في المشهد الأخير من فيلم "55 إسعاف، مصر 2001" الذي أعطى البطولة المطلقة الأولى لمحمد سعد نقرأ عبارة: "إلى اللقاء مع 66 مطافئ". ولكن محمد سعد وبدلاً من أن يقدم لنا فيلماً عن المطافئ ومتاعبها فى العمل بعد فيلمه عن الإسعاف ومشكلاتها، إذ به يقدم "اللمبي" الذي يمكن اعتباره فيلمه الثاني عند الكلام عن البطولة المطلقة له، ولكن يمكن النظر إليه على أنه فيلمه الثالث إن احتسبنا فيلم "الناظر" الذي كان بطله علاء ولي الدين، كان دور محمد سعد فيه ثانوياً. مع هذا يمكن القول انه يمثل البصمة الأولى لمحمد سعد في التمثيل السينمائي بعد سنوات طويلة لم يلفت فيها نظر أحد. حتى عنوان الفيلم وهو اسم الشخصية التى يؤديها محمد سعد "اللمبي". كان اسم الشخصية التي أداها في فيلم الناظر، وكان ذلك من الأمور الطبيعية انطلاقاً من طبيعة فيلم الناظر وعلاقته بالتاريخ. لأن اللمبي تحريف لاسم اللنبي بعد استبدال الميم في الأولى بالنون في الثانية. واللنبي شخصية حقيقية لعبت دوراً في التاريخ الحديث لمصر والوطن العربي بالتحديد في النصف الأول من القرن العشرين. سألت عن دلالات هذا الاسم بالنسبة الى صناع الفيلم وبالتحديد سألت هل محمد سعد من أبناء بور سعيد أو غيرها ما أدى إلى تأثره باللنبي، وإطلاق اسمه على الشخصية التى يؤديها سواء في "الناظر" أو فيلمه الجديد هذا، الاسم الذي جعله عنواناً للفيلم كله؟ فقيل لي أن محمد سعد ينتمي إلى حي مصر القديمة التي يقول عنها العامة "مصر عتيقة" وهو يعرف بين أصدقائه في الحي باسم شهرة ينادونه به وهو اللمبي بالتحديد. أما اللنبي فقد سألت عنه الدكتور يونان لبيب رزق، عميد مؤرخي مصر الحديثة فأحالني على كتاب الجنرال ويفل، وهو من الضباط الذين عملوا تحت إمرة اللنبي في مصر. وتبين أن اللنبي جنرال إنكليزي قاد حملة فلسطين في عامي 1916 - 1917 التي انتهت الى طرد العثمانيين من فلسطين ولبنان وسورية. ثم تولى بعد ذلك منصب المندوب السامي البريطاني في مصر في السنوات من 1919 إلى 1925 وهي سنوات حاسمة في تاريخ مصر الحديث. عدت إلى الدكتور رزق أسأله عن السر في أن أهالي بور سعيد كانوا يحتفلون في عيد شم النسيم من كل سنة بحرق دمية للجنرال اللنبي مع ترديد هتافات ضده، فمثل هذه الحكايات المرتبطة بالخيال الشعبى غير مدونة في الكتاب. فقال لي: ان هذا يتم لأن اللنبي كان قاسياً في حملته ضد الأتراك وضد الخديوي عباس الى درجة أن المصريين غنوا أيامها، كنوع من التعاطف مع عباس "الله حي عباس جي" وهذا هو سر مواقف أهالي بور سعيد العدائي من اللنبي. محمد سعد إذاً عندما اختار اللمبى إسماً له وعنواناً لفيلمه لم يكن له أى علاقة بالجنرال اللنبي ودوره فى تاريخ مصر. فيلم "اللمبي" نزل إلى الأسواق بعد ثلاثة أسابيع من نزول فيلم عادل إمام "أمير الظلام"، وبذلك يعتبر الفيلم الثاني في سباق أفلام الصيف هذا الموسم السينمائي المستحدث وأبطاله الأساسيون وجمهوره هم الشباب الذين يشكلون الجمهور الأساسي. و"اللمبي" من الأفلام التي كانت منتظرة الى درجة أن منتجيه اضطروا أن يعرضوه قبل بدء عرضه في حفلات عرض غريبة أولها حفلة منتصف الليل. ولكن الجديد كان عرضه في حفلات الرابعة صباحاً في بعض دور العرض وربما يحدث هذا في مصر