نفذ الحرس الثوري الإيراني الأسبوع الماضي سلسلة تجارب على طراز معدل من صاروخ"شهاب - 3"المتوسط المدى، وذلك ضمن خطة الاستنفار التي وضعتها حكومة طهران للرد على أي تهديد محتمل. وأعلن وزير الدفاع علي شمخاني أن الأراضي الإسرائيلية بكاملها تقع حالياً في مرمى صواريخ"شهاب"بما يشمل القواعد العسكرية ومفاعل"ديمونا". وكرر ما قاله منذ أسبوعين ان الولاياتالمتحدة وإسرائيل ستدفعان الثمن غالياً في حال تعرضت إيران لهجوم من إحدى الدولتين. بالمقابل، ذكرت وسائل الإعلام العبرية أن إيران اختبرت صاروخ"شهاب - 3"كتحذير من عواقب استهدافها من قبل إسرائيل التي قامت باجراء تجربة جديدة على الصاروخ"حيتس"السهم ليكون جاهزاً لاعتراض صواريخ شهاب 3 و4. ولقد اختار وزير الدفاع شاؤول موفاز الأراضي الأميركية الشاسعة كي يجري فوقها تجارب تحسين دقة اعتراض الصاروخ الإيراني. وكان بهذه المشاركة يريد التأكد من تطوير جيل جديد من الصواريخ القادرة على مواجهة التحديات الإيرانية. ويرى المعلق العسكري في صحيفة"هآرتس"زئيف شيف أن تجارب إيران استعراضية يُراد من ورائها تعزيز أمن البلاد ورفع معنويات الشعب. وفي تصوره، أن طهران ليست بحاجة إلى هذه الصواريخ لضرب إسرائيل، لأن ذراعها الطويلة في لبنان وسورية قادرة على اصابة أهداف عسكرية ومدنية في عمق الدولة العبرية. ويستدل من حدة التصعيد التي يخلقها السباق المحموم على امتلاك الصواريخ، ان هناك أسباباً وجيهة تفرض الحذر من احتمال تطور الخلاف الإيراني - الإسرائيلي إلى حد المواجهة. وبين الأسباب الكثيرة ما يهيئ له ارييل شارون من حملات سياسية وإعلامية تتهم طهران بمواصلة السعي لامتلاك أسلحة ذرية تحت ستار برنامج نووي مدني لتوليد الطاقة. ويدعي شارون أن طهران تعلمت من أخطاء بغداد، وان مفاعلاتها النووية بعيدة عن أعين مفتشي الوكالة الدولية للطاقة. واستناداً إلى افتراضات لا تدعمها أدلة مدير الوكالة الدكتور محمد البرادعي، يقوم شارون باستخدام المنطق الذي استخدمه هو في حكومة مناحيم بيغن سنة 1981 لتبرير قصف مفاعل"تموز"العراقي. جاء في الكتاب الموثق الذي وضعه ثلاثة خبراء إسرائيليين وعنوانه"دقيقتان فوق بغداد"، ما يؤكد أهمية الجلسة التاريخية التي عقدتها حكومة مناحيم بيغن قبل اتخاذ قرار ضرب المفاعل النووي العراقي. يقول الكتاب:"افتتح بيغن الجلسة باستذكار ظروف الصمت الأوروبي والغربي حيال عمليات الإبادة الجماعية هولوكوست، مؤكداً أن ما حدث في المانيا أو في بلده الأصلي بولندا، يمكن أن يحدث اليوم للشعب اليهودي في وطنه القومي، إسرائيل. وقال أيضاً إن"الموساد"اغتال خبراء عدة ممن يتولون الاشراف على البرنامج النووي العراقي بينهم العالم المصري الدكتور يحيى ألمشّد. كما حاول تخريب أجهزة المفاعلات في"طولون"الفرنسية قبل نقلها إلى بغداد، ولكن هذه المحاولات لم تمنع الحكومة العراقية من مواصلة التحدي، بحيث بلغت الانجازات مرحلة تخصيب اليورانيوم بهدف صنع قنبلة ذرية". ثم رسم مناحيم بيغن للوزراء صورة المستقبل القاتم الذي تنتظره الدولة العبرية من جراء سقوط التوازن العسكري القائم. وقال إن"بن غوريون نفذ مشروع"ديمونا"، وحرص على ابقاء إسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، وكي يحافظ على صفة التفرد ابتكر نظرية الضربة الاستباقية أو الوقائية التي تمنع تنامي خطر العدو. ومعنى هذا أنه لا يجوز لنا الانتظار إلى حين ينتهي العراق من صنع قنبلته. عندئذ نفقد قدرة التصدي وقوة التفوق. وهذا هو الخطأ الذي ارتكبته أوروبا عندما أهملت نصيحتنا بضرورة التركيز على اغتيال هتلر سنة 1938. ولو أصغت بريطانياوفرنسا الى النصيحة لما حصلت الابادات الجماعية لليهود، ولما فقد العالم ملايين الأبرياء". في تلك الجلسة أعطى بيغن الكلام لمستشاره الخاص لشؤون الدفاع وزير الزراعة ارييل شارون. واعترف الوزير الليكودي انه يؤيد نظرية الضربة الوقائية، خصوصاً ان نجاحها سيضمن للحزب فوزاً ساحقاً في الانتخابات القريبة المقبلة. ولما اقترح ضرورة الاحتفاظ بسرية العملية وعدم ابلاغ ادارة ريغان، تصدى له أحد الوزراء ليؤكد أن أقمار التجسس ستكشف الأمر وتنقله فوراً الى الاستخبارات الأميركية. وعلق شارون على اعتراضه بالقول ان"اللوبي اليهودي"قادر على امتصاص حملة الادانة والاستنكار، وان المصلحة الاسرائيلية تقضي بعدم استئذان أقرب الدول الحليفة خوفاً من تخريب الخطة. وفي نهاية الجلسة حصل بيغن على تأييد كل الوزراء. لذلك كلف شارون بمهمة التنسيق مع رئيس الأركان رافائيل ايتان الذي اتفق معه على تفاصيل خطة الهجوم وتوقيت تنفيذها. في هذا السياق لا بد من التذكير بأن ايران حاولت في بداية حربها ضد العراق، ان تدمر مفاعل"تموز"الواقع على مسافة 20 كيلومتراً جنوب شرقي بغداد. والثابت ان طائراتها اخفقت في اصابة الاجهزة الحساسة المستخدمة لتخصيب اليورانيوم. ولقد اعترفت اسرائيل بأن طائراتها قامت بتصوير المفاعل اثناء الحرب العراقية - الايرانية، ولكنها أحجمت عن تدميره على رغم ضعف الحماية. والسبب يعود الى الادارة الاميركية التي دعمت صدام حسين وساعدته بواسطة السلاح وأقمار التجسس، على ربح القتال ضد نظام الخميني. وقد استفادت فرنسا من حاجة العراق الى توفير حماية الأجواء المحيطة بالمفاعل، فإذا بشركات صنع الأسلحة تتسابق على تأمين الدفاعات المطلوبة. ففي تشرين الأول اكتوبر 1980 عقدت بغداد صفقة مع شركة"طومسون"للصناعات الحربية قيمتها 900 مليون دولار تضمنت أجهزة رادار متطورة والكترونيات معدة لرصد الغارات الجوية. كما عقدت صفقة ثانية مع شركة فرنسية قدرت تكاليفها ب800 مليون دولار، وذلك لتأمين صواريخ من طراز"ماجيك 550"جو - جو، وصواريخ من طراز"اكزوست"و"كروتال"و"شاين"أرض - جو. في ضوء هذه الخلفية السياسية تبدو العلاقات متوترة بين اسرائيل وايران كأنها نسخة مكررة عن العلاقات التي تأزمت بين اسرائيل والعراق، ومن ثم بين العراقوالولاياتالمتحدة، خصوصاً ان الرئيس جورج بوش صنف ايران بين الدول الثلاث المارقة، واعتبرها مؤيدة للارهاب بعدما ذكر تقرير لجنة التحقيق في أحداث 11 ايلول سبتمبر 2001، ان عشرة من المتورطين حصلوا على تسهيلات للعبور من ايران الى افغانستان وبالعكس، ثم جاء هذا الاسبوع تصريح وكيل وزارة الخارجية الاميركية لشؤون التسلح ليصب الزيت على