أجرى ممثلون عن المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني ورجل الدين المتشدد مقتدى الصدر مفاوضات في النجف امس تهدف الى "تجنيب مدينة النجف الاشرف الدمار". وقال حامد الخفاف مساعد السيستاني الذي رافقه في رحلته من البصرة "بدأنا الاتصال مع مقتدى الصدر. اننا ننتظر الساعات المقبلة على أمل النجاح في تجنيب المدينة الدمار". ولم يوضح كيف تمت الاتصالات او ما اذا كان السيستاني سليتقي الصدر. واوضح الخفاف ان المرجع الشيعي سيعلن خطة لحل أزمة النجف تنص على "نزع السلاح من مدينتي النجف والكوفة ورحيل كل العناصر المسلحة من هاتين المدينتين". واضاف ان المبادرة تنص ايضا على "تولي الشرطة العراقية مسؤولية الامن وحفظ النظام في النجف والكوفة ورحيل القوات الاميركية من المدينتين". كما يريد السيستاني ان "تدفع الحكومة العراقية تعويضات للاشخاص المتضررين من المعارك الاخيرة". وكان موكب السيستاني انطلق من البصرة عند الساعة الثامنة صباحا في موكب يضم مئات الاشخاص وبمواكبة عدد كبير من آليات الشرطة والحرس الوطني. وحلقت مروحيات فوق الموكب الذي شارك فيه ايضا عدد من أنصار الصدر. وتوقفت قافلة السيستاني التي كانت تسير بسرعة عشرين كيلومترا في الساعة في مدينة السماوة لمدة عشر دقائق حيث كان عدد كبير من النساء والاطفال على جانبي الطريق يحيونه. وفي تل اللحم التي تبعد مئة كيلومتر شمال البصرة حيا اربعة آلاف شخص من سكان البلدة بينهم وجهاء قبليون اصطفوا على جانبي الطريق رجل الدين الشيعي. وقد توقف الموكب عشر دقائق في المنطقة. ودخل موكب السيستاني مدينة النجف وسط عشرات من سيارات الشرطة التي أطلقت أبواقها. ولوح عشرات من رجال الشرطة ببنادق الكلاشنيكوف أثناء مرورهم قرب الاف الشيعة المصطفين في الشوارع. وقال شهود عيان ان عشرات الالاف الذين استجاب كثير منهم على ما يبدو لنداء السيستاني لانقاذ المدينة المقدسة يتدفقون على النجف قادمين بالسيارات وسيرا على الاقدام من مناطق مختلفة من العراق. لكن السيستاني طلب منهم الانتظار على مشارف المدينة الى حين انتهاء المفاوضات مع الصدر. وتوجه السيستاني على الفور الى منزله في حي السد الذي ضرب الحرس الوطني العراقي طوقا حوله مانعا الدخول اليه، فيما انتشرت اعداد من رجال الشرطة حول المنزل نفسه. وقال صحافيون ان القوات العراقية اطلقت رصاصاً تحذيرياً لمنع متظاهرين مؤيدين للصدر يرفعون صور زعيمهم من دخول الحي. وقال قائد شرطة المدينة غالب الجزائري ان آية الله "بصحة جيدة لكنه متعب من السفر ولا يستطيع التكلم مع أحد في الوقت الراهن". ومع انطلاق موكب السيستاني من البصرة، وجه رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي ما سمّاه "النداء الاخير" الى مسلحي "جيش المهدي" لوقف النزاع المسلح، طالبا منهم "تسليم أسلحتهم ومغادرة الصحن الحيدري الشريف". وقال علاوي "هذا هو نداء السلام الأخير وهذه هي الفرصة الأخيرة لوضع حد ناجز لنزيف الدماء البريئة". واضاف "اننا نؤكد مرة اخرى بأننا سنؤمن للسيد مقتدى الصدر ممراً آمنا اذا اختار وقف النزاع المسلح". وتابع "احب ان اذكر الميليشيات الخارجة على القانون بأن قانون العفو ما زال ساري المفعول ومفتوحا لجميع العناصر التي تجنح الى كنف السلام والاندماج مع المجتمع المدني"، مشيرا الى ان "الحكومة العراقية ستؤمن لهم السبل لتسليم أسلحتهم ومغادرة الصحن الحيدري الشريف بسلام". وتابع رئيس الحكومة الموقتة "لقد اصدرت الاوامر بوقف العمليات العسكرية لمدة 24 ساعة ابتداء من الساعة 15.00 بالتوقيت المحلي من اليوم امس أو توافقا مع وصول سماحته الى مدينته المشرفة لتتوافق دعوته السلمية مع دعواتنا المماثلة المتلاحقة". ومضى يقول ان هذه الدعوة تأتي "مع استجابة السيد مقتدى الصدر ومن خلال ممثليه بانه سوف يتبع الحلول التي سيعرضها سماحة المرجع الاعلى من اجل السلام ومن اجل استقرار العراق آملين مرة اخرى ان يفي بمضمون