لأول مرة. حرب الايرادات حرب الإيرادات هي العنوان الأساسي للعبة أفلام الصيف. وهي تحسب الآن باليوم وليس بالأسبوع. وبعد مرور يومين على بدء عرض "اللمبي" أعلن أنه حقق مليوني جنيه. المثير هذه المرة أن يوم الجمعة الأول الذي أتى بعد بدء عرض الفيلم حقق مليون جنيه في يوم واحد وهو ما لم يحدث من قبل لأي فيلم على وجه الإطلاق. طبعاً لم يتكلم صناع الفيلم لدى افتخارهم بمداخيله عن عرضه حتى قبل عرضه الخاص. وعن الإعلان بتوسع عن فتح باب الحجز لمشاهدته قبل نزوله إلى الأسواق. كذلك عن البذخ والتوسع فى الإعلان عن الفيلم بخاصة في بعض قنوات التلفزيون الخاصة والمستقلة التي يمكن أن تعلن عن الفيلم بأجور مخفضة وقد وصل الإعلان عن الفيلم في بعضهم أكثر من ثلاث دقائق في المرة الواحدة. قبل نزول "اللمبي" إلى الأسواق نظم منتجوه وصانعوه، لقاءً مطولاً لمحمد سعد في إ؟حدى الفضائيات العربية. وقد بدا سعد في اللقاء الترويجي معقولاً ومقبولاً. وكان أداؤه كمتحدث أفضل فى البرنامج من أدائه في الفيلم كممثل بعد هذا. الفيلم هو محمد سعد المسمى اللمبي ومحمد سعد هو الفيلم. تراه من المشهد الأول وحتى المشاهد الأخيرة. ودخل محمد سعد سجن الشخصية شخصية اللمبي ولم يخرج منه. والخوف أن تكون شخصية "اللمبي" مرشحة للاستمرار مع محمد سعد في أفلامه الآتية كلها، بخاصة بعد نجاح هذه المحاولة، إن نجحت. وبذلك يكون محمد سعد قد دخل سجن الدور الواحد والشخصية الواحدة وإن عرفنا انه له لازمات في الأداء القائم على فكرة النكتة و"الإيفيه" يكون محمد سعد نجماً مرشحاً للاستهلاك السريع في زمن الوجبات السريعة. أم محمد سعد هي "فرنسا" ولعبت دورها الفنانة عبلة كامل التي قدمت مباراة جميلة فى الأداء الكوميدي وصديقة عم "باخ" لعب دوره حسن حسني وهو موسيقار شعبي محبط. وحبيبة قلب محمد سعد هى نوسة وأدت دورها حلا شيحة. وأعتقد أنه قريب من الدور الذى تؤديه في فيلم آخر معروض في الوقت نفسه هو "سحر العيون". "اللمبي" ابن الحي الشعبي يبحث عن عمل ويريد الزواج من حبيبة القلب نوسة وأمه عبلة كامل تؤجر الدراجات للأطفال في الحي وتقترح عليه أن يسافر إلى شرم الشيخ من أجل تأجير الدراجات للسياح وهناك يؤجران الدراجات بالدولار، ولكن شرطة السياحة تطاردهما ويعودان إلى الحي ليعمل على عربة لصنع السندويشات وينتهي الفيلم بزواج محمد سعد من حلا ويغني مع راقصة شعبية فى حفلة فرحه أغنية أم كلثوم "حب إيه اللي انت جاي تقول عليه". وعلى طريقة أفلام المضحكين الجدد، لا بد من أن تكون هناك أزمنة مختلفة في نهاية الفيلم. وهكذا نشاهد سعد بعد زواجه وإنجابه طفلاً. ومثل نهاية فيلم عادل إمام "أمير الظلام". فإن اللقطة الأخيرة التي تطول حتى تنزل عناوين النهاية ومحمد سعد يملأ الشاشة وهو يحيى الجماهير. صحيح أن عادل إمام كان يحيى الجماهير من داخل الفيلم، ولكن محمد سعد كان يحيى جماهير الصالة الذين أضحكتهم بعض النكات التي نطق بها. نمطية أداء محمد سعد يبدو قريباً من النمطية، فهو ينطق الكلمات ويتمشى ويتحرك مثل "المساطيل". أو مثل الطريقة التي كان يظهر بها شارلي شابلن، في أفلامه الصامتة الأولى. وصوت محمد سعد فيه بحة قريبة من أصوات نجيب الريحاني ومحمد عوض ومحمد نجم. تتطور أحياناً