ربما كانت محاضرة وزير العمل الأديب غازي القصيبي، والتي اختار لها عنوان "ثقافة الثقافة" الأكثر جرأة على مدى جلسات ملتقى المثقفين السعوديين الأول الذي أقامته وزارة الثقافة والإعلام السعودية. قال القصيبي في محاضرته إنه لا يحبذ "وجود مؤسسات حكومية تعنى بأمر الثقافة في المجتمع لأن هذه المؤسسات قد لا تتجاوز حدودها المنهجية في تعاملها مع نشر الثقافة، ما قد يعوق مسيرة تقدم الثقافة إلا إذا فتح المجال أمامها". وأشار إلى أن "الرقابة غير الرسمية، كثيراً ما تكون أشرس وأقسى وأعنف من الرقابة الرسمية، وذريعتها في ذلك طابعها التطوعي والفضولي"، مؤكداً أن الثقافة السعودية والعربية والإسلامية في حاجة إلى "ثقافة الحرية" قبل أي شيء آخر. ومن المعروف ان نصف الانتاج الأدبي للقصيبي لا يسمح بدخوله إلى المملكة بسبب ما يسمى "رقابة المطبوعات". وكان اللافت في الملتقى الحضور القوي والجريء في بعض الأحيان للمرأة السعودية، على مستوى الأفكار والمداخلات وهي أثناء مشاركتها الرجل استطاعت أن تتجاوزه في بعض الأحيان وخصوصاً لدى صوغ استراتيجيات عملية لمستقبل الفعل الثقافي في السعودية، على رغم مناوشات طريفة تكررت في جلسات المنتدى بين بعض النسوة والرجال ذكرت بماض قمعي أملوا جميعاً أن يزول. ومن الملاحظ ان "معظم مقدمي الأوراق قضوا في تكريس المؤسسات التي ينتمون إليها، بعيداً من الطرح الجريء لمشكلات أعمق قد تلامس همّ المثقف السعودي وغيره"، بحسب ما قال ل"الحياة" رئيس القسم الثقافي في صحيفة "اليوم" مبارك الخالدي الذي شغل منصب رئيس "جمعية الثقافة والفنون" فرع الدمام قبل أن يقدم استقالته. وتحدث الخالدي عن مشكلة "تشابه أطروحات أوراق العمل المقدمة، وابتعاد معظمها عن المأمول"، مضيفاً أن "الحدث في حد ذاته هو الأهم". وفي اتصال مع الروائي والكاتب السعودي تركي الحمد قال: "انتقدت من ذي قبل دمج الثقافة والإعلام في وزارة واحدة. فالإعلام دعاية والثقافة أمر مختلف تماماً، وعموماً ارتباط الانتاج الثقافي بالوظائف الحكومية هو ظلم في حد ذاته". وعن الأسماء التي قدمت أوراق عمل في الملتقى، قال الحمد: "إن كان مقدمو هذه الأوراق التي يفترض أن يُستند اليها في وضع استراتيجية تنهض بالثقافة، هم أنفسهم أولئك المسؤولين عن الأندية الأدبية و"جمعية الثقافة والفنون"، فهذا أمر لا يبشر بخير، لأن ارتباطهم بالثقافة ينحصر في كونهم موظفين في دوائر رسمية، وربما كانوا السبب الرئيس في عرقلة تطور الانتاج الثقافي طوال ربع قرن مضى". ويضيف الحمد: "يجب أن ننتظر ما سيكون بعد التوصيات، لأن الأهم التنفيذ السريع لهذه التوصيات، وألا يتحول الملتقى إلى مكان يقتصر دوره على إصدار التوصيات سنوياً". وعلل غيابه بعدم توجيه دعوة شخصية له. وأوضح الأمين العام للهيئة الاستشارية محمد رضا نصر الله ل"الحياة" أن "الأوراق إجرائية وليست بحوثاً أو دراسات أكاديمية، كما أننا صرحنا وذكرنا مراراً أن هذه الأوراق لا تكفي، ونحن في حاجة إلى أن يكتب إلينا كل من يرى نفسه أهلاً، تصوره