ليس سرا ان ايران وسورية، بغض النظر عن صحة او عدم صحة الاتهامات الاميركية بوقوفهما خلف العمليات الارهابية في العراق، تراهنان على مزيد من التعثر الاميركي في العراق، لضمان سقوط ادارة بوش في الانتخابات الرئاسية. اي ان دمشقوطهران، وهما لا تنفيان دعمهما ل"المقاومة"التي بات يمثلها"سنيا"الاردني"ابو مصعب الزرقاوي"، و"شيعيا"مقتدى الصدر، تسعيان الى"التصويت"في الانتخابات الاميركية لأنهما مرشحتان للتأثر بنتائجها ربما اكثر من الاميركيين انفسهم. وليس مهما هنا ان غالبية ضحايا هذه"المقاومة"هم من العراقيين الابرياء. فالهدف ليس بالضرورة"تحرير"العراق من الاحتلال الاجنبي، بقدر ما هو افشال المشروع الاميركي، حتى ولو كان ذلك على حساب العراقيين ومستقبلهم. ولعل في لبنان، الذي يتقاسم السوريون والايرانيون كعكته منذ الانسحاب الاميركي بعد تفجيرات السفارة العام 1983، نموذجا يحتذى به في العراق. إلا ان لبنان ليس العراق، وثمة فارق هائل بين العام 1983 والعام 2004 وما بينهما 11 ايلول. وفيما لا ينكر احد، بمن فيهم مسؤولون اميركيون، بأن التعثر في العراق قد يقضي على فرص اعادة انتخاب بوش، غير ان العمل من اجل"اطاحة"الادارة الجمهورية في البيت الابيض لن يكون بالضرورة في مصلحة ايران او سورية. وبهذا المعنى، فإن قلق مصادر ديبلوماسية من احتمال ضرب المفاعل النووي الايراني، واهداف عسكرية سورية في الخريف المقبل، يبدو في محله. إذ ان ترجيح تعرض ادارة بوش الى هزيمة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، بسبب تفاقم الوضع الامني في العراق، قد يدفع صقور الادارة الى خطوات شبه"انتحارية"بالمفهوم السياسي، قد تذهب ابعد من مجرد ضرب المفاعلات النووية الايرانية والدفاعات الجوية السورية، لمعاقبة من تعتبرهم واشنطن مسؤولون عن احباط مشروعها العراقي. وقد تستفيد ادارة بوش انتخابيا من تحميل دمشقوطهران مسؤولية فشلها في العراق، ومن توجيهها ضربات عسكرية موجعة لبلدين هما جزء من"محور الشر"، ولا يتمتع اي منهما بتعاطف في اوساط الناخبين الاميركيين. ولعل نجاح الاميركيين في استمالة الاوروبيين الى موقفهم من رفض ايران التعاون في شأن ملفها النووي، وقرار حشد قوات اميركية على مقربة من الحدود السورية لضبط التسلل عبرها، يعتبر مقدمة لتصعيد في هذا الاتجاه. ابعد من ذلك، قد يكون مفيدا التحذير من خطر الاعتقاد الخاطيء بأن تغيير الادارة التي تحكم البيت الابيض سيغير من السياسات الاميركية. إذ ان الادارة الديموقراطية لن تكون اقل رغبة او حماسة لتحقيق انتصار في العراق انسجاما مع مصالح اميركا الاستراتيجية التي تعمل على صونها مراكز القوى الكبرى المسيطرة على الحزبين. الحال هي ان ثمة مخاطرة كبيرة في محاولة دول وقوى اجنبية التأثير في الانتخابات الاميركية. إذ ان استطلاعات الرأي التي تسبق الانتخابات تعطي مؤشرا قويا الى نتائجها المحتملة. وفي حال رأت الادارة الحالية، عشية التصويت، أنها ستخسر الانتخابات لأسباب خارجية، فإنها قد لا تتردد كثيرا في معاقبة من تعتبرهم مسؤولون عن هزيمتها بالتصويت ضدها، سواء كانوا في بغداد او دمشق او طهران.