انتقد القيادي في "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" عمار الحكيم "القصف العشوائي" الذي تمارسه القوات المتعددة الجنسية على النجف، رافضاً أسلوب حل الأزمة عسكرياً، مشيراً في حديث الى "الحياة" الى استمرار جهود الوساطة. ونفى الرجل الثاني في "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" ان تكون ايران "العدو الأول للعراق" مؤكداً مساهمات ايران الايجابية في بلاده. وأعرب الحكيم عن قلقه من امكان تأجيل الانتخابات العامة، وكشف ان السفير الأميركي بول بريمر الحاكم السابق للعراق أقر بعض القوانين خلسة في الأيام الأخيرة من وجوده في بغداد، مثل قوانين الانتخابات والأحزاب والمفوضية العليا للانتخابات التي "تمثل خطراً كبيراً على الديموقراطية" في العراق. وعبر عن "القلق الشديد" من "طريقة تشكيل الجهاز الأمني وممارساته التي تعيد الى الذاكرة ممارسات أجهزة نظام صدام حسين القمعية". وحذر من ان ممارسات هذا الجهاز تشكل "خطراً حقيقياً على الديموقراطية" في العراق. احداث النجف ابرزت غياب القوى الاسلامية في المساهمة حل الأزمة هناك، فما سبب هذا الغياب؟ - أختلف معكم في تقويم موقف القوى الاسلامية. فمنذ اليوم الأول للاشتباكات، منذ أكثر من أربعة شهور، بادرت هذه القوى بارسال وفود رفيعة المستوى والتفاوض مع الأطراف المعنية بالنزاع للوصول الى حل سلمي، وبذلت جهوداً كبيرة للسيطرة على الأمور. وكادت هذه المبادرات والوساطات والجهود ان تثمر في أكثر من مناسبة لولا التباطؤ الذي كنا نلمسه أحياناً من بعض الأطراف المتنازعة. ممن تحديداً؟ - من قوات الاحتلال تارة، كما حدث مع المبادرة التي أطلقها "البيت الشيعي" وحظيت برضى الأطراف وقبولهم. وكانت تتضمن فقرات تتعلق بقوات الاحتلال قبل نقل السيادة الى العراقيين، اذ كان واضحاً تباطؤ قوات الاحتلال حينها وعدم استجابتها. وكنا نشعر بوجود مصلحة في ابقاء النجف في حال متوترة. كما حالت ظروف أخرى لدى الأخوة في الجانب الآخر من النزاع جماعة مقتدى الصدر من متابعة الموضوع بجدية أكثر. كانت هناك فرص، اذن، ضاعت نتيجة بعض المواقف والظروف للأطراف المتنازعة. فبسبب هذا التباطؤ من هذا الطرف أو ذاك، على رغم المساعي الحثيثة التي أطلقتها القوى السياسية والشعبية والمرجعيات الدينية، بقيت الحال على ما نراها اليوم للأسف. هل تجاوب تيار السيد مقتدى الصدر تحديداً مع هذه المبادرات؟ أم شكلت مواقفه عائقاً أمام الحل؟ - استجاب هذا التيار لبعض المبادرات العديدة للوساطة، كما كانت لديه ملاحظات أحياناً أخرى أو واجه ظروفاً معينة منعته من الاستجابة السريعة لهذه الوساطات، ان كان على مستوى القبول بمبدأ المبادرات أو تنفيذ بنودها ميدانياً. وهل انتم راضون عن أسلوب الحكومة في معالجة أزمة النجف عسكرياً؟ - نحن حددنا موقفنا من هذا الأسلوب بشكل واضح، وقلنا ان القصف العشوائي الذي تمارسه القوات متعددة الجنسية بهذه الطريقة التي تستهدف المراقد المقدسة ومقبرة وادي السلام التي تضم رفات الآلاف من الأنبياء والأولياء والصالحين وبيوت الناس والمصالح العامة والأسواق التجارية، هذا الاستهداف العشوائي والبطش والقتل واراقة الدماء بهذه الطريقة مرفوض جملة وتفصيلاً. فهذه القوات لا تمارس هذه الأساليب العنفية في معالجة المشكلات الداخلية في بلدانها. وموقفنا في معالجة هذه المسائل هو اعتماد الحلول السلمية والحوار والتفاوض ومنح التطمينات للفئات المختلفة لمعالجة الاشكالات. فهناك شعور بالحرمان لدى بعضهم يدعوه لاتخاذ مواقف معينة. فبقدر ما نطمئن هؤلاء ونطلق الدعوة للمشاركة بقدر ما نقترب من معالجة هذه الاشكالات. البعض يعتقد ان ترك الأمور في النجف تأخذ مداها من دون حماسة تذكر لدى القوى الشيعية لحل الأزمة سلمياً يخفي رغبة أو عدم ممانعة في تحجيم تيار الصدر. ما هو ردك؟ - كما قلت سابقاً، لم تترك القوى الشيعية الأمور في النجف تتدهور من دون تدخل أو وساطات. ونحن ننادي بضرورة مشاركة كل القوى السياسية في العملية السياسية في العراق الجديد، وعدم استبعاد أي طرف. وهذا ما عملنا من أجله. ومنذ البداية ناشدنا وطالبنا الجهات المعنية ببناء مؤسسات الدولة العراقية ان تعطي الفرصة للجميع للمشاركة. وبقدر ما تفتح هذه الفرص نبتعد عن الأساليب الأخرى في التعبير عن المواقف والمطالبة بالحقوق. لذلك لا نعتقد ان تغييب أي تيار فيه مصلحة للعراق أو استقراره. وزير الدفاع العراقي حازم الشعلان اعتبر ايران العدو الأول للعراق، هل توافقونه موقفه؟ - ان سياسة الاعتداء على دول الجوار التي كان نظام صدام حسين يمارسها سياسة خاطئة دفع الشعب العراقي ضريبة باهظة ثمناً لها. في الوقت نفسه نحن حريصون على ان لا تتحول دول الجوار الى حال معادية للعراق أيضاً. لكننا نشاهد تمييزاً في التعاطي مع هذه المسألة. من حق الشعب العراقي ان يطلع على الاعتداءات التي يتعرض لها إذا صدرت من الجمهورية الايرانية: من هم هؤلاء المتسللون؟ وجنسياتهم؟ والأسلحة التي ضبطت؟ استمعنا الى تصريحات مسؤولين عراقيين عن مسؤولية ايران عن الاعتداءات لكننا سمعنا من مسؤولين عراقيين أرفع ينفون هذا الأمر. كما ان قادة قوات الاحتلال في العراق وكبار المسؤولين في الادارة الاميركية، على رغم مواقفها المعروفة من ايران، ينفون وجود أدلة ملموسة على تورط ايران. هذا الغموض يجعلنا نتساءل: اذا كانت هناك دلائل لماذا لا تبرز كي يطلع عليها الشعب؟ من جهة أخرى نعلم ان هناك مئات من العرب يحملون جنسيات بعض دول الجوار وغيرهم معتقلون، وبعضهم ضبط متلبساً بارتكاب أعمال ارهابية واجرامية في بلادنا، ومع ذلك لم تتهم أي دولة من هذه الدول بأنها مشاركة في الاعتداء على العراق، وانما اعتبرت هذه العمليات فردية. وهذه موقف سليم، اذ لا يمكن اتهام دول الجوار من دون دليل. والمطلوب مواصلة سياسة حسن الجوارما لم يتضح خلاف ذلك. فاذا سلمنا ان بعض الايرانيين اعتقلوا في العراق متلبسين بممارسات معينة، لماذا يعد ذلك تدخلاً رسمياً ايرانياً في العراق بينما لا يعتبر اعتقال بعض العرب اعتداء من دولهم على العراق؟ أما في ما يخص ايران، فاننا نلمس موقفاً مسانداً للعراق. فاضافة الى نفي المسؤولين الايرانيين مثل هذا التدخل في الشؤون الداخلية لبلادنا نجد ان لايران حضوراً ايجابياً في العراق، عبر المساهمات الانسانية والتنموية والاعمار. هل انتم راضون عن تشكيل مؤسسات الدولة المختلفة، خصوصاً الأمنية منها؟ - ننظر بقلق شديد الى اداء الجهاز الأمني العراقي. فتشكيل الجيش والشرطة يخضع لمواصفات معينة في اطار مسعى لاشراك كل مكونات الشعب المختلفة وفق رؤية محددة. لنا تحفظات عن ذلك، فهذه الأجهزة في حاجة الى تطهير من بعض العناصر غير الكفوءة وغير المخلصة من فلول النظام السابق. لكن من المهم ان هذه الأجهزة تشكلت على مرأى ومسمع من الشعب وقواه السياسية. أما الجهاز الأمني فتشكل خلف الستار وفي أروقة خاصة من دون ان يعرف الشعب ولا قواه السياسية كيفية تشكيل هذا الجهاز، وما هي المعايير والمواصفات لاختيار عناصره، ومن يدعى لبنائه. نسمع انه تمت الاستعانة بشخصيات سيئة من الجهاز الأمني السابق، عرفوا ببطشهم وانتهاكاتهم وجرائمهم بحق الشعب العراقي وللمؤمنين والشرفاء. والأخطر انه حصلت عدة حوادث اعتقلت خلالها شخصيات سياسية وتم التعرض الى قوى سياسية معينة بنفس الأساليب التي كان يتبعها النظام البائد، لا سيما في طرق الاعتقال والاستجواب والتعذيب والتنكيل، ما يعيد الى الذاكرة ممارسات تلك الأجهزة سيئة الصيت في عهد صدام حسين. نشعر بقلق حقيقي على الديموقراطية في العراق من وجود مثل هذه الأجهزة، علماً بأننا تلقينا من مسؤول هذا الجهاز لدى تعيينه اللواء الشهواني اشارات ايجابية تفيد بأن عناصر هذا الجهاز لن تكرر الأساليب التي كانت تتبعها أجهزة