قرب مجمع كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والآداب، فوجئت بطالبة في السنة الرابعة صيدلة هذا ما قالته لي لاحقاً تناديني باسمي وتسألني عن وضعي الصحي. بداية استغربت سؤالها، إلى أن ذكرتني أنها هي من أنقذني عندما أغمي علي منذ عام تقريباً في إحدى الصيدليات. وخلال الحديث تبين ان سورية توفر فرصة ذهبية لطلابها الراغبين بممارسة ما يتعلمونه في صورة شبه شفهية في الجامعات لا توفرها بلاد كثيرة أخرى، والدليل على ذلك أن عدداً لا يستهان به من السوريين الدارسين للطب في الخارج يعودون في الصيف ويرتادون المشافي للاطلاع على حالات كثيرة، بينما لا يسمح لهم حيث يدرسون بالاقتراب من أي مريض إلا بعد التخرج. علما أن الأمر لا يتوقف على التدريب والتمرين لأن عدداً من هؤلاء الطلاب يتقاضى أجراً مقابل بقائه الموقت في الصيدلية في أوقات معينة، وخصوصا في الضواحي والأرياف. أما متعة الإحساس بالكسل اللذيذ والرغبة في البطالة الاختيارية في الصيف فقد صارا من منسيات عدد كبير من طلاب الجامعات وصار الجهد عاملاً مشتركاً بين جميع الفصول. فقبل أو بعد انتهاء الامتحانات الجامعية بقليل يبدأ طلاب الجامعات من الذين لايعملون خلال العام الدراسي باستطلاع إعلانات العمل والتوظيف في الجرائد، وطرق أبواب المكاتب بحثاً عن فرصة عمل صيفية وموقتة يزاحمهم عليها آلاف الشباب وخصوصا من الداخلين إلى سوق العمل للمرة الأولى. بيد خالية من الشهادة الجامعية ومؤهلات أقل ما يقال فيها إنها ضعيفة يبدأ عدد من طلاب الجامعات عملية البحث عن عمل، أما الغاية فهي لدى الأكثرية كسب مال قليل يساعد في تأمين مصروف الشتاء ولدى الأقلية رغبة داخلية بحجز مكان في سوق العمل الذي يشهد إقبالا مخيفا، إذ يبلغ عدد المسجلين في مكاتب العمل في العام 2002، 860 ألفاً. أما حظوظ هؤلاء الطلاب بإيجاد أعمال مؤقتة فترتفع في قطاع الخدمات كالمطاعم والفنادق وأعمال تصليح وتنظيف السيارات والمنازل وأعمال الحراسة والمشاركة في إجراء بعض الإحصائيات لشركات أو مكاتب خاصة. محمد 21 عاماً سنة ثانية في معهد السكرتارية، يعمل صيفاً في مهنة يجدها مثالية لأنها لا تكلفه أكثر من قيادة دراجته في الساعة الخامسة والنصف صباحاً من مدينته درايا ضواحي دمشق إلى بعض الأحياء السكنية في دمشق وخصوصاً منطقة المزة حاملاً معه وعاءً فارغاً وقطعة قماش قديمة ونوعاً من مواد التنظيف لا يكلفه شهرياً أكثر من 500 ليرة سورية أي 10 دولارات وخط موبايل ليتمكن من تلبية طلبات زبائنه. أما ما يقوم به محمد فهو تنظيف السيارات المتوقفة في أسفل عدد من البنايات السكنية بعد الاتفاق شفهيا مع أصحابها على غسيلها من الخارج ثلاث مرات أسبوعيا مقابل مبلغ لا يتجاوز الخمسمئة ليرة سورية شهرياً يتضاعف إذا كان الغسيل يومياً. وعن عمله يقول محمد: "أقوم بهذا العمل للعام الثالث على التوالي وأنا أغسل في اليوم من ثلاث إلى خمس سيارات وأكسب في الشهر حوالي عشرة آلاف ليرة سورية". أخذت شركات التنظيف في الانتشار في سورية منذ عامين تقريباً، ويكفي الراغب في تنظيف أو "تعزيل" منزله الاتصال بأحدها وتحديد موعد، يصله على أساسه فريق من الشباب. ويقول غالب إنه يعمل بطريقة عصرية ولدى شركة محترمة تقدم خدماتها لأرقى العائلات، ويكسب من عمله هذا 10000 ليرة سورية 195 دولاراً شهرياً هذا بالإضافة إلى "الإكرامية". سمر.ف. سنة رابعة في كلية الهندسة الكهربائية في دمشق تعمل صيفا لدى إحدى الشركات الكبرى في مجال التسويق الهاتفي Telemarketing وهذا العمل الصيفي تقوم به سمر للعام الثاني على التوالي. وتقول: "يتوفر لدى الشركات الكبرى أحيانا فرص عمل في مجالات غير معروفة سابقاً، وقد اكتسبت من هذا العمل خبرة واسعة في كيفية التواصل مع الزبائن من خلال الهاتف، وكسب ثقتهم ودفعهم الى تجريب خدمات جديدة من دون اللقاء بهم شخصياً، وهو أمر يحتاج الى تدريب جيد وإتقان للغة الإنكليزية". وأضافت: "حاولت العمل في أحد المكاتب الهندسية في رسم المخططات الكهربائية ولكني تركته بعد فترة وفضلت عليه عملي هذا الذي أجد فيه متعة أكبر كما أنه أكثر جدوى من الناحية المادية إذ يصل مجموع ما أتلقاه شهريا إلى 8000 ليرة سورية مقابل 3000 ليرة كنت أتقاضاها خلال عملي في المكتب الهندسي". أسامة طالب حقوق سنة ثالثة يعمل في الصيف في شركة خاصة محلية تقوم بتزويد خدمات الحراسة للأفراد والشركات الكبرى وبحفظ الأمن أثناء إقامة المعارض الدولية، وهو يتقاضى مقابل عمله لمدة تسع ساعات يومياً 8000 ليرة سورية 156 دولاراً. ويقول أسامة "إنها المرة الأولى التي أعمل فيها صيفاً، وفضلت هذا العمل على غيره لأن العقود التي نوقعها شكلية ولا تلزمنا بشيء عند انتهاء العطلة الصيفية كما أن المرتب مغر، فأنا أستطيع بمبلغ 32000 ألف، تغطية معظم نفقاتي خلال العام الدراسي".