تجرأ فيلم ألماني كلف ملايين الدولارات على تناول الجانب الإنساني من حياة هتلر من خلال تسليط الضوء على أيامه الأخيرة بعد أن كان يعتبر التطرق إلى تاريخ اشهر ديكتاتور في التاريخ، من الأمور المحرمة في ألمانيا. وبدأ عرض الفيلم الذي يحمل عنوان "السقوط" أمس ويقوم بدور هتلر الممثل السويسري برونو غانز. ويثير الفيلم حالياً جدلاً حول مخاطر إظهار الشر متمثلاً في وجه بشري. وتساءل هلموت كاراسيك ناشر صحيفة "تاغيشبيغل" في تعليق على صفحة كاملة، وسط تغطية إعلامية واسعة للفيلم في الصحف الألمانية: "هل يسمح لنا أن نصور شخصاً على أساس انه إنساني بعد أن تسبب في مقتل 40 مليون شخص؟". وقال اوليفر هيرشبيغل، مخرج الفيلم الذي يصور تفاصيل الأيام الأخيرة للرايخ الثالث بانتحار هتلر في حصنه في 30 نيسان أبريل 1945، إن الوقت قد حان للمخاطرة بتقديم مثل هذا الفيلم. إن الخطر لا يكمن في تصويره على انه بشر بل في وصف هذا الرجل على انه وحش، وخلق أسطورة تجعل منه شخصية كرتونية كوميدية". وتابع: "إن الادعاء بان هتلر لم يكن بشراً يعتبر إهانة للضحايا لأن ذلك يعني انه كان شيطاناً حل على الشعب الألماني أو شخصاً مهووساً لم يكن قادراً على تحمل مسؤوليات أعماله. لقد كان يعلم جيداً ما كان يفعله في كل لحظة من لحظات حياته". ويعرض غانز في فيلمه تصويراً رائعاً لهتلر في مشاهد لم يكن يتخيلها أحد ومنها مغازلة سكرتيراته وتقبيله عشيقته ايفا براون بحرارة وغضبه الشديد حول التقارير التي تتحدث عن هجمات الجيش الأحمر، وتلطيخه زيه العسكري الرمادي بصلصة أثناء تناوله طعام العشاء. ويرى المشاهدون هتلر في الفيلم وهو يرتعش باستمرار لإصابته على ما يبدو بمرض باركنسون، وكذلك وهو يقوم بإصدار أوامر بنشر جيوشه المهزومة لمواجهة الروس وتوقيعه على أمر يؤدي إلى قتل مئات الآلاف بعد رفضه الإستسلام. واحتوى الفيلم كذلك على بعض الكوميديا على رغم إنها كانت سوداء. ففي أحد المشاهد يتم إحضار أحد القضاة إلى الحصن الذي كان يتواجد فيه هتلر وايفا براون لتزويجهما، وكيف أن القاضي كان محرجاً أن يسأل الإثنين عما إذا كانا يحملان في عروقهما دماً آرياً نقيا، وهو السؤال الذي كان يطلب منه توجيهه في ذلك الوقت. وطوال الفيلم يشيد هتلر بإخلاص وتفاني اتباعه ويفاخر بالقبضة الحديدية التي حكم بها البلاد. وقال غانز انه كان يهدف إلى معرفة سر جاذبية هتلر لدى الشعب في ذلك الوقت. ويأمل منتجو الفيلم أن يحصل الممثل على جائزة أوسكار عن افضل فيلم غير ناطق بالإنكليزية. وصرح غانز في مقابلة تلفزيونية: "أنا لا اكره هذا الشخص هتلر وإلا لما استطعت أن امثل شخصيته". وكانت أفلام سابقة قام ببطولتها الممثل اليك غينيس وانتوني هوبكنز صورت هتلر على انه شخص معتوه وفشلت في إلقاء الضوء على سر جاذبيته التي جعلت ملايين الألمان يتحلقون حوله. وقال مخرج الفيلم هيرشبيغل انه يدرك مخاطر نشر التفهم أو حتى التعاطف مع هتلر. وقال: "إن إثارة أسئلة جديدة لا يعني إطلاقاً أنني حين اظهر هتلر كانسان فإنني استخف به أو اجعل منه شخصاً محبوباً". يغرق المشاهدون في رعب الساعات الأخيرة حين يرون الضباط الألمان ينفذون أوامر هتلر الأخيرة بسكب البنزين على جثته وجثة عروسه وإضرام النار فيهما ويشاهدون زوجة رئيس الدعاية الألمانية جوزف غوبيلز تخدر أطفالها الستة وتضع كبسولات الزرنيخ في أفواههم الصغيرة. إلا أن بعض النقاد اتهموا منتجي الفيلم بالإفتقار إلى الشجاعة في الإجابة على أحد أهم الأسئلة في التاريخ وهو: كيف كانت جرائم الرايخ الثالث ممكنة؟". وأشار كراسيك إلى أن مشاهدة شخصية هتلر الضعيفة لن تجعل منه شخصية قوية بل تقلل من أهميته. وقد بيع الفيلم في أوروبا واليابان ويأمل المنتجون أن يتم توزيعه في أميركا الشمالية وبريطانيا بعد عرضه الثلثاء في مهرجان الأفلام في تورونتو.