لتصبح غليظة وفجة. كما أن حركاته الجسدية واحدة في معظم اللقطات. والنكتة عنده قائمة على فكرة أن ينطق كلمة ثم يتوقف قبل النطق بالكلمة التي وراءها كنوع من البحث عن إيقاع لنطق الكلمات. لقد نجح محمد سعد في "اللمبي" ولكن في تقليد محمد سعد نفسه وهكذا توحد سعد مع "اللمبي" توحداً تاماً ومطلقاً. أعتقد أن موضوعات البحث عن العمل، ومحاولات الزواج التي لا توفق هي من "التيمات" التي يقبل عليها شبان هذه الأيام. ذلك أن معظمهم لا يعمل. ومعظمهم لم يتمكن من الزواج بعد، ولذلك يجد هؤلاء الشبان أنفسهم على الشاشة فيقبلون على مثل هذه النوعية من الأفلام، محمد سعد مثل وغنى ورقص وقدم مغامرات كثيرة، ولكنك تشعر أنه محمد سعد. كان حضوره طاغياً حتى على "اللمبي" نفسه، كل ما يقوم به يقول لك من خلاله أنه محمد سعد وكفى. ثم إنه يعتمد على أداء قريب من "الفارس" الذي يعتمد على الحشو بأكبر قدر ممكن. عبلة كامل التى حرصت على زيادة وزنها حتى تبدو مقنعة فى دور أم محمد سعد. بذلت جهداً كوميدياً ملحوظاً، ولكنني كنت أسأل نفسي طوال عرض الفيلم لماذا لعبت دور أم محمد سعد ولم تلعب دور حماته؟ أي أم حلا شيحة، لو أنها لعبت هذا الدور كانت ستتوافر لها مساحة من الكوميديا ربما جعلتها تقترب من أداء ماري منيب لدور الحماة وهو الأداء الذي لم يقترب منه أحد حتى الآن. ثم إن الأداء الكوميدي بين ابن وأمه له حدود ويختلف كثيراً عن أداء عريس مع حماته. حسن حسني في هذا العمل هو نفسه حسن حسني في أدواره الأخرى التي يلعب فيها دور مساعد وربما سنيد في أفلام مضحكي مصر الجدد تشعر أنك شاهدته من قبل يؤدي الدور نفسه وبالطريقة نفسها. نشوى مصطفى الكوميدية التي تجري في طريقها إلى النجومية، وقد تصل قريباً لأن تسند إليها بطولة مطلقة، حتى تحدث حالة من التوازن مع احتكار الشباب لبطولة أفلام هذه الأيام كان دورها في هذا الفيلم أكثر من قصير. راقصة من المفروض أن ترقص فى فرح "اللمبي"، تضع نظارة على عينيها وتقول انها تقدم رقصاً إيقاعياً. وفي هذا إمكانات كوميدية هائلة. ولكن هذا الرقص لم نره. ولا أعرف لماذا أحضروها؟ ولماذا قبلت هي هذا الدور الذي لا معنى له ولا يزيد على ثلاثة مشاهد؟ تصوير محسن نصر كان ممتازاً، وموسيقى حسين الإمام كانت قريبة من أجواء الفيلم. والمخرج وائل إحسان الذي سبق له العمل في إخراج برنامج تلفزيوني مصري كان عنوانه "من الجاني؟". وأخرج بعض البرامج في التلفزيونات العربية. يحاول أن يضع قدمه على أول الطريق ولولا بعض الأخطاء في إخراج هذا الفيلم لقلنا انه من ذلك النوع القادر على صنع كيان فيلمي لا بأس به. وأكبر أخطاء السيناريو أن الفيلم يوشك أن يكون حكايات شبه مستقلة عن بعضها بعضاً، لا يربط بينها سوى محمد سعد نفسه وهذه مشكلة سيناريو كتبه أحمد عبد الله، ولكن الفيلم مسؤولية المخرج أولاً وأخيراً. وكل التفاصيل الموجودة في الفيلم تعود المسؤولية عنها إلى المخرج وحده. مثل كل موجة الأفلام الجديدة، هناك حال من الهروب إلى الفنادق في شرم الشيخ، مع أن معظم الأفلام الأخرى تهرب إلى فنادق الغردقة لأن عالم الفنادق يقدم خلفية لا بأس بها للتصوير من دون أن تكلف منتجي الفيلم أي شيء. يكفى كتابة شكر للفندق في شارة البداية في الفيلم.