مع قرب انتهاء الموسم السينمائي الصيفي في مصر، تترك جداول الإيرادات دلالات تشير إلى الحال التي وصل إليها الفن السابع في "هوليوود الشرق". ولا تقتصر هذه الدلالات على معرفة تفضيلات الجمهور كما هي الحال مع غالبية الجداول المشابهة، لكنها تكشف عن ظواهر جديدة شهدها الموسم السينمائي هذا العام. فالمنتجون لم يكتفوا بتقديم موجة الإضحاك التي فقدت رونقها وجاذبيتها "النظيفة"، بل راحوا يقيمون التحالفات و"التربيطات"، عبر إشراك شركات التوزيع في إنتاج الأفلام، كي يضمنوا أرقاماً مليونية "في موسم الاسترزاق" بحسب تعبير أحد المنتجين. لكن اشتراك الموزعين الثلاثة الكبار في الإنتاج لم يكن سبيل المنتجين الوحيد لضمان بقاء أفلامهم في صالات العرض التي تشهد أزمة لا تخفى على أحد منذ سنوات. إذ عمد هؤلاء إلى تقديم "الخلطة إياها" التي نجحت في تحقيق النجومية والملايين لبعض الأسماء في مواسم سابقة. لذلك خرج معظم الأفلام نسخة مشوهة ومكررة من أفلام شاهدناها من قبل. نماذج... غليظة كوميديا "الهامش"، أو"النماذج الغليظة"، هي أبرز التيمات التي استغلها المنتجون هذا الموسم. وهي كانت تيمة الحظ والإيرادات خلال الموسمين السابقين لنجوم مثل محمد سعد صاحب شخصية "اللمبي" الشهيرة. وإذا كان التغاضي عن تجربة "اللمبي" ممكناً، على اعتبار أنها تسلط الضوء على فئات مهمشة سينمائياً، على رغم ركاكة التناول والمستوى الفني، فإن هذا التغاضي لم يعد ممكناً مع الموجة الكاسحة للأفلام التي تتاجر بهذه الطبقة وأحلام المشاهدين المنتمين إليها في الصعود الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، لا تختلف الشخصية التي قدمها هاني رمزي مثلاً في فيلمه "غبي منه فيه" كثيراً عن "اللمبي". فرمزي يتجشأ في شكل مبالغ فيه، وكذلك فعل سعد. وكلتا الشخصيتين تنتميان إلى قاع المجتمع. وكلتاهما تحققان أحلامهما وتحصلان على الرضا المجتمعي من طريق تطور درامي ساذج وغير محبوك على الإطلاق. بل إن صاحب "اللمبي" لم يكتف باستثمار الشخصية في فيلم "اللي بالي بالك" الذي قدمه الموسم الماضي، وأعاد تقديمها مع بعض التعديلات الطفيفة هذا الموسم في فيلمه المتهاوي فنياً ودرامياً: "عوكل". وكما أخطأ مخرجه محمد النجار أخطاء فادحة، وقع مخرج "غبي منه فيه" رامي إمام في أخطاء بدائية مثل خطأ "الراكور" في مشهد المطاردة. ولم تكن تجربة منى زكي وعبلة كامل في فيلم "خالتي فرنسا" أفضل حالاً، إذ قدمتا النسخة النسائية ل"اللمبي". وجسدتا شخصية "الشرشوحة"، وهي المرأة المعروفة في الأوساط الشعبية بالتكسب من إفساد الأعراس والانتخابات وغيرها. وخرج الفيلم في شكل "وصلة ردح" مستمرة مملوءة بالشتائم والسباب والتلميحات الجنسية. تأثير... في الإيرادات من الطبيعي أن تؤثر الإيرادات في استمرار عرض الأفلام، فالسينما صناعة، ولا يعقل أن تبقى الأفلام الخاسرة في الصالات. لكن من غير الطبيعي أن يمتد هذا التأثير إلى قولبة نوعية الإنتاج وتنميطه تحت شعار "الجمهور عايز كده". فالمنتجون صاروا يحجمون عن خوض تجربة الإنتاج السينمائي الجاد، وخصوصاً بعد عدم قدرة بعضها على الصمود أمام "تربيطات" المنتجين في سباقهم اللاهث المحموم لتحقيق الإيرادات، مثل فيلم "بحب السيما" الذي رفعته منتجته من صالات العرض بعد خمسة أسابيع فقط، مفسحة في المجال أمام أفلام الموجة الخفيفة. بل إن المخرج العالمي يوسف شاهين آثر السلامة وأرجأ عرض فيلمه "اسكندرية نيويورك" إلى نهاية الموسم كي يقي نفسه المنافسة غير العادلة مع أفلام "الصيف". ربما تكون بعض أفلام كوميديا "النماذج الغليظة" حققت إيرادات معقولة هذا الصيف، وحافظ بعض نجومها على أرقامهم المليونية مثل محمد سعد الذي تجاوزت إيرادات فيلمه "عوكل" 16 مليون جنيه خلال ستة أسابيع فقط. لكن هذه "الخلطة" لن تفلح حتماً الموسم المقبل، لأن أصحابها استنفدوا ما لديهم، ولم يعد في إمكانهم إضحاكنا أكثر من ذلك.