كلماته". واكد علاوي ان دعوة الحكومة العراقية لا تعبر عن ضعف في "مواجهة التمرد" وقال ان "الحكومة كانت وما تزال قادرة ومتمكنة منذ البداية لوضع حدٍ للتمرد وانهاء النزاع بالحسم المتمكن القادر ولكننا أخذنا طريق حقن الدماء فأطلقنا نداءات السلام". وزاد ان "الحكومة متمسكة بالوعد الذي قطعناه على انفسنا باستنفاد جميع السبل السلمية الممكنة لزرع وانماء الاستقرار في مدننا ووضع حد لنزيف الدم وازهاق الارواح البريئة لا باللجوء الى خيارات العنف والبطش التي كانت من شيم النظام السابق". وقال علاوي ان هدف الحكومة العراقية المؤقتة هو العمل على ان "تحذف من الوعي الجماعي الى الابد صورة الحكومة المتجبرة المتسلطة على رقاب الشعب وزرع صورة الحكومة الخادمة والصديقة المخلصة التي تتمتع بروح شفافة في التعامل مع شعبها". واضاف "نحن متطلعون الى الشروط التي سوف يضعها سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني آملين التزامهم بها كي لا نضطر الى اللجوء للحل العسكري داخل الصحن الشريف". وحذر علاوي من ان "صبر الحكومة يوشك على النفاد"، وقال "أؤكد بأن هذا هو نداء السلام الاخير وان هذه هي الفرصة الاخيرة". وأكد محافظ النجف عدنان الزرفي ان اوامر صدرت بالتزام هدنة مدتها اربع وعشرين ساعة للسماح للسيستاني بالتفاوض مع الصدر، وقال للصحافيين ان ميليشيا "جيش المهدي" أبلغت بوقف اطلاق النار. واضاف الزرفي انه "سيتم توفير ممر آمن بين مكتب السيستاني ومقتدى الصدر لتأمين اجراء المفاوضات". وتابع ان "القطعات العسكرية العراقية والاميركية ستبقى في مواقعها الحالية خلال فترة الهدنة بانتظار اتفاق". واوضح انه "في حال حصل اتفاق ستسلم الميليشيا التابعة لمقتدى الصدر اسلحتها وتخرج من الصحن الحيدري الشريف وتتوقف العمليات العسكرية"، مؤكدا انه "في حال لم يتم التوصل الى اتفاق فان المعارك ستستأنف في النجف". واشار المحافظ الى ان "هذه الهدنة جاءت تقديرا منا للعلم والعلماء وترحيبا بقدوم اية الله العظمى علي السيستاني وبتوجيه من رئيس الوزراء اياد علاوي". وبدوره اعلن الجيش الاميركي انه اوقف عملياته الهجومية في النجف، وقال في بيان "بناء على طلب السلطات العراقية المحلية والوطنية اوقفت قوات الامن العراقية والقوة متعددة الجنسيات موقتا العمليات العسكرية الهجومية لتسهيل عودة آية الله العظمى السيستاني الى مدينة النجف المقدسة". في هذا الوقت، دعا رئيس ديوان الوقف الشيعي في العراق الشيخ حسين بركة الشامي أمس جميع الاطراف الى التعاون مع الوقف من اجل اعادة توليه مسؤولية الاشراف على مرقد الامام علي وسط مدينة النجف. وقال الشامي في بيان ان "الوقف الشيعي يدعو جميع الجهات ذات العلاقة الى التعاون من اجل تسلم الوقف للعتبة الحيدرية المطهرة وملحقاتها وادارة شؤونها بالتنسيق والتعاون مع المرجعية الدينية". وحذر من "أي محاولة ترمي الى العبث والاعتداء على كنوز ونفائس وأموال العتبة المطهرة" ، داعيا الجهات القانونية والقضائية "لتحمل مسؤوليتها لمتابعة المعتدين والعابثين". والوقف الشيعي هو الجهة الرسمية التي تتولى حاليا الاشراف على المراقد الشيعية المقدسة في بغداد وكربلاء، وكان يتولى الاشراف على الصحن الحيدري قبل استيلاء ميليشيا "جيش المهدي" بزعامة مقتدى الصدر قبل اشهر. ومن جانب آخر، هنأ الوقف الشيعي في بيانه العراقيين "بعودة اية الله العظمى علي السيستاني الحميدة الى عرينه وتماثله للشفاء من وعكة صحية المت به في وقت يمر به العراق عموما والنجف خصوصا بظرف صعب". واضاف ان "الوقف يأمل من الشعب العراقي افرادا ومنظمات وحركات واحزابا ان يتحملوا كل مسؤولياتهم في دعم المبادرة الابوية المخلصة لسماحة السيد السيستاني الهادفة الى حقن الدماء وحفظ الانفس والاموال واعادة الامن والسلام والاستقرار الى العتبة العلوية المطهرة والنجف الاشرف وعموم العراق عبر انهاء المظاهر المسلحة كافة وخضوع الجميع لسيادة القانون".