سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لبنان : وثيقة "قرنة شهوان" خضعت لتخفيف في اللهجة ... وتعليقات لجمت التعاطي الإيجابي معها . سيمون كرم : هناك منطق ميثاقي في مقابل جهات اسلامية ومسيحية تعتبر اللبنانيين منقسمين
حين صدرت وثيقة "قرنة شهوان" عن عدد من الشخصيات السياسية وقادة معظم الأحزاب، المسيحية، بتأييد من البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، كانت ردة الفعل الأولى لدى الوسط السياسي اللبناني، بما فيه أوساط حلفاء سورية المقربين، ان في البيان ايجابيات تتيح تنفيس الاحتقان السياسي في لبنان بعد أشهر من التأزم، على رغم الخلاف في شأن نقاط عدة مع موقعي هذه الوثيقة التي حملت عنوان "من اجل حوار وطني". ولم تمض أيام قليلة على اعلان الوثيقة، حتى صدرت بيانات ومواقف عنيفة من بعض القوى الوثيقة الصلة بدمشق، وخصوصاً حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حمل على الوثيقة وموقعيها، مكرراً في انتقاداته تعابير استخدمت في أوج الصراع السياسي إبان الحرب، متهماً هؤلاء بالانعزالية وبأن حديثهم عن السيادة يثير الغثيان... كما صدرت مواقف عن حليف آخر لدمشق هو الحزب السوري القومي الاجتماعي فند بنودها، واعتبر أن ما تضمنته من مواقف جديدة ازاء الصراع العربي - الإسرائيلي وتحرير الجولان ودعم الانتفاضة في فلسطين، كان هدفه التغطية على المطالبة بالانسحاب السوري لا غير. ورد بعض اركان لقاء "قرنة شهوان" داعين الى قراءة متأنية للوثيقة والى محاورة موقعيها بعيداً من التشنج والمواقف المسبقة. وفي تفسير هذا النوع من ردود الفعل المتشددة على الوثيقة، مقابل ردود فعل مرحبة من قيادات اخرى اسلامية قال سياسيون شاركوا في لقاء قرنة شهوان، أن الهدف منها الحد من ردود الفعل الايجابية على الوثيقة، ولجمها، بحيث لا تنشأ حالة سياسية تتجاوز ما هو مرسوم لامكانات الانفتاح السياسي على المطالبين باعادة النظر في العلاقات اللبنانية - السورية. أما المقربون من دمشق فسروا ردود الفعل المتشددة بالتأكيد على نقطتين: الأولى انه كي يصبح الحوار ممكناً، يجب سحب موضوع اعادة انتشار القوات السورية في لبنان من التداول، بحيث لا يبدو كأن البحث فيه يتم تحت الضغط، والثانية ان على جماعة قرنة شهوان التسليم برغبة سورية أن يتم الحوار عبر الدولة وتحديداً رئيس الجمهورية اميل لحود... وفي المقابل يعتبر معدو وثيقة قرنة شهوان، انهم حققوا انجازاً لأنهم تمكنوا "عبر الخطاب السياسي المعتدل" من تحقيق توافق بين المستقلين والأحزاب المسيحية. ويرى هؤلاء في ذلك تطوراً مهماً. فمن عادة التجمعات السياسية المسيحية التي كانت تنشأ خلال الحرب أن تتم بتحلّق المستقلين حول لغة الأحزاب، بينما الذي حصل هذه المرة ان الأحزاب المتشددة جاءت الى لغة المستقلين... وتقول احدى الشخصيات المعتدلة التي تلعب دوراً في التواصل بين الدولة والبطريركية المارونية وبين سورية واللبنانيين المنتقدين للوجود السوري، أن فكرة لقاء "قرنة شهوان" بدأت قبل أشهر عدة وأن الوثيقة التي كان يجري الاعداد لها، بعد فترة قليلة على البيان المتشدد لمجلس المطارنة الموارنة في 20 أيلول سبتمبر الماضي، كانت أكثر تطرفاً، وقسوة في ما يتعلق بالعلاقات مع سورية. وتعتبر هذه الشخصية أن عوامل عدة لعبت دوراً في تخفيف