النار، ويشعل فتيل الخلاف مجدداً بين واشنطنوطهران. لقد اعلن جون بولتون ان ايران حذرت بريطانياوفرنساوالمانيا من قدرتها على انتاج مواد لتصنيع سلاح نووي خلال عام. وقال ان هذا التهديد يعزز محاولات اميركا لإحالة الملف النووي الايراني على مجلس الأمن بهدف فرض عقوبات على طهران. وحجة واشنطن لإحالة الملف النووي الايراني الى الأممالمتحدة، ان تصنيع القنبلة الذرية خلال سنة أو سنتين يشكل خطراً على دول الشرق الأوسط، وخصوصاً على اسرائيل. ومثل هذا التهديد اطلقه جون بولتون في شهر شباط فبراير الماضي، عندما قدمت ليبيا ملفاً الى الوكالة الدولية تعترف فيه بأنها وفرت لايران معلومات عن تجارب اليورانيوم المشع. كذلك تلقت الوكالة معلومات اضافية عن حصول ايران على تكنولوجيا نووية وفرها لها علماء من باكستان وكوريا الشمالية. واستند بولتون الى هذه الملفات ليتهم ايران باتباع سياسة التضليل وعدم الالتزام بالبروتوكول الإضافي الذي وقعته السنة الماضية ووافقت فيه على تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم. يقول المراقبون في واشنطن ان ادارة جورج بوش تسعى الى منع ارييل شارون من القيام بمغامرة عسكرية ضد ايران تهدف الى تدمير منشآتها النووية في"بوشهر"و"آراك". والثابت انه يحاول تشكيل حكومة ائتلافية تضم شمعون بيريز تكون مستعدة لتأييده في هذه العملية الخطرة. وقد دخلت حكومة توني بلير على خط المعارضة لتحذره من عواقب عمل متهور لا يستند الى أي مبرر قانوني. والمؤكد ان شارون استند الى تصريح جون بولتون ليدافع عن موقفه مدعياً ان حصول ايران على القنبلة الذرية سيؤخر عملية السلام في المنطقة، ويشل قدرة بلاده على التحرك الديبلوماسي، ويجعلها رهينة ميزان الرعب النووي. وبما ان التفرد والاستقواء بعامل السلاح النووي سيبقيان من دعائم السياسة الاسرائيلية، فإن شارون سيستغل انتخابات الرئاسة الاميركية لضمان انتخاب حزبه وتحويل الأنظار عن موضوع الانسحاب من قطاع غزة فقط. وهو من جهة أخرى يستثمر مواقف المتشددين المحافظين في ايران، أولئك الذين همشوا كل مقررات الرئيس محمد خاتمي ووزير خارجيته كمال خرازي، وجمدوا كل مشاريع الاصلاح الداخلي والانفتاح الخارجي. في سبيل تجاوز هذه الأزمة، من المتوقع أن يسافر الى طهران وسيط يمثل الدول الأوروبية المعنية أي فرنساوبريطانياوالمانيا لعله يمنع فرض العقوبات مقابل تقيد الدولة الايرانية بشروط الوكالة الدولية للطاقة النووية. ومن جهة ثانية، تحاول حكومة توني بلير تخفيف المخاوف التي افتعلها شارون، واقناعه بأن ضرب المنشآت النووية الايرانية سيزيد من العداء لاسرائيل والولاياتالمتحدة، ويضعف الآمال بتحقيق مصالحة تاريخية عن طريق المفاوضات المباشرة. وفي رأي البريطانيين، فإن الاستمرار في سياسة القمع ضد الفلسطينيين، زائد احتلال العراق وتدمير المفاعلات النووية الايرانية، سيقوض فرص السلام ويدفع الى انفصال اسرائيل عن جاراتها، بمن في ذلك مصر والأردن. ومن يراجع تاريخ شارون، يدرك تماماً ان مشروعه لا يتم بالتعاون مع محيطه، بل بواسطة التفوق العسكري وامتلاك السلاح النووي! * كاتب وصحافي لبناني.