"ان لعدائيتي تجاه الولاياتالمتحدة جذوراً عميقة في نفسي، أولاً كان أبي جندياً في فرقة فاليريانو ويلر، ويشعر بحقد عظيم لهزيمة اسبانيا على أيدي الولاياتالمتحدة. ثانياً، كنت ابناً غير شرعي، مما سبب لي شعوراً بالنقص، يظهر في البيئة الجماعية للعلاقة بين كوباوالولاياتالمتحدة. وثالثاً، كانت أمي خادمة في البيت الذي تعيش فيه الزوجة الشرعية مع نصف - شقيقين في مزرعة التبغ في بيران...". معتمداً أسلوب مارغريت يورثنار في مذكرات ادريان، أو فاسكيز مونتلبان في مذكرات فرانكو، يتحول نوربيرتو فوانتيس الى بطل أول في الجزء الأول من كتابه الجديد: "السيرة الذاتية لكاسترو: فردوس الآخرين" ليروي حياة الديكتاتور الكوبي، منذ ولادته في 13 آب أغسطس 1926، وحتى هروب الديكتاتور الآخر فولخنثيو باتيستا في أول كانون الثاني يناير 1959. واعتبر النقاد الكتاب الذي يقع في 876 صفحة، والصادر حديثاً في اسبانيا، من السير الأكثر فرادة وإثارة في عصرنا، فالصحافي - الكاتب عايش كاسترو في كثير من مراحل حياته، وكسب ثقته فترة طويلة، فكان طوال عشرين عاماً رئيساً للاستخبارات الكوبية، وأشرف على القوات الكوبية في انغولا خلال فترة الصراع المسلح في ذاك الجزء من أفريقيا الجنوبية، ومنح وسام سان لويس اعترافاً به كاتباً للثورة. لكن حياة فوانتيس قرب الديكتاتور، لم تكن كلها تقديراً وثقة، وتصدعت بينهما العلاقة مرتين، ورممها مرتين الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز. لما نشر فوانتيس مجموعته القصصية "محكومو كوندادو"، عام 1968، اعتبر الكتاب أثراً وقعه أديب مناهض للثورة، وحكم عليه سنوات عدة بالإقامة الجبرية، التي فرضت عليه مرة ثانية، لأنه كان صديقاً للجنرالين ارنالدو اوتشوا وانطونيو دي لاغوارديا، اللذين صفّاهما كاسترو لاعتقاده بأنهما تآمرا على الثورة عام 1989، وسجن فوانتيس إذ ذاك حتى عام 1994، ولم يخرج، إلا عندما تضامن معه كتّاب مثل غارثيا ماركيز، كارلوس فوانتيس، ووليام كنيدي، وتوسط لاطلاقه الرئيس المكسيكي ساليناس دي غورتاري، الذي وضع طائرته الخاصة لنقله من الجزيرة الى ميامي، وهو يحمل معه أوراقاً وصوراً كثيرة. "أنا ذاكرة ذاكرته، ووحدي أستطيع أن أكتب سيرته. هو أملاها علي عندما كنا معاً". هذا ما قاله نوربيرتو فوانتيس الذي نجح في اثارة اليمين واليسار ضده، عندما قدم كتابه في مدريد، والذي تجرأ على أن ينشر الكثير مما يعرف والكثير مما عايش، وكان شاهداً على أحداث بارزة في تاريخ كوبا المعاصر. ويصف الكاتب الديكتاتور بحاوي الثعابين، - أي مروض الثعابين - ولا يتوانى عن استغلال أصدقائه لمصلحته الشخصية، ويحول أصدقاءه الى أعداء، "فلا أحد يتململ قليلاً يبقى على قيد الحياة"، ويمكن أن يطاول العقاب أخاه راؤول، الذي قام بدور أساس في الثورة، وقدم اليه تشي غيفارا، الذي رفضه كاسترو بداية، وقال لأخيه، "لا تزرع هذا الأرجنتيني هنا"، لكنه غيّر رأيه عندما أدرك امكان استغلال الطبيب الشاب، الذي أظهر اعجابه به كقائد، وبدا مستعداً ليطيع أوامره. لكن كاسترو لم يحب غيفارا أبداً، وكانت نهايته في سفر قصير الى بوليفيا، لم يرجع منه الى المعسكر. ويؤكد فوانتيس، ان كاسترو تآمر ضد حكومة سلفادور الليندي منذ البداية، فقد كان انتصار الليندي يعني لغيريل انهيار نظريته عن حرب العصابات والكفاح ضد الولاياتالمتحدة الأميركية، و"هو ما زال حائراً ومرتبكاً لا يملك استراتيجية واضحة، لينتصر على أميركا الشمالية، وهو يعيش بعد سقوط النظام السوفياتي مرتجفاً وبائساً، لأنه يشعر أنه أعجز من أن يعطي جواباً عما حدث ويحدث، ولا يدرك انه في الثمانين من عمره، وسيموت في الفراش، وهو يستولي على السلطة، ولن تبقى ورقة واحدة في الجزيرة، تشير الى أفعاله، "فالثورات تحرق الأوراق كلها، وعظام الأموات في البحر". أما المجلد الثاني الذي سيصدر قريباً، ويكمل السيرة الذاتية لكاسترو، "السلطة المطلقة والناقصة" فهو يقع أيضاً في حوالى تسعمئة صفحة، ويتناول تاريخ الرئيس الكوبي، منذ توليه الحكم في الجزيرة، وحتى يومنا هذا.