واقتراحاته في إعادة ترميم أو هيكلة النتاج الثقافي لهذا البلد". وفي ما يخص الدعوات يقول نصرالله: "الدعوة كانت عامة إلى المثقفين كافة، بمن فيهم الشباب، وهناك من حضر من دون أن تصله دعوة رسمية، وساهم وقدم اقتراحاته وتصوره ونقده مشكوراً. وربما كان المثقف السعودي في حاجة إلى ملتقى للتخلص من أوهامه، قبل أي شيء، فنحن لسنا في صدد العتب والكلام، كل ما نحتاج اليه في هذه المرحلة المهمة هو النقد". ونظراً إلى اعتراض البعض على الأسماء المختارة لتقديم أوراق العمل، يقول نصرالله: "حاولنا أن يكون هناك تنوع في الفكر والرؤى، ما استدعى وجود من يمثل المناطق السعودية كافة ومعظم المجالات. وأعتقد أن الأسماء الموجودة في الملتقى والتي قدمت أوراق العمل، مثلت النتاج الثقافي السعودي لسنوات مضت، وكان الأجدر أن تكون الأولوية لها، إضافة إلى أن الهدف من الأوراق، إثراء الجلسات وفتح أبواب أوسع للنقاش، مع الترحيب بنقد الملتقى وأوراقه، كي يتشكل لدى الهيئة تصور متكامل قدر الإمكان للخطوات المقبلة. وكان من الممكن أن يقدم كل من انتقد، رأيه مكتوباً وموجهاً الى اللجنة، فنحن في حاجة إلى مثقفين عمليين وجديين لا متكلمين". وفيما أكد نصرالله أن الدعوة عامة ومفتوحة كي يدلي الجميع برأيهم ووجهة نظرهم، تقول المخرجة السينمائية السعودية الشابة هيفاء المنصور: "من المفترض أن يكون للشباب دور أكبر في الملتقيات المقبلة، بعيداً من تسليط الضوء على أولئك الذين قد لا يعرفون ما يريد الجيل المثقف الجديد". وتساءلت المنصور "عن غياب مجال السينما؟"، متمنية حضورها في شكل واضح العام المقبل. الفنانة التشكيلية زهرة أبو علي التي حضرت معظم الجلسات، اتفقت مع الكثر في أن "الأوراق ابتعدت من الجرأة إذا استثنينا بعضها"، وأكدت ل"الحياة" أن "معظم الأوراق أغرقت في السرد التاريخي لحال الثقافة، وربما كانت الحاجة ماسة إلى طرح عملي أكثر، إذ ان الهدف الرئيس من هذا التجمع، تقديم خطط استراتيجية للنهوض بالثقافة". وفي الوقت الذي تظن: "أننا في حاجة إلى وقت أكثر لاستيعاب الأوراق المقدمة والمداخلات وإعادة صوغها"، رفضت التعليق على ما تردّد ومفاده أن "الأسماء التي اختيرت لطرح أوراق عمل، كانت السبب الرئيس في تعطيل الثقافة طوال ثلاثة عقود". بعض من ضيوف الملتقى بدا عليهم وفي أحاديثهم تشاؤم واضح، في حين أظهر بعضهم تفاؤلاً بالتوصيات التي كان أهمها، تأكيد المشاركة الثقافية للمرأة داخل المملكة وخارجها، وإعادة هيكلة المؤسسات الثقافية القائمة كالأندية الأدبية والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، والاستعجال في الترخيص لجمعية الكتاب والأدباء السعوديين، وإنشاء أكاديمية سعودية للفنون. بقي أن نذكر أن بطلي "طاش ما طاش" عبدالله السدحان وناصر القصبي قدما مشهداً تمثيلياً بسيطاً، بعد قراءة التوصيات، عن التطرف الفكري ورفض الآخر، بمشاركة الممثل السعودي المعروف راشد الشمراني. وناقش المشهد مشكلة قيادة المرأة للسيارة وإصدار بطاقة لها ومشكلات التعليم السعودي.