يبدو أن موسم الصيف اصبح مؤشراً مهماً لقياس نسبة الأمن والاستقرار في الجزائر. دوي القنابل وصور المجازر رحلت لتحل مكانها صور المهرجانات والشواطئ الممتلئة بالمصطافين. حتى الطرق التي تربط الولايات والطرق الحدودية أصبحت تعرف حركة غير عادية، صنعها الجزائريون وبخاصة الشباب منهم الذين اختاروا السفر والمغامرة لقضاء اجازاتهم. مهدي بركات 26 عاماً اعتبر أن جيله ضيع الكثير من الوقت بسبب متاهات لم يكن له ذنب فيها. يقول: "بقينا طوال عقد من الزمن في عزلة شبه تامة عن العالم، لذلك يتوجب علينا الآن كشباب أن نستغل كل الفرص المتاحة مثل السفر إلى الخارج، والانفتاح على الثقافات واللغات الأجنبية". وإذا كان مهدي قد أعطى هاتين النصيحتين فلأنه من عشاق السفر والمغامرات ورحلات الاستكشاف. ويظهر ذلك من خلال جواز سفره الذي يحمل بين طياته تأشيرات اوروبية. ويذكر انه عاد قبل يومين فقط من رحلة إلى اسبانيا رافقه خلالها ثلاثة أصدقاء: "منذ ثلاثة أعوام بدأت القيام برحلات المغامرة مع أصدقائي، وفي كل مرة نذهب إلى إسبانيا بالباخرة، إنها حقاً الأرض التي يعشقها كل الشباب. نحن مثلاً لم نأخذ معنا إلا ملابسنا والقليل من المال، لأننا لا نذهب إلى الفنادق بل نقضي ليالينا في المراقص والملاهي، أما في النهار فنستلقي على شاطئ البحر، او في المخيمات المخصصة للشباب المغامر مثلنا". سمية ووليد وهشام ورفاقهم، مجموعة من الطلبة العاشقين للحرية والمغامرة، سمح لهم انخراطهم في منظمة شبابية بممارسة هوايتهم المفضلة المتمثلة في السفر، فنظموا هذا الصيف رحلة قادتهم على متن حافلة خاصة إلى ارض الفراعنة. ويقول هشام قائد المجموعة: "فكرة السفر تولدت لدينا قبل شهرين، فقررنا القيام برحلة استكشافية، وبعد تفكير ودراسة معمقين اتفقنا على زيارة مصر من طريق البر لأنها أقل كلفة واكثر متعة أيضاً ولأن الرحلة تسمح لنا باكتشاف تونس وليبيا أيضاً". تقول سمية: "كانت رحلة ممتعة جداً، وعلى رغم التعب والإرهاق الذي شعرنا بهما، نجحنا في مغامرتنا التي استمرت 12 يوماً". أما وليد 23 عاماً فيركز حديثه على عودة الأمن إلى بلاده: "عودة الاستقرار هي التي شجعتنا على القيام بهذه الرحلة، والأمر نفسه بالنسبة الى مئات الشباب الذين نظموا رحلات مماثلة، لقد التقينا مع الكثير منهم على الحدود التونسية والليبية وحتى المصرية، وكانوا قدموا من كل أنحاء الجزائر في سبيل المغامرة التي كانت ممنوعة علينا في السابق بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة التي كانت تعيشها بلادنا". وعلى عكس هؤلاء الشباب الذين حملوا أمتعتهم ورفعوا شعار المغامرة تحت أشعة الشمس الصيفية، اختار آخرون الافادة من خدمات وكالات السفر والسياحة، التي أصبحت تنتشر كالفطريات في كل ولايات البلاد وخصوصاً في العاصمة حيث تنتشر 500 وكالة. وبالنسبة الى نجاة فاضلي مديرة البرامج في إحدى وكالات السفر المعروفة، فإن شركتها أصبحت خلال السنوات القليلة الأخيرة تنجح خلال الصيف في مضاعفة رقم أعمالها: "الجزائري مسافر بطبعه، لذلك تقترح شركتي رحلات متنوعة تلبي كل الأذواق، خصوصاً للشباب الذين يشكلون نحو 80 في المئة من زبائننا". وتضيف: "اللافت في السنوات الأخيرة هو أن غالبية الشباب اصبحوا يختارون السفر الى الدول العربية وفي مقدمتها مصر ولبنان وسورية. أما في ما يتعلق بالدول الأوروبية فتحتل اليونان المرتبة الأولى ما جعل بعضهم يسميها بنجمة الصيف". اما النجمة الحقيقية التي يتفق الجميع على تسميتها هكذا فتبقى تونس من دون منازع باعتبارها الوجهة الأولى للجزائريين في موسم الصيف. وتكشف الإحصاءات المتوافرة أن 66 في المئة من المليون والمئتي ألف جزائري الذين يسافرون إلى الخارج سنوياً، يختارون تونس، ويعود السبب في ذلك إلى قرب المسافة بين البلدين وسهولة إجراءات السفر لعدم فرض السلطات التونسية تأشيرات دخول على الجزائريين بخلاف المملكة المغربية، التي أدركت نسبة الخسائر التي لحقت بها منذ فرضها تأشيرات سفر على جيرانها، فسارعت هذا الصيف إلى الإعلان عن إلغائها. وما يعكس مدى توافد الجزائريين الى تونس هو عدد الرحلات اليومية التي تربط بين كبرى مدن البلدين جواً او بحراً، غير ان النقل البري يبقى الوسيلة الرئيسية التي يختارها ما يزيد على 80 في المئة من السياح الجزائريين، وبينهم احمد شريفي 23 عاماً الذي كان يتهيأ للسفر إلى مدينة الحمامات برفقة زوجته. ويقول انه اختار هذه الوجهة السياحية لأنها تناسب دخله: "أتمنى في المستقبل أن يكون للجزائريين خيارات أوسع، لأننا نعشق السفر والمغامرة من دون قيود أو تأشيرات".