أريد أن أكمل من حيث توقفت أمس، فبعض أخبار الصيف كان يستحق اهتماماً أكبر، الا انني رأيته يمر مرور الكرام، اليوم عندي التالي: طالبت باستقالة الرئيس ياسر عرفات، وكررت المطالبة، ولا أزال عند رأيي، وأسبابي سياسية فصلتها في حينه، فأخونا أبو عمار وصل الى نهاية الطريق، ولم يبق عنده ما يقدمه لشعبه. مع هذه الخلفية أرفض بشدة استغلال الحصار على الرئيس وتراجع موقفه، لشن حملات شخصية عليه. وكنت قرأت في منتصف الشهر الماضي خبراً في "الصنداي تايمز" النافذة جداً عنوانه: عرفات يقدم هدايا نقدية لأنصاره. ووجدت ان الخبر ينقل التهمة عن السيد جويد الغصين، رئيس الصندوق القومي الفلسطيني الأسبق، الذي اتهم بالاختلاس أو بتبديد ملايين من أموال الصندوق، وسلمته الامارات العربية المتحدة ومصر الى السلطة الفلسطينية واحتجز في غزة. لا أتهم السيد جويد الغصين بشيء، فأنا أعرفه وأعرف أسرته، ولكن أرفض اتهام أبو عمار لتصفية حسابات شخصية، وجريدة الأحد الأوسع انتشاراً بين الصحف الرصينة في بريطانيا، اتبعت الخبر برسائل من القراء الأسبوع الماضي تستغل الخبر للتحامل على الرئيس. وحملت الرسائل من نعومي كنغستون وديفيد بيرغ وجيريمي غلاسنبرغ عنواناً واحداً هو "ضرائبنا تدفع لأصدقاء عرفات"، أي ان ما يدفع البريطاني من ضرائب يذهب جزء منه الى الرئيس عرفات، وهذا كذب. قبل السيد جويد الغصين نشرت "الديلي تلغراف" الليكودية تحقيقاً في صفحة كاملة مع ابنه توفيق يقول انه يريد ان يتخلص من عرفات. وكنت قرأت غير مرة تصريحات لابنته منى بوينز تطالب برحيل عرفات. و"الديلي تلغراف" نفسها كتبت موضوعاً عن منى عنوانه بمعنى أنها أطاحت السياسي البريطاني ديفيد ميلور، الذي ربطته بها صداقة يوماً، والآن تريد أن تطيح عرفات. أبو عمار يجب أن يستقيل لأسباب سياسية لا علاقة لها بمحاولة أسرة الغصين الانتقام منه، ويكفي ان ننظر الى الوسائل الإعلامية التي ترحب بالحملة على الرئيس الفلسطيني لتشكك في كلام جويد الغصين وابنه وابنته مع انه لا يخلو من صحة، فياسر عرفات يدفع "كاش" فعلاً، إلا ان هذه وسيلة للسيطرة في غياب مؤسسات دولة حقيقية وحكم البنك الدولي عليه انه "مفسد لا فاسد". مرة أخرى، أكتب دفاعاً عن عرفات وأنا أطالب باستقالته. أقطع الكلام الذي يقطع النفس بخبر من الفاتيكان أراه خفيفاً مع أن أصحاب العلاقة لا يرونه كذلك البتة. لم ينته تموز يوليو حتى كان الفاتيكان يصدر بياناً من 37 صفحة عن دور المرأة في المجتمع خلاصته ان على المرأة أن "تصغي وترحب وتتواضع وتخلص وتمدح وتنتظر". وانتهى الشهر التالي ودخلنا في شهر آخر، وأنا لا أزال أقرأ ردود الفعل على بيان الفاتيكان الذي توكأ فيه على سيرة السيدة العذراء. أنا مع الفاتيكان، ولكن أين توجد اليوم المرأة التي تسمع وترحب وتنتظر، ناهيك عن أن تتواضع وتخلص وتمدح. بل أين يوجد الرجل الذي يستحق مثل هذه المرأة. لم أقرأ رداً على بيان الفاتيكان إلا كان معترضاً. أما النقد الذي أصاب الهدف تماماً