي حفظ لهجته. ويعتقد محمد ايضاً ان المنزل قريب من تقاطع طرق يشهد بعض الازدحام، اذ كان يسمع دائماً في النهار ابواق السيارات وصفارة شرطي.
فجر اليوم السادس سمع محمد رعد قرعاً قوياً على الباب الخارجي للمنزل، وكأن ثمة من يحاول كسر الباب. استمرت هذه الأصوات لدقائق وترافقت مع جلبة وشجار. استطاع تمييز عبارة راح يرددها احدهم اذ راح يقول:"اتقوا الله انه مسلم". وصل الى الغرفة التي كان محمد مقيداً فيها رجل يرتدي كوفية عربية فك وثاقه وقال له إلحق بي من دون ان تحاول الفرار والا قتلت. خرج محمد مسرعاً من المنزل برفقة مسلحين جدد اصعدوه بسيارة بحركات توحي بأنه مُخْتطف من الجماعة التي كانت تحتجزه. كان الوقت فجراً ولاحظ محمد ان المنزل الذي كان محتجزاً فيه مؤلف من طبقة واحدة وقسم منه مدمر بفعل غارة اميركية على الأرجح، كما لاحظ أن المنزل مسور بجدار اسمنتي يلفه من جميع الاتجاهات.
وبينما كان الشاب يروي تفاصيل هذه الحكاية تدخل والده الذي قال إن هذا التاريخ من حقبة اختطاف نجله هو الوقت الذي تدخل فيه الشيخ احمد الكبيسي، وقال الوالد انه حصل على رقم هاتف الكبيسي من الشيخ ماهر حمود وهاتفه مباشرة الى دبي وسأله الشيخ عن سبب زيارة محمد للعراق وختم المكالمة بأن قال له الكبيسي"عيّن خير". ويبدو ان نفوذ الشيخ الكبيسي في اوساط مجموعات الخطف في العراق مستمد من ترؤسه لهيئة العلماء المسلمين التي يمتد نفوذها الى المدن السنية في العراق من خلال ائمة المساجد، وهؤلاء هم نواة العلاقة بين"الجهاد"وبين الحياة العامة ووجوهها، إضافة الى شيوخ العشائر طبعاً.
اذاً، تجاوز الشاب المرحلة الصعبة من رحلة الاختطاف التي لم تنته بعد. فقد توجهت سيارة الخاطفين الجدد في اتجاه مدينة الرمادي، وخلال الرحلة التي استمرت نحو ساعة سمع محمد عبارات تطمين من الخاطفين. وعلى الطريق ايضاً حصلت امور لم يفهمها، فقد توقفت السيارة عند اكثر من حاجز للشرطة العراقية، وكان المسلحون يبادرون عناصر الشرطة بعبارة"مجاهدون"وكان عناصر الشرطة يردون بعبارة"الله ينصركم".
يقول محمد انهم لم يدخلوه الى مدينة الرمادي وانما اتجهوا به الى منطقة غرب المدينة حيث تنتشر مزارع وقرى صغيرة على ضفاف نهر الفرات. دخلوا الى قرية صغيرة تضم منازل قليلة ومتقاربة تحيط بها بساتين البلح. ادخلوه الى احد المنازل على مرأى من سكان المنازل. يؤكد الشاب ان جميع سكان هذه المنطقة هم من"المجاهدين"ويضيف"في النهار يخرج الرجال الى الجهاد وفي الليل يتوجهون الى منطقة المئة وستين فيسلبون السيارات ويأتون بها الى مزارعهم". لاحظ الشاب ايضاً ان المنزل الذي احضر اليه هو لعائلة من عوائل"المجاهدين"، سمح له بتناول الطعام معها وبتبادل بعض الأحاديث. ومضت ليلة واحدة في هذا المنزل قبل ان تصل سيارة ال"اوبل"مجدداً اليه فيتشاجر الخاطفون الجدد مع الخاطفين الأوائل، ويسمع محمد عبارات من نوع ان هذا الشاب في عهدتنا وفي منزلنا ونحن سنحقق معه، وتغادر بعدها السيارة. وفي هذا الوقت دخل احد"المجاهدين"الى الغرفة التي كان ينام فيها محمد وابلغه بأن جماعة الفلوجة عادت لأخذه، وانه الآن في خطر وعليهم ابعاده عن المنطقة لفترة من الزمن.
