بات تنظيم أوقات الفراغ في الصيف هاجساً اساسياً لدى السوريين، وأصبحت جدولة تلك الأوقات قبل حلول الموسم واجباً يضطلع به الآباء، ويجبر الأبناء في كثير من الأحيان على التقيد به. ويتنامى اهتمام الأهل بتزويد أبنائهم بما يسمونه أدوات المستقبل، اضافة الى رغبتهم في التباهي بهم وهم يتقنون لغات اجنبية، يسبحون، يعزفون الموسيقى، يقودون السيارة، بل ويركبون الخيل أيضاً. أنيس 17 عاماً طالب في إحدى المدارس الأجنبية في دمش ق تحدث عن مدى رغبته بقضاء الصيف بأكمله في ضيعته القريبة من مدينة "كسب" الجبلية شمال غربي سورية. الا ان رغبته تتعارض تماماً مع رغبة والديه اللذين يخططان "صيفيته" قبل انتهاء المدرسة بأسابيع. فيجد نفسه أمام ثلاثة أو أربعة مواعيد يومية للدروس الخصوصية في "الموسيقى، والرياضيات، والكمبيوتر، واللغة الألمانية". ويقول انيس: "إن النظام المدرسي أكثر رحمة من هذا البرنامج الصيفي المزدحم بالدروس باستثناء المخيمات الصيفية، فأنا لا أعلم لماذا على الشباب تعلم كل هذا، لدي الكثير من الأصدقاء والصديقات الذين يواجهون المشكلة نفسها مع ذويهم، وهم يدفعون لمدرسيهم الخصوصيين ثمن سكوتهم على عدم حضور الدروس الخصوصية والتظاهر أمام الأهل بأن أبناءهم يتعلمون ويتقدمون بسرعة". ويرى انيس في قريته المكان الأجمل لقضاء العطلة الصيفية فهو يجد فيها كل ما يحب ممارسته من هوايات كصيد السمك على الشاطئ القريب، وصيد الخنازير في الغابات المحيطة ب"كسب" وركوب الخيل أيضاً. حتى إنه يعشق أوقات الفراغ لانه يحس بحرية مطلقة، فيقرأ ما يريد و يسمع الموسيقى التي يحب. وهو يقول إنه يستغل أوقاته في القرية أكثر بكثير مما يفعل في دمشق، فنهاره هناك يبدأ عند الساعة الخامسة صباحاً بينما لا يبدأ قبل الحادية عشر ظهراً في دمشق. ومع انتهاء امتحانات الشهادة الثانوية وعودة الكثير من السوريين القاطنين في الخليج إلى دمشق، تشهد مدارس ومكاتب تعليم القيادة في دمشق طلباً مرتفعاً جداً وخصوصاً من الفتيات. شمس بدوي 17 عاماً تحدثت عن المتعة الكبيرة التي تحس بها أثناء دروس القيادة، فهي تواظب عليها يومياً وتصل كلفة الدرس الى 250 ليرة سورية اي ما يعادل 5 دولارات. وهي تفضلها على اتباع دورات الكومبيوتر واللغة، بل إنها تنتظر بفارغ الصبر حصولها على شهادة القيادة. أما عن بقية أوقات الفراغ، فتقول شمس: "اكتسبت وزناً زائداً أثناء الإعداد لامتحانات البكالوريا لذا أمارس رياضتي السكواش والمشي شبه يومي، وسأتابع خلال شهر آب اغسطس مع مجموعة من الأصدقاء دورة لتعلم السباحة بشكل محترف في أحد نوادي دمشق الرياضية، فقد تم افتتاح عدد من المدارس الخاصة بتعليم السباحة في دمشق وأنا أعرف الكثير من روادها". سوسن 19 عاماً طالبة في السنة الأولى في كلية الحقوق - جامعة دمشق تشير الى "محدودية النشاطات التي تستطيع الفتيات ممارستها أثناء الصيف خصوصاً المحجبات منهن، إذ يترتب عليهن الالتزام بالذهاب إلى مجموعة من الأماكن دون سواها، والسهر في الأماكن العامة برفقة الأهل تحديداً أو القيام بمجموعة من الزيارات العائلية، وارتياد النوادي الرياضية ومعهد تعليم اللغة الإنكليزية". وتتابع سوسن: "ما يكثر بالنسبة إلي في الصيف هو زيارات "الخطّابات" وعدد الأعراس والمناسبات الاجتماعية التي تتحول في آخر الصيف إلى واجبات مملة". أما والدتها أم مازن فتلفت بمزاح الى "فراغ جيوب الأهل" في الصيف، الذي تفوق المبالغ المدفوعة فيه من أجل تسلية الأولاد وتسجيلهم في النوادي الصيفية تلك التي تدفعها العائلة خلال العام الدراسي. وتقول أم مازن: "الجهد الذي أبذله في الصيف من أجل متابعة الأولاد هو أضعاف ما أبذله في الشتاء، فأنا في الصيف كسائق التاكسي، أوصل الصغير إلى النادي الصيفي والكبير إلى مدرسة السباحة وسوسن إلى نادي الكومبيوتر ثم أعود لأردهم إلى البيت". وتتابع: "لا أعتقد أن إخضاع الأولاد لمجموعة من الدورات الصيفية ناجم عن رغبة الأهل بتعليمهم أشياء جديدة فقط، فأنا وزوجي لا نسأل كثيراً عما يتعلمون بقدر ما نهتم بمساعدتهم على ملء أوقات فراغهم، التي أعتقد أنها ربما تدفعهم للتفكير في أمور غير جيدة، خصوصاً بعد ما سمعنا من قصص عن الانحراف ومشكلات الإدمان، علما أن لدي ولدين في مرحلة المراهقة، وأنا أفضل السيطرة على أوقات فراغهم بدلاً من ترك الحرية لهم بالتجول في الشوارع والأسواق أو الجلوس في المقاهي، أو متابعة شاشات الفضائيات التي تنقل إليهم الكثير من العادات والأفكار السيئة كما تقطع علاقاتهم العاطفية والاجتماعية بمن حولهم". وشهدت الأعوام الخمسة الأخيرة تزايداً في إقبال الشباب والشابات على تعلم ركوب الخيل في مجموعة من المزارع المنتشرة حول دمشق. منار 22 عاماً طالب في كلية الأداب - جامعة دمشق يحقق في هذا الصيف حلمه القديم بركوب الخيل. وعن هذه التجربة يقول: "ركوب الخيل في نظري متعة وهواية رائعة وهي من أشرف وأروع الرياضات التي مارسها الإنسان، فهي تكسبه جمالاً ورشاقة إضافة إلى أنها تقوي الرئتين وتنقي الدم وتعلم الصبر والهدوء". ويضيف: "ممارسة هذه الهواية كانت محصورة في نطاق ضيق جداً خلال السنوات الماضية لأنها مكلفة نوعاً ما، ومع وجود هذه المزارع التي تقدم الخيل والتعليم يُمنح عشاق هذه الهواية فرصة ممارستها مقابل أجر معقول اذ تصل أجرة ساعة التمرين إلى 200 ليرة سورية أي ما يعادل 4 دولارات وذلك للمشتركين سنوياً، وتبلغ قيمة الاشتراك السنوي 2500 ليرة أي 50 دولاراً".