فكان من ايطاليا نفسها، فالإيطاليون يقولون ان الذي لا يلعب اللعبة لا يحق له وضع شروطها، وهذا يعني ان الكرادلة الذين لم يتزوجوا، ولم يعرفوا من النساء، لا يستطيعون وضع شروط عليهن، فهم لم يلعبوا "اللعبة" ولا يحق لهم القيام بدور الحكم فيها. أعود الى الأخبار، وكلها مزعج، وبين أكثرها ازعاجاً في الصيف، واليوم وغداً، الحملات اللئيمة على الإسلام والمسلمين، وقد كتبت عنها غير مرة، واشتداد موجة اللاسامية في أوروبا، وقد كتبت عنها أيضاً. أدين هذه وتلك، وأرجو أن يبتعد العرب والمسلمون عن اللاسامية، وألا يقعوا في خطأ الاستفزاز، فالجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينيين حقيقية، وهناك مئات ألوف الاسرائيليين الذين يعارضون الاحتلال واجراءاته، غير ان كل جرائم حكومة شارون لا تبرر اللاسامية التي أدت يوماً الى موت ستة ملايين يهودي في المحرقة. جو أوروبا اختلف ولن تكون هناك محرقة جديدة، ومع ذلك فأخبار صحف الأحد في لندن، في 22 من الشهر الماضي، ضمت مجموعة عن أخبار النازيين كنت أرجو لو أقرأ مجموعة مساوية لها عن جرائم حكومة شارون التي ترتكب اليوم، لا قبل 60 سنة. أبقى مع "اسرائيليات" القرن الحادي والعشرين. - تحاكم الاسرائيلية تالي فهيمة، وهي من السفارديم، أي من أصول عربية شرقية، بتهمة مساعدة "الارهاب" الفلسطيني. أرجو أن تكون بريئة، فهي كانت يوماً من أنصار آرييل شارون، الا ان الاحتلال جعلها تنقلب. - أجمل خبر هذا الأسبوع كان التقرير عن سطو كونراد بلاك زوج الليكودية بربارة امييل على 400 مليون دولار من مجموعة "التلغراف". التقرير يؤكد شعوري الدائم بأن الزوجين وأمثالهما لصوص ومحدثو نعمة نوفوريش بالعربي. - هناك 1.7 مليون جواز سفر مسروق حول العالم، والانتربول يقول ان بعضها يذهب الى ارهابيين، وبعضها لعصابة جريمة من نوع المافيا الروسية أو الايطالية أو غيرهما. ونشرت "نيويورك تايمز" تحقيقاً جميلاً عن الموضوع الا انه خلا من اشارة الى أخطر سرقة جوازات سفر أو وثائق في العالم، فالاستخبارات الاسرائيلية ضبطت من كندا الى نيوزيلندا، وبالعكس، وهي تسرق جوازات سفر أو تزورها للقيام بارهاب ضد الفلسطينيين وغيرهم. - اختتم بالديموقراطية الاسرائيلية وهي حقيقية، وليس عندنا مثلها، وأكتفي بالجرائد الاسرائيلية التي تصل إليّ كل يوم مترجمة الى الانكليزية، فيوم 27 آب أغسطس الماضي بدأ بخبر عن تقرير للمحقق الحكومي يتهم وزير الأمن الداخلي تزاهي هانغبي بأنه "داس على القانون" بتعيين أصدقائه في تعييناته السياسية. ويكمل في الجزء الثاني من الترجمات بتحقيق طويل كتبه اليكس فيشمان في "يديعوت اخرونوت"، أوسع الصحف الاسرائيلية انتشاراً عن مخالفات قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وفيشمان يكتب كما لا يستطيع أي صحافي عربي مثلنا لأن مصادر المعلومات المتوافرة له مباشرة وأولية، وهو يكتب بإنصاف. لن أسأل متى نبلغ هذه لأنني لا أرى أننا سنبلغ أي ديموقراطية في أيامي.