أدارت إسرائيل ظهرها، مرة أخرى، لالتزاماتها الدولية وقف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وأبقتها مجرد حبر على ورق حين نشرت وزارة الإسكان عروض استدراج رسمية لبناء 1001 وحدة سكنية جديدة في أربع مستوطنات تضاف إلى مشاريع استيطانية جديدة أقرها وزير الدفاع شاؤول موفاز وكشف عنها قبل أسبوعين. وفيما نفت وزيرة الإسكان تسيبي ليفنه أن تكون المناقصات التي نشرتها في الصحف العبرية أمس تتعارض والتفاهمات مع واشنطن في مسألة مواصلة الاستيطان في الكتل الاستيطانية الكبرى، قال وزير شؤون المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات إن المخطط الجديد يعني دفن "خريطة الطريق" الدولية. بعد أسبوع واحد فقط على تسريب خبر من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون عن قراره ارجاء نشر عروض لبناء وحدات سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية ل"تفادي سوء تفاهم مع واشنطن"، تبين أمس أنه عاد وأعطى الضوء الأخضر لوزارة الإسكان لتنشر مناقصات رسمية في الصحف لبناء 1001 وحدة سكنية جديدة في أربع مستوطنات، على أن ينشر لاحقاً عرض آخر لبناء 663 مسكناً جديداً اضافياً في مستوطنات أخرى "على طول الضفة الغربية وعرضها" كما كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، مضيفة ان الحديث يدور عن بناء غير مسبوق بحجمه منذ سنوات كثيرة "على رغم التزام إسرائيل للأميركيين بتحديد النشاط الاستيطاني". وتابعت أن الحكومة ستقوم بتمويل المشاريع الجديدة بنسبة 50 في المئة لاغراء المستوطنين بامتلاك شقق بأسعار معقولة. وطبقاً لما نشر أمس، فإن بناء الشقق الجديدة سيتم في كل من مستوطنة "بيتار عيليت" غرب بيت لحم 604 شقق وشرق مستوطنة "اريئيل" المقامة على أراضي سلفيت الفلسطينية 214 و"معاليه ادوميم" شرق القدسالمحتلة 141 و"كرني شومرون" على أراضي قرية عزون 42. وكانت مصادر صحافية إسرائيلية موثوقة أكدت الأسبوع الماضي أن شارون وموفاز وضعا الخطوط العريضة لتوسيع الاستيطان غداة إقرار الحكومة الإسرائيلية، مبدئياً في حزيران يونيو الماضي خطة الانفصال الأحادي الجانب من غزة. ونقلت عن محافل سياسية إسرائيلية أن تل أبيب وواشنطن "متفاهمتان" في هذه المسألة، وأنه مقابل تظاهر الإدارة الأميركية بالتشدد تجاه النشاط الاستيطاني، فإنها توافق سراً عليه. وكتب معلق بارز ان شارون بات يقايض الانسحاب من غزة بتصديق أميركي على تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية بعدما أنجز تفاهماً مع الرئيس الأميركي جورج بوش حول ضرورة ابقاء "الكتل الاستيطانية الكبرى" تحت السيطرة الإسرائيلية في إطار أي تسوية دائمة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وربط معلقون ونواب في الأحزاب اليسارية بين نشر المناقصات أمس والاجتماع الذي يعقده مؤتمر حزب "ليكود" اليوم لبتّ مسألة انضمام "العمل" إلى الحكومة كما يقترح زعيم الحزب رئيس الحكومة ارييل شارون، ورأوا أن الأخير يحاول تليين موقف المعارضين لضم "العمل" بداعي أن من شأن ذلك تسريع تنفيذ الانسحاب من غزة. كما يتزامن النشر مع الحديث عن وصول وفد أميركي إلى المنطقة لمتابعة تفكيك المواقع الاستيطانية العشوائية الذي يعارضه الجناح المتشدد في "ليكود" وقادة المستوطنين. ونفت وزيرة الإسكان تسيبي ليفنه وجود علاقة بين نشر المناقصات واجتماع "ليكود"، كما رأت أن البناء الجديد لا يتعارض والتفاهمات مع واشنطن ولا يتنافى مع التزام إسرائيل وقف النشاط الاستيطاني. وقالت إن العروض الجديدة نشرت بناء للاحتياجات وطبقاً لخطة عمل. وتابعت ان الحديث يدور عن توسيع البناء في مستوطنات "هي في لب الاجماع الاسرائيلي" وان المشروع الجديد يتماشى وسياسة الحكومة ويتطابق والتصريحات الاميركية في اشارة