بعد دقائق قليلة احضر الخاطفون سيارتين وطلبوا محمد واقتادوه الى واحدة منها، وعبر الطريق الصحراوي توجهوا به الى مدينة سامراء عبر مدينة التنف واستمرت الرحلة ساعات طويلة. يؤكد محمد انهم انزلوه الى جامع الملوية في سامراء وصعدوا به الى برج المسجد الشهير، وفي غرفة الطابق الأخير من البرج قضى محمد ليلته في سامراء. انتبه الى ان سيارة انضمت الى خاطفيه في المدينة، ولاحظ ان المسلحين كانوا يحيطون بالبرج ويتوزعون على سلمه الداخلي، كما لاحظ ان سيارة استمرت بالعبور على الطريق المجاور. وفي ساعات الصباح الأولى اقتاده المسلحون في رحلة اخرى.
والتدقيق بهوية العشائر المقيمة في المناطق التي تحدث محمد عنها يؤدي الى توقعات مفيدة في سياق محاولة تفسير ظاهرة الخطف في غرب العراق. فمنطقة غرب الرمادي التي قال محمد ان القرية التي نقل اليها من الفلوجة تقيم فيها الى جهة يمين الفرات عشائر البو نمر، وهي العشيرة الأقوى في منطقة الجزيرة ولديها تاريخ من الفتوة والبداوة، ويمتد نفوذها الى منطقة الرطبة على الحدود مع سورية والأردن. اما الى يسار الفرات وهي المنطقة التي تشكل امتداداً لبادية الشام، فتقيم عشائر كثيرة كالمحاميد والبو عيسى والبو خليفة.
ويتحدث عدد من وجهاء المنطقة عن عشيرة البو عيسى المنتشرة بين الرمادي وسامراء، هذه العشيرة التي سبق ان تمثلت في ايام النظام السابق في المجلس الوطني العراقي عن منطقة الدليم، تقيم افخاذ منها في منطقة مكيفيفة بين تكريت والرمادي. وإضافة الى وجودها غرب الرمادي فهي تعتبر العشيرة السابعة من عشائر سامراء السبع. ويتيح انتشار هذه العشيرة لأبنائها حركة في الصحراء التي تفصل بين هذه المدن، خصوصاً ان الطرق الصحراوية هذه تسكنها شراذم عشائرية تمتُّ بعلاقات قرابة وبتحالفات مع البو عيسى.
قد تكون العشائر الركيزة التي تنتظم عمليات الخطف بناء على خرائط انتشارها، وقد يزود الخاطفون بوقود عشائري، وينهلون من تقاليد الغزوات ودفع الفديات، ولكن ايضاً لعمليات الخطف الراهنة مضامين جديدة تتمثل في تلك الجماعات الطارئة على البنية العشائرية والتي يبدو انها تمكنت من التداخل معها الى ان صار تعبير"الجهاد"جزءاً من القاموس العشائري في غرب العراق. ورحلة محمد رعد مع خاطفيه مملوءة بالدلالات التي تخلط بين الجهاد والغزوات وبين البداوة واشكال العنف الجديدة. ف"الجهاد"والبداوة في حال من التحالف الظاهر اليوم، وتختلط قيمهما كما لم تختلط يوماً، فتضيع الحدود بين ال"تسليب"بصفته تقليداً عشائرياً وبين الخطف بصفته تقنية"جهادية". وهذا ما يعكسه في رواية محمد لعملية خطفه تداخل قيم ومعان مختلفة.