لهجتها منها ان المعتدلين في اللقاء دعوا الى الأخذ في الاعتبار ردود الفعل الاسلامية الرافضة لطرح صفير مسألة الوجود السوري في شكل يستفز سورية، ويقلق هذه القيادات من رغبة الانقلاب على اتفاق الطائف أي ان هؤلاء المعتدلين تخوفوا من الاستقطاب الطائفي حول ما يطرحون، والعامل الثاني هو ان وزير الخارجية السابق فؤاد بطرس، الذي كان استقبله الرئيس السوري بشار الأسد مرتين، سعى، بعيداً من الأضواء الى دفع معدي الوثيقة الى تعديل الكثير مما فيها في اتجاه الاعتدال.... وهو عقد لهذه الغاية لقاءات عدة مع البطريرك صفير، ومع المطران يوسف بشارة الذي رعى اجتماعات القيادات المسيحية، ومع قيادات اخرى. ومع ذلك، ففي مقابل ردود الفعل المتشددة ظهر موقفان جديدان متشددان من فريقين هما في عداد لقاء قرنة شهوان: الرئيس أمين الجميل الذي وقع على الوثيقة لكنه عاد يشن هجوماً على الوجود السوري. والعماد ميشال عون الذي رفض ممثلو التيار الذي يتزعمه في بيروت التوقيع على الوثيقة لتحفظهم على اتفاق الطائف مع استمرار تضامنهم مع الشخصيات الموقعة عليها، فهاجم عون اتفاق الطائف ورأى أن الوثيقة جاءت متأخرة. "الحياة" طرحت أسئلة على أحد موقعي الوثيقة السفير السابق سيمون كرم، وعلى الوزير السابق، عضو حزب البعث، عبدالله الأمين الذي كانت له لقاءات بعيدة من الأضواء مع بعض المشاركين في لقاء قرنة شهوان. رد السفير اللبناني السابق في واشنطن سيمون كرم على اتهام لقاء "قرنة شهوان" بأنه طائفي وانتقد تصريحات وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس، واعتبر ان اللقاء اطلق دينامية توافقية غير طائفية. ورأى في رد الحزب السوري القومي الاجتماعي على الوثيقة التي صدرت عن اللقاء "مدخلاً للحوار". وقال كرم العضو في اللقاء، انه اذا استدعت خطة عربية لمواجهة اسرائيل "انتشاراً قتالياً للجيش السوري في لبنان فهذه موجبات، اللبنانيون مستعدون لها". كما ركز على الحوار مع سورية حول تطبيق اتفاق الطائف واعادة النظر بالاتفاقات الاقتصادية وتدخل اجهزتها في تفاصيل الحياة العامة في لبنان. بعض ردود الفعل اعتبر ان وثيقة قرنة شهوان صادرة عن تجمع طائفي، ما تعليقك؟ - القضايا التي تطرق اليها لقاء قرنة شهوان تهم كل اللبنانيين، ولا تقتصر على قسم منهم. كذلك الاهتمام وتأييد المنهج والكثير من المضمون الذي لاقته وثيقة قرنة شهوان تعدى اطار اللون الواحد. فقد أيد التوجه الحواري الذي أطلقته هذه الوثيقة زعماء مسلمون اساسيون مثل وليد جنبلاط وسليم الحص ونبيه بري وحبيب صادق وعمر كرامي. ويمكن الملاحظة أيضاً ان هناك سياسيين مسيحيين اعترضوا على لقاء قرنة شهوان لجهة تمثيله السياسي ولجهة المضمون. وأطلق لقاء قرنة شهوان دينامية سياسية توافقية وغير طائفية في البلاد تفاعلت معها قوى سياسية كبرى ايجاباً. والمفارقة ان الاعتراض السياسي على مضمون الوثيقة اقتصر - إلا في حالات نادرة - على الخطاب والسلوك الطائفيين أو على محاولة تأجيج المشاعر الطائفية بين اللبنانيين. وزير الدفاع السوري مثلاً زوّر وقائع تاريخية في مسعى لتدمير التقارب والمصالحة بين شرائح لبنانية معينة عندما ادعى زوراً ان البطريرك صفير طلب من قداسة البابا تدخل رئيس وزراء اسرائيل لمصلحة المسيحيين سنة 1983. كان الأجدى بوزير الدفاع السوري ان يهتم بالرد على تدمير رادار ضهر البيدر، أو المساهمة في تجميع القوى العربية في وجه اسرائيل التي تقمع الانتفاضة بدل تسخير زيارة قدسة البابا، وما تحقق لسورية من خلالها، من حضور دولي واضاءة على وجهها المشرق لغايات منبوذة. تلوين سياسي الحزب السوري القومي الاجتماعي رأى في وجود بعض الحمائم في اللقاء حماية للصقور، وان الوثيقة خطاب المتطرفين بواسطة المعتدلين؟ - تعليق رئيس الحزب القومي على وثيقة "قرنة شهوان" يشكل استثناء في الردود المعترضة علىها من حيث تناوله جوهر ما أثير، وبما يشكل مدخلاً للحوار. صحيح ان هناك تلوينات سياسية متعددة في لقاء قرنة شهوان، وصحيح أيضاً ان الوثيقة هي ثمرة نقاش سياسي بين تيارات سياسية متعددة داخل بيئة اجتماعية معينة. هذا طبيعي، وهذا يشكل سمة من سمات الحياة السياسية في لبنان، بحيث هناك دائماً حاجة لايجاد تسوية سياسية بين طروحات تبدأ متناقضة أو بعيدة ثم تتقارب. ولا شك في أن الحزب القومي يدرك هذا من واقع عقيدته وممارسته في لبنان وفي سورية أيضاً. فلجهة العقيدة، يدعو الحزب السوري القومي الاجتماعي لقيام سورية الكبرى من مجموعة كيانات المشرق العربي الحديث، فيما يشترك منذ أكثر من عشر سنوات في حكومات لبنانية، هي مؤسسة تنفيذية منبثقة من دستور اعلانه الأول والرئيسي ان لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع ابنائه أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في الدستور والمعترف بها دولياً. فإذا لم تكن هناك تسوية ضرورية ومحبذة من اللبنانيين بين العقيدة الحزبية وضرورات الاجتماع اللبناني فكيف يستطيع الحزب القومي ان يبرر ذلك؟ ثم ان الحزب السوري القومي الاجتماعي يدعم سياسة سورية في لبنان من دون تحفظ، والنظام في سورية كما هو معروف هو نظام حزب واحد يدعو الى الوحدة العربية وليس الى قيام سورية الكبرى. وبسبب هذا الفارق في العقيدة فإن الحزب السوري القومي الاجتماعي محظور نشاطه السياسي في سورية. وهنا أيضاً مسافة حتى لا نقول مفارقة، ولا يبرر هذه المسافة الا ضرورة ايجاد التسوية بين النظرة العقيدية وبين واقع الحياة السياسية ومصالح الناس وضرورات البلدان. فإذا كان اللبنانيون يقبلون ان يجري الحزب القومي هذه التسويات ويشجعون عليها، فكيف لا يقبل هو أن تقترب قوى سياسية مسافة معينة من طروحات بعضها البعض لإنتاج نظرة مشتركة الى قضايا لبنانية جوهرية. وكيف لا يقبل أن يتوجه المسيحيون الى المسلمين بلغة يجدونها تقرب في ما بينهم توصلاً الى تجاوز الواقع الطائفي في البلاد؟ ولا يصح أن ينعت الحزب القومي غيره بالتطرف، وهو صاحب نظرة ثورية تعلن ضرورة تغيير أطر حياة لمجتمعات بأكملها في المشرق، وتدعو الى الغاء هويات قديمة وكيانات راسخة أهلها متعلقون بها. ولم يتراجع الحزب خلال تاريخه الطويل عن استعمال وسائل القوة في سبيل تحقيق ذلك، مما لا يصح وصفه بالاعتدال. لذلك ينبغي أن يقبل الحزب القومي الحوار مع الآخر من دون اسباغ النعوت عليه تماماً كما يقبله الآخرون، ناظرين الى الجوانب الايجابية في تجربته وأهم هذه الجوانب تجاوز الحال الطائفية في صفوف قيادته وقاعدته الى حد كبير. اعادة الانتشار من المآخذ عليكم انكم تجاهلتم دور الدولة في الحوار؟ - نحن لم نتجاوز دور الدولة، بل نحن نقول مع قوى سياسية عريضة ومتعددة ان الدولة يجب أن تبادر الى اجراء الحوار بين اللبنانيين حول المسائل الخلافية في الحياة الوطنية. الوضع السياسي في البلاد مأزوم ومحتقن نتيجة عدم تطبيق وثيقة الاتفاق الوطني، ليس فقط في مسألة اعادة انتشار القوات السورية وانسحابها، ولكن أيضاً في مسألة التوازن الوطني، وفي المسألة الجنوبية وتداعياتها. والوضع الاقتصادي على شفير الانهيار بسبب تراكم الدين العام والهدر الكبير في المال العام، مما جرى ولا يزال جارياً، وإن بوتيرة أقل لتضاؤل الامكانات. موقف الدولة هو أن الوضع القائم غير قابل للتغيير، وان هناك ضرورة لاستمراره كما هو عليه الآن. بعض الدولة يقدم الخطر الاسرائيلي سبباً لاستمرار الأحوال. فتارة مزارع شبعا وطوراً خطر شارون. وبعض الدولة الآخر يقول صراحة ان الحرب انتهت بغالب ومغلوب، وان الدولة هي اسلاب وقعت في نصيب الغالب، وان ما على المغلوب الا السكوت. هناك قسم من الدولة يسهم بتجييش المشاعر الطائفية بين اللبنانيين. نحن نرى كل ذلك ونتحفظ عليه. وعلى رغم هذه الوقائع لا نزال نقول ان على الدولة ان تقوم بواجبها وقيادة الحوار. ولكن اللبنانيين لن يفترقوا إذا أصرت الدولة على أن لا تقوم بواجبها وسيتصلون ببعضهم ويطلقون الحوار. الدولة والحوار ما هي آليات الحوار التي ستتبعونها؟ هل سيشمل المسيحيين الآخرين غير الممثلين في قرنة شهوان؟ وهل سيشمل القيادة السورية؟ - الدولة هي الطرف الرئيسي الذي تقع على عاتقه مسؤولية مباشرة الحوار بين اللبنانيين، وبين لبنان وسورية. والحوار مع سورية يجب ان يتركز على ضرورة استكمال تطبيق اتفاق الطائف في شقه الاقليمي بما يعني اعادة انتشار القوات السورية الى منطقة البقاع تمهيداً لانسحابها النهائي من لبنان. الحوار بين الدولة اللبنانية وسورية يجب أن يتركز أيضاً على تحديد دقيق للمصالح السورية في لبنان ضمن اطار مقتضيات الصراع العربي مع اسرائيل سلماً وحرباً، ما هو دور لبنان، وما هو دور جنوبلبنان بعد انكفاء اسرائيل، وما هو دور سورية، وما هو دور الجولان، وأين يقع كل ذلك ضمن اطار التضامن العربي وضمن اطار التنسيق العربي في وجه اسرائيل. ثم هناك عنوان ثالث وأساسي في الحوار بين الدولتين اللبنانية والسورية قوامه ان تطلب الدولة اللبنانية وقف تدخل المخابرات العسكرية السورية في كل عناوين وتفاصيل الحياة العامة في لبنان، وأن يعاد النظر في الاتفاقات الثنائية التي وقعت بين البلدين. هذه الاتفاقات في غالبيتها مجحفة في حق لبنان. وما يزيد الأمر سوءاً هو أنها تطبق في اتجاه واحد، أي انها تطبق في الشق الذي يناسب المصالح السورية في ميادين حيوية كالزراعة والحركة التجارية بين البلدين والحركة التجارية بين لبنان والداخل العربي عبر سورية. الحوار الداخلي بين اللبنانيين الهدف منه أولاً بناء توافق داخلي حول هذه المواضيع، وهذا موضوع حيوي بالنسبة الينا. فنحن نريد بناء وحدة وطنية داخلية حول كل مفاصل العلاقة مع سورية وأن تشكل هذه الوحدة الوطنية الأساس الذي تبنى عليه العلاقة بين البلدين الجارين والتوأمين. هذا المنطق الميثاقي يقع في تقابل مع منطق آخر قائم لدى جهات سياسية اسلامية ومسيحية على حد سواء قوامه ان اللبنانيين أعداء منقسمون أبداً، وأن لا امكانية لقيام توافق بينهم حول أي شيء، وأن العلاقة الوحيدة الممكنة مع سورية هي علاقة استقواء احدهم ضد الآخر