اختار "مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي" هذا العام تكريم نخبة من رموز الحركة الفنيّة المصريّة والعربية إلى جانب فنّانين من العالم، هم ايرفنغ ووردل بريطانيا، بيوتردومبروفسكي بولندا، بيرو ماكارينيللي إيطاليا، جوان شيرل الولاياتالمتحدة، دانيل شينسكي فرنسا، فولفغانغ غرايتسنيغر النمسا، ويلم فان غانسبيكا بلجيكا. والمكرمون العرب هم عمر الحريري وأحمد فؤاد سليم مصر، أمينة رشيد المغرب، خالد المبارك مصطفى السودان، محسن العزاوي العراق، سونيا سكينة مكيو وزميلها في لجنة التحكيم محمد بن قطاف الجزائر. وإذا كان الفنان عمر الحريري بغنى عن التعريف، إذ حقق حضوراً لافتاً في المسرح والسينما والتلفزيون، وشارك في قرابة 125 فيلماً أولها "أولاد الشوارع" 1948، فإن قلّة تعرف مثلاً أن مسيرة الحريري المسرحيّة مرّت في ليبيا التي سافر إليها عام النكسة، ليعمل في "المسرح الشعبي" على إرساء قواعد الفن المسرحي الليبي. وأخرج هناك عدداً من المسرحيات، منها "البيت الحرام" و"الخيل". التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ضمن أول دفعة، وتخرج منه العام 1947. وفور تخرجه انضم الى الفرقة المصرية للتمثيل التي صارت "المسرح القومي"، وشارك معها في ما يقرب من ثلاثين عرضاً مسرحياً كان أولها "طالب ثانوي". وقدم مجموعة من العروض المسرحية مع "فرقة نجيب الريحاني". وشارك في عشرات الاعمال المسرحية، مثل "الجريمة والعقاب"، و"زواج فيغارو"، و"المومس الفاضلة" مسرحية جان بول سارتر، و"الواد سيد الشغال" مع عادل إمام، و"بيت من زجاج"، و"ليالي الأزبكية"... وفي التلفزيون برز الحريري من خلال مجموعة كبيرة من المسلسلات، أشهرها "أحلام الفتى الطائر"، و"خالتي صفيّة والدير"، و"أوراق الورد".. أما أحمد فؤاد سليم، فرسام ومصور، إضافة إلى اسهاماته النقدية والشعرية. درس القانون، لكنّه سرعان ما توجّه الى الفنّ ليدير أهم قاعات العرض في مصر، وصار منظّم معارض محترفاً منذ العام 1966. عرض أعماله في عشرات المعارض الفردية والجماعيّة في مصر والعالم. كما لعب دوراً حيوياً في احياء المسرح الطليعي والاختباري في مصر... إذ أطلق العام 1968 "مسرح المئة مشاهد" الذي قدم ثمانية مواسم مسرحية تجريبية. وشارك أحمد فؤاد سليم في تأسيس أول مهرجان مصري للسينما، يشمل الفيلم الوثائقي والفيلم الفنّي القصير، كما يعتبر صاحب فكرة إنشاء بينالي القاهرة الدولي. ومن السودان اختار المهرجان تكريم خالد المبارك مصطفى، وهو كاتب ومترجم وناقد وأستاذ للأدب والمسرح. تنقل بين مناصب أكاديمية عدّة، إذ شغل مثلاً منصب عميد معهد الموسيقى والمسرح في الخرطوم، أوائل الثمانينات. ألف خالد المبارك مسرحيات عدّة نذكر منها:"شارع المحطة"، "كلام رجال"، "ما رأيك في هذه التسريحة؟"، "تمساح الصحراء"، "هدية العرس"، "ريش النعام"... وله مؤلفات مرجعية عن المسرح العربي. وتحتفي القاهرة بالممثلة المغربية المعروفة أمينة رشيد التي قدّمت للمسرح ما يزيد على ستين عملاً، كما شاركت في العديد من الأعمال التلفزيونية منذ العام 1963. والفنانة معروفة أيضاً بمساهماتها الاذاعية اذ قدمت عدداً لا يحصى من التمثيليات والسهرات والمسلسلات الاذاعية. وبرزت رشيد في مجال السينما المغربية من خلال أفلام كثيرة، منها: "البحث عن زوج امرأتي"، و"سارق الأحلام"، و"مصير امرأة"، و"كيد النسا"، و"أبواب الجنة" فريدة بليزيد... ولا شكّ في أن تكريم المسرحي العراقي محسن العزّاوي يعتبر تحيّة خاصة الى المسرح العراقي والثقافة العراقيّة... علماً أن العزّاوي كان لفترة من الرموز الثقافيّة للنظام السابق... وهذا يطرح مجموعة أسئلة تمهيدية لحوار هادئ حول "جردة الحساب" المطلوبة على مستوى مثقفي الداخل والخارج في العراق والمصالحة الوطنية، وحول حقّ كل فنّان في أن يقوم بجردة الحساب تلك، وفي الانخراط في الحياة العامة كطرف في الحياة الثقافيّة الوطنية للمرحلة الجديدة التي تعيش حالة مخاض مؤلم. أشرف العزاوي على مهرجان بابل بعد الموسيقي منير بشير، أي بين 1987 و2003. لكنّه يبقى أحد أبرز مخرجي المسرح الرسمي في عهد صدّام، من خلال عشرات المسرحيات التي تبدأ مع "ماكو شغل" 1985، وتنتهي مع "أرجوحة الزمن الضائع" 2004. ومن أعماله الأخرى نذكر: "روميو وجوليت"، و"اضبطوا الساعات"، و"المصيدة"، و"مواسم الجفاف". وشارك العزاوي ايضاً في العديد من المسلسلات التي انتجها التلفزيون العراقي. ويوجّه مهرجان القاهرة التجريبي تحية اخرى الى المسرح الجزائري الذي يعاود النهوض بعد السنوات الدموية الصعبة من خلال تكريم الممثلة البارزة سونيا سكينة مكيو، إضافة الى الكاتب والممثل المسرحي محمد بن قطاف الذي يشارك في لجنة التحكيم الدولية. ومغامرة سونيا وبن قطاف تكاد تتماهى وتلتقي عند واحدة من اهمّ محطات المسرح الطليعي الجزائري في الثمانينات. فالإثنان من مؤسسي فرقة مسرح القلعة مع المخرج زياني شريف عيّاد، معه قدما بعض أبرز أعمال المسرح الجزائري مثل "العيطة" و"فاطمة" والعملان من بطولة سونيا وتأليف محمد بن قطاف وتمثيله، ومن اخراج عيّاد. في المسرح شاركت سونيا في العديد من التجارب مثل "عرس الدم" 1975، و"أبناء المرارة" 1997، و"الاستثناء والقاعدة" 1998... كما اخرجت عدداً من مسرحيات تشيكوف وابسن وغيرهما، مثل "الدب" 1990، و"جون غابرييل بوركمان" 1996، و"ليلة الطلاق" 2000... ومثلت سونيا في افلام عدة منها "تحرير"، و"الفراشة لن تطير ابداً"، و"انتظار النساء"... أما محمد بن قطاف فالتحق بالمسرح الوطني الجزائري العام 1966، وشارك ممثلاً في أعمال لمشاهير الكتاب العرب والعالميين من أمثال كاتب ياسين وعلي سالم ومحمود دياب والطاهر وطار وشكسبير وغولدوني وبيرانديللو وموليير... ثم خاض تجربة التأليف كما أشرنا، وإخراج بعض المسرحيات، مثل "جحا والناس" و"التمرين".