الى "وعد بوش" بابقاء المستوطنات الكبرى تحت السيطرة الاسرائيلية "وعليه لا داع لأي دراما". والتقت ردود الفعل الصادرة عن احزاب المعارضة اليسارية في اعتبار الاجراء الاستفزازي الجديد لشارون تكريساً لاحتلال الضفة الغربية. ودعا المتحدث بلسان حزب "العمل" اقطاب الحزب الى اشتراط مواصلة المفاوضات للانضمام الى حكومة شارون بإلغاء المناقصات وقال ان توسيع المستوطنات يعرض امن الدولة العبرية الى الخطر في المستقبل "فضلاً عن انه يوسع رقعة الخلاف وانعدام الثقة مع واشنطن القائمة على خلفية عدم اخلاء المواقع الاستيطانية العشوائية". وقال المتحدث باسم حركة "السلام الآن" التي ترصد النشاط الاستيطاني في المناطق الفلسطينية المحتلة ان "صاحب البيت اصيب بالجنون حين قرر الاستخفاف بالتزام حكومته تجميد البناء في المستوطنات وبدلاً من قيامه بالانفصال فانه يقوم بعملية احتلال مكثف في الضفة الغربية". فلسطينياً، قال وزير شؤون المفاوضات الدكتور صائب عريقات ان الكمّ الهائل من العطاءات لبناء مستوطنات جديدة انما يدل على ان الحكومة الاسرائيلية ماضية في طريق الاستيطان "ونحن ننظر ببالغ الخطورة الى هذه الممارسات الاسرائيلية" وتابع ان المشروع الجديد يشكل دفناً ل"خريطة الطريق" الدولية ويؤكد ان كل الوعود التي قطعت للرئيس الاميركي من جانب شارون لم تنفذ سواء بإزالة البؤر الاستيطانية او وقف الاستيطان وبناء الجدران الفاصلة. وختم بالقول ان "اسرائيل واهمة اذا ما اعتقدت انها بانسحابها من غزة تستطيع الاحتفاظ بالضفة الغربية". ووصف مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل ابو ردينة قرار الحكومة الاسرائيلية اضافة الف وحدة سكنية جديدة بأنه تحد لقرارات مجلس الامن الدولي واللجنة الرباعية. في غضون ذلك، اعلنت السفارة الاميركية في تل ابيب مساء اول من امس ان وفداً اميركياً سيصل الى المنطقة الشهر المقبل لمواكبة عملية ازالة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية التي اقيمت في عهد شارون والتزم الاخير مراراً وتكراراً ازالتها لكنه لم يفعل. وتدّعي سلطات الاحتلال ان عدد هذه البؤر 28 وانه تم تفكيك خمس منها لكن حركة "السلام الآن" التقطت صوراً جوية ل51 بؤرة فضلاً عن عشرات اخرى اقيمت في عهد الحكومات السابقة تم "اضفاء الشرعية" عليها ولم يتم شملها في اللائحة التي قدمت الى واشنطن باسماء "البؤر غير القانونية" وكان السفير الاميركي في تل ابيب دان كيرتزر حض مساعد وزير الدفاع باروخ شبيغل على الشروع في تفكيك البؤر معرباً عن "نفاد صبر بلاده من عدم قدرة الحكومة الاسرائيلية على تفكيكها". الى ذلك، ارجأ مدير مكتب رئيس الحكومة دوف فايسغلاس زيارة الى واشنطن كانت مقررة هذا الاسبوع لالتقاء مستشارة الامن القومي في البيت الابيض كوندوليزا رايس لمناقشة تعديل مسار الجدار الفاصل على نحو يتوغل بأقل عمقاً في اراضي الضفة الغربية. وافادت صحيفة "هآرتس" ان ارجاء الزيارة نجم عن عدم انجاز الجيش ترسيماً جديداً للجدار وفقاً للمعايير التي حددتها المحكمة الاسرائيلية العليا. وتوقعت الصحيفة ان يتم ذلك مطلع الشهر المقبل وان يعرض المسار المعدّل على المستوى السياسي لإقراره قبل اطلاع الاميركيين عليه. من جهته قال رئيس هيئة اركان الجيش الجنرال موشيه يعالون ان اجتماعات مصرية اسرائيلية عديدة تمت اخيراً لبحث مسألة مصير الشريط الحدودي بين القطاع ومصر وحراسته، ومنع تهريب اسلحة من مصر الى الفصائل الفلسطينية. واضاف ان اجتماعاً آخر سيعقد قريباً لبحث انتشار قوات من الوحدات الخاصة المصرية في الشريط. وأعلن يعالون ان تكلفة تنفيذ الانسحاب المزمع من القطاع تصل الى اكثر من 330 مليون دولار ستصرف على نقل قواعد جيش الاحتلال الى داخل اسرائيل واعادة انتشاره على الحدود مع غزة.