بنفوذها. ونحن نلاحظ أي جهات وازنة داخل الدولة اللبنانية وداخل الحكومة والمجلس وداخل اجهزة الأمن تحبذ هذه الرؤية وتدفع باتجاهها في السياسة والاعلام وفي حركة الشارع. نحن ندرك ان الدولة ليست كما نريد وان حركتها محكومة بمزيج من المصالح والاملاءات التي تقع على طرف نقيض مع المنطق الميثاقي والموقف الاستقلالي ل"قرنة شهوان"، ولذلك تكلمنا عن ضرورة دفع الدولة الى تطبيق الطائف. وهذا الدفع سيتم عبر اعتماد آليات الاتصال المباشر بين القوى السياسية والشعبية في البلاد، كمثل لقاء "المنبر الديموقراطي" للتوقيع على وثيقة موازية لوثيقة "قرنة شهوان"، وقبل ذلك اللقاء في المختارة حول وليد جنبلاط، وهناك مشاريع حوار مع الاطراف السياسية الأساسية في البلاد يتم العمل عليها بصمت وستعلن تباعاً عند نضوجها. حديث وثيقتكم عن مخاطر مرحلة شارون، هل يمكن تفسيره على انه استعداد للقبول بوجود سوري عسكري في مناطق تتفق عليها الدولتان؟ - كان هناك دائماً اجماع لبناني على الوقوف داخل المعسكر العربي في المحطات الكبرى للصراع العربي - الاسرائيلي. حدث هذا خلال الحروب العربية - الاسرائيلية في سنوات 1948، 1956، 1967، 1973، عندما واجه العرب اسرائيل حرباً فاللبنانيون بإجماعهم معهم، وعندما دخل العرب تجربة التسوية كذلك فعل اللبنانيون. الانقسام اللبناني حدث ويحدث عندما يستعمل لبنان ساحة وعندما يستعمل اللبنانيون وقوداً لهذه الساحة. هذا ما حدث ابتداء من سنة 1975 ولا يزال جارياً حتى الآن بوتائر وطرق مختلفة. والمؤسف والمؤلم هو ان استعمال الساحة اللبنانية لم يقتصر على الأجانب وعلى اسرائيل وهي عدو، بل انخرط العرب فيه، ومسؤوليتهم في ما حل بلبنان لا تقل عن مسؤولية بعض الأطراف اللبنانية بل تتعداها في أحيان كثيرة. اللحظة السياسية الراهنة هي لحظة تراجع التسوية في المنطقة، حتى في ظل استمرار انخراط العرب والاسرائيليين فيها. فإذا كان أفق التطورات الميدانية المؤلمة والمؤسفة الجارية في فلسطين هو نشوب حرب عربية - اسرائيلية، فإن الاجماع اللبناني قائم على الوقوف في المعسكر العربي، هذه مسألة لا جدال فيها. ولكننا نرى أيضاً جدوى في السؤال عن الحكمة في استمرار عمليات عسكرية محدودة في مزارع شبعا، حيث هناك التباسات كبيرة في مسائل ملكية الأرض، والسيادة الوطنية، والملف الديبلوماسي. واستمرار الأسلوب العسكري هذا يحمّل لبنان ما لا قدرة له عليه لجهة مسؤوليات الصراع مع اسرائيل، والعزلة الدولية ونتائج هذا كله على جهود البناء الاقتصادي. ليس طبيعياً من وجهة نظر عربية أن يترك الفلسطينيونواللبنانيون وحدهم في مواجهة اسرائيل، على رغم ان الشعبين والمقاومتين أثبتوا جدارتهم بما فيه الكفاية. إذا كانت هناك خطة عربية فلبنان مستعد لدوره ونصيبه من ضمنها. واذا استدعت هذه الخطة انتشاراً قتالياً للجيش السوري في لبنان فهذه موجبات، اللبنانيون مستعدون لها. واجب الدولة اللبنانية ان تصارح شعبها حول حقائق اللحظة الراهنة من الصراع وحول ما هو مطلوب من البلد ومن الناس، ما هو دور لبنان وما هي أدوار الآخرين. واجب الدولة أن تفتح الحوار حول هذه المسائل وأن تعبئ البلد ليكون موحداً وراءها في مواجهة اسرائيل، لا أن تسمح بتنامي خطاب وسلوك الانقسام، حتى لا نقول المساهمة في هذا الانقسام عبر الإحجام مرة والفعل مرة أخرى.