بعد ان اقلعت به السيارة من سامراء متجهة من جديد الى البادية الغربية في العراق، وبعد ساعات من السفر وصلت السيارة الى منطقة طرابيل القريبة من الحدود مع سورية ومع الأردن. منطقة صحراوية قاسية ولا يسكنها إلا القليل من جماعات البدو الذين لم يتوطنوا بعد. المنطقة التي توقفت فيها السيارة في طرابيل تضم خمسة منازل طينية مهجورة. كانت ساعة الذروة بالنسبة لدرجة الحرارة. ادخل الخاطفون محمد الى احد المنازل، وقال له احدهم انه سيكون شاهداً على عملية اعدام احد المصريين الذين تعاملوا مع القوات الأميركية، وان الهدف من حضوره عملية الاعدام ابلاغ اللبنانيين بمصير المتعاملين مع الأميركيين.
وبعد ساعات من الانتظار وصل امير الجماعة الذي تمكن محمد من تحديد مرتبته عبر ملاحظته درجة الاحترام التي يبديها له العناصر الآخرون. وهو كما يقول محمد رجل خمسيني كان مرتدياً ثوباً شرعياً ابيض، وبصحبة الأمير كان ثمة شيخ معمم وعناصر آخرون اصطحبوا معهم الشاب المصري الذي يقول محمد انه لم يقوَ على النظر في ملامحه. فقط لاحظ انه كان موثوق اليدين والقدمين بإحكام. نصب المسلحون كاميرة فيديو ووقف الشيخ خلف المخطوف المصري بعد ان خلع عمامته وارتدى قناعاً، وكذلك فعل الأمير، الذي بدأ بتلاوة رسالة، وقبل ان ينهيها وبحركة سريعة استل خنجره وقام بذبح الشاب المصري، وفي هذه اللحظة فقد الرجل الذي كان خلف الكاميرا توازنه وسقط ارضاً، الا انه عاد ووقف بعد لحظات قليلة واستكمل عملية التصوير.
بعد ليلة في المنزل الذي شهد عملية الذبح اعاد الخاطفون محمد الى مدينة الرمادي وتحديداً الى المنزل الذي كان قضى فيه تلك الليلة. وفي هذا المنزل ومع نفس العائلة ونفس الحراس وال"مجاهدين"امضى محمد نحو سبعة عشر يوماً قبل ان يطلق. وخلال هذه الفترة تعرف الى العديد من"المجاهدين"ومن بينهم شاب لبناني قال لمحمد انه من الجنوب وان اسمه علي وثلاثة شبان سوريين ومثلهم اردنيين. في هذه الفترة عومل محمد معاملة جيدة من دون ان يعني ذلك انه بقي خاضعاً لحراسة مشددة اثناء تنقله حول المنزل الى ان شنت في احد الأيام الطائرات الأميركية غارات على مناطق قريبة من المنزل وقام المسلحون بعملية انتشار في محيط النهر، واصطحبوا معهم محمد الى منطقة بعيدة عن القرية، وبعد وقت من السير لاحظ المسلحون رتلاً اميركياً يقترب منهم فرموا اسلحتهم في النهر وتظاهروا انهم مدنيون عابرون من المنطقة، وهددوا محمد انه في حال كشف هويتهم بأنه سيقتل، اذ ان"المجاهدون"موجودون في كل مكان هنا. عبر الرتل الأميركي، واكمل محمد وخاطفوه سيرهم عائدين الى المنزل نفسه. وفي هذه اللحظة بدأ محمد يشعر بأن عملية الأفراج عنه صارت قريبة. فقد ابدى له خاطفوه تقديرهم لعدم وشيه بهم، وصاروا اقل حذراً في التعامل معه، وفي هذا الوقت عاود"المجاهد"اللبناني زيارة محمد قادماً من مدينة بيجي كما اخبره، وشرح لمحمد الحفاوة التي يعامل بها من قبل اخوانه"المجاهدين"وانهم سيزوجونه من فتاة عراقية.
وبعد ايام قليلة وصل امير الجماعة الى المنزل وابلغ محمد انه سيفرج عنه، واصطحبه بسيارة الى الفلوجة وهناك تولى آخرون تسليمه الى موظفين في السفارة اللبنانية في بغداد، كانوا حضروا الى الفلوجة بعد ان ابلغتهم هيئة العلماء المسلمين بنبأ الافراج عن محمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.