النظام السابق ولن تخرق القوانين أو تنتهك حقوق الانسان أو ترهب المواطنين. لكننا نلاحظ تساهلاً وغض الطرف عن الجهات المتطرفة التي تقوم بعمليات اجرامية وارهابية، فيما تلاحق القوى الشريفة والمخلصة وتداهم بيوت كوادرها وتعتقل بصورة فظة. هذه ظاهرة خطيرة جداً ومقلقة نرفضها بشدة. ونطالب باعادة النظر في اداء هذا الجهاز وطريقة تشكيله. بعد نحو عشرين أسبوعاً من المقرر اجراء انتخابات عامة في العراق، لكننا لا نرى مقدمات عملية لهذه الانتخابات، مثل سن قانون الانتخابات واعداد اللوائح والدوائر الانتخابية. هل انتم مطمئنون الى اجراء الانتخابات في موعدها؟ - لا شك اننا قلقون من امكان تأجيل الانتخابات، لأنها قد لا تروق لبعض القوى الداخلية والاقليمية والدولية، مما يجعلنا قلقين من احتمال تأجيلها. وفي الوقت نفسه نعمل جاهدين من أجل تحقيقها، ونتلقى بايجابية تصريحات المسؤولين في الحكومة التي تؤكد اجراءها في موعدها. الحكومة والأممالمتحدة على المحك في هذه المسألة لاثبات مصداقيتهما في منح العراقيين الفرصة في تقرير مصيرهم وانتخاب ممثليهم بحرية. بعض الاجراءات اتخذت فعلاً. والاحصاء سيجرى في تشرين الأول اكتوبر. وهو خطوة مهمة على طريق الانتخابات التي ستجرى على أساس نسبي ولائحة واحدة. من ناحية أخرى نحن قلقون بسبب اقرار السفير الأميركي بول بريمر الحاكم السابق للعراق بعض القوانين خلسة في الأيام الأخيرة من وجوده في بغداد، منها قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون المفوضية العليا للانتخابات، التي تمثل خطراً كبيراً على الديموقراطية في العراق. هل تراجعون هذه القوانين حالياً؟ - فوجئنا بهذه القوانين التي أقرها السفير بريمر من دون اطلاع القوى السياسية عليها موجودة على موقع "سلطة التحالف" على شبكة الانترنت. فبدأنا اتصالاتنا مع الحكومة العراقية لتصحيح هذه الخلل، وطرحنا هذه المسألة في المؤتمر الوطني الذي عقد قبل أسبوع، ونحن جادون في متابعة هذه القضية وإعادة النظر في هذه القوانين التي تشكل ضرراً على الديموقراطية في العراق الجديد. وهل للحكومة الموقتة صلاحية الغاء القوانين التي أصدرها بريمر؟ - نعم. من صلاحيتها الغاء القوانين التي صدرت من دون تفهم لظروف العراق ومصلحته العليا. فقانون المفوضية العليا للانتخابات منح كل الصلاحيات ذات الصلة بالانتخابات الى لجنة سباعية شكلتها الأممالمتحدة من دون مشاركة الشعب العراقي في تشكيلها أو معرفة المواصفات التي اختير هؤلاء على أساسها، من دون التشكيك بشخصيات هذه اللجنة. فهذه الشخصيات غير معروفة جيداً للعراقيين. والأخطر من ذلك ان كل الأمور المرتبطة بالانتخابات محصورة في أعضاء هذه اللجنة، من تقنين القوانين المتعلقة بالانتخابات، الى الاشراف والتنفيذ والنظر في الشكاوى. فهذه اللجنة تنفيذية وتشريعية وقضائية في الوقت نفسه. وهذا أمر لا نجده في أي مكان في العالم المتحضر الذي يحرص على فصل السلطات. فكيف تعطى كل هذه الصلاحيات للجنة واحدة؟ قيل الكثير عن خروج المرجعية الشيعية من النجف ابان الأزمة الحالية وصل الى حد الاتهامات والتشكيك، ما هو تعليقكم؟ - هذه أحكام ظالمة بحق المرجعية يروجها بعض وسائل الاعلام. النجف الأشرف يحتضن أربع مرجعيات ثلاثة منهم ما زالوا في النجف على رغم الأحداث الأليمة. أما آية الله العظمى علي السيستاني، ولظروفه الصحية، كان بدأ باجراء ترتيبات السفر قبل أحداث النجف بأسابيع كان الهدوء يعم المدينة حينها. وصودف ان الوضع تفجر في النجف بالتزامن مع خروج المرجع من المدينة، وهذا لا يعني أبداً أي تنسيق من المرجعية مع أحد في شأن الأحداث. فالمرجعية أسمى من كل هذه الأمور، وهي حريصة على المقدسات والمواطنين في النجف وكل العراق. ولاحظت، حين التقيت بآية الله السيستاني مدى ألمه لما يحدث في النجف وهو أصر على العودة الى النجف في أقرب فرصة بعد موافقة الأطباء.