تجلّت للسلطات الأميركية صورة جديدة لآليات العمل الداخلي لتنظيم "القاعدة"، بفضل المعلومات وعناوين بريد الكتروني وغيرها من الوثائق التي عثرت عليها الاستخبارات الباكستانية في أجهزة كومبيوتر خبير المعلوماتية محمد نعيم نور خان لدى اعتقاله قرب لاهور الشهر الماضي. وبدأ المحققون يتعرفون إلى جيل جديد من الأعضاء من مستويات قيادية أقل وحديثي العهد في التنظيم، مهمتهم ملء الفراغ في الصفوف العليا الناجم عن اعتقال أو وفاة قادة التنظيم، وفقاً لتأكيد مسؤولين استخباراتيين كباراً. وقال محلل استخباراتي في وصفه هذه البنية المتوسطة الجديدة ل"القاعدة": "إنها مزيج ممن كانوا موجودين وممن ارتقوا رتبة". ويشكل هذا الاكتشاف إنجازاً مهماً لإدارة بوش وحليفتها البريطانية، لكنه في الوقت نفسه يولد صورة أكثر تعقيداً عن هيئة "القاعدة" من تلك التي يصورها الرئيس بوش لأهداف انتخابية. وتأتي هذه الاستنتاجات بعد تصريحات لمسؤولين استخباراتيين اطلعوا على المعلومات المحفوظة في كومبيوتر خان. إلا أنهم لم يتمكنوا من تحديد هوية مسؤولين آخرين في "القاعدة"، ولم يتضح لهم إلى أي مدى لا يزال أسامة بن لادن المسؤول عن التنظيم في شكل مباشر، أو عبر نائبه أيمن الظواهري. كما لا تزال الصورة قاتمة في شأن الطبقة المتوسطة التي تربط بين خان مسؤول الاتصالات لا العمليات، والصفوف العليا في "القاعدة". ويبدو أن "القاعدة" صارت اليوم أكثر مرونة من السابق في مسألة إيجاد من يملأ فراغ قادة عملياتها من أمثال خالد الشيخ محمد وأبو زبيدة ووليد محمد صالح بن عطش المعروف بخالد وجميعهم اعتقلوا. واستعاد التنظيم جزءاً من قيادته المركزية وهيكل اتصالاته باستخدام خبراء كومبيوتر لتوجيه رسائل سرية. وبعد الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدة في أفغانستان عام 2001، كان خبراء مكافحة الارهاب الاميركيون، يعتقدون أن "القاعدة" تفرقت وتحاول اعادة تشكيل صفوفها من طريق مجموعات من الخلايا غير المتماسكة. ويعتقد أن بن لادن والظواهري يختبئان في المنطقة الحدودية بين أفغانستانوباكستان. كما اعتقل عنصر آخر يشتبه بانتمائه الى "القاعدة" الأسبوع الماضي، وسلمته الإمارات الى باكستان. وبحسب إسلام آباد، فإن الاخير ويدعى سيف الله اختر مطلوب، خصوصاً في إطار اعتداءين بالمتفجرات نجا منهما الرئيس الباكستاني برويز مشرف في كانون الأول ديسمبر في مدينة روالبندي. مشرف الى ذلك، قال الرئيس الباكستاني ان "90 في المئة" من المتشددين الاسلاميين في البلاد قبض عليهم بعد حملة استمرت أربعة أسابيع كشفت عن المشتبه فيهم الرئيسيين في "القاعدة" وعن خطط لضرب أهداف في الخارج. وأكد مشرف في حديث لصحيفة "ذي نيوز" نشر امس، ان الجماعات الارهابية في باكستان تعمل على ثلاثة مستويات هي: التدبير والتخطيط والتنفيذ. وقال: "يجب أن نقتل العقل المدبر ونضبط المخطط. يجب أن نقضي على القاعدة وهذا هو الهدف النهائي". وتحدث عن استراتيجية لتخليص باكستان من التطرف من طريق اصلاح نظام التعليم مع الاستمرار في ملاحقة المتشددين. وقال: "الجميع حتى الصحف الغربية سلمت بفاعلية شبكة استخباراتنا التي حققت نجاحاً نسبته 90 في المئة في تحقيق هدف القبض على الارهابيين". وتطرق مشرف الى اعتقال عطا الرحمن زعيم خلية تابعة لجماعة سرية تعرف باسم "جند الله" تلقى اعضاؤها التدريب في مناطق قبلية على امتداد الحدود مع أفغانستان. وقال المسؤولون الباكستانيون انهم يلاحقون أربعة أو خمسة من مخططي "القاعدة" البارزين وليس زعماءها مثل بن لادن وأيمن الظواهري. ومن بين المخططين مصري معروف فقط باسم حمزة وليبي معروف باسم "ابو فرج". على صعيد آخر، أظهر تقرير لجنة التحقيق في اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001، أن الشيشان كانت الهدف الذي استحوذ على اهتمام المخططين لتلك الاعتداءات قبل عامين على وقوعها. غير أن الصدفة التي جمعت أفراد خلية هامبورغ مع مسافر غامض في أحد قطارات ألمانيا، يدعى خالد مصري، قادت المتآمرين إلى وجهة جديدة وانتهت باتصالهم بأسامة بن لادن وقيادات "القاعدة". وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" في عددها الصادر أمس، أن لقاء قطار ألمانيا عام 1999 ورد في التقرير النهائي للجنة التحقيق الأميركية في الاعتداءات، بالاستناد إلى استجوابات أبقيت طي الكتمان حتى فترة غير بعيدة. وبحسب الرواية الواردة في التقرير والتي نقلتها الصحيفة الأميركية، فإن خالد مصري الذي لم يسبق أن ورد اسمه في السجلات العامة، ألحّ على الإسلاميين في هامبورغ التخلي عن فكرة تنفيذ مهمة في الشيشان، وأن يتحدثوا إلى رجل أعمال موريتاني دبّر بدوره أول لقاء مع بن لادن. ويقول المحققون إن خلية هامبورغ ضمت إليها 11 من العناصر التي لعبت دوراً مهماً في التحضير للاعتداءات، قضى منهم ثلاثة خلال تنفيذ العملية ومن بينهم قائد المجموعة محمد عطا، ويواجه اثنان المحاكمة في ألمانيا ويعتقل اثنان في الولاياتالمتحدة وواحد في سورية، فيما لا يزال ثلاثة طليقين. ومن أبرز المعتقلين منير المتصدق الذي تجرى محاكمته حالياً في ألمانيا والذي يؤدي الإفراج عنه، إلى إسقاط ألمانيا التهم عن مواطنه عبد الغني المزودي الذي يلاحقه الاستئناف بعد تبرئته في شباط فبراير. وكانت السلطات تحدثت عن دور كبير للميكانيكي محمد حيدر زمّار في تشكيل خلية هامبورغ. ويقول المحققون إن زمّار هو عراب الخلية كما أنه شكل صلة الوصل بين أعضائها وبين قيادة "القاعدة"، فيما تقول لجنة 11 أيلول إن عراب الخلية هو رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد صلاحي. ووفقاً لشهادات جمعت من رمزي الشيبة، قالت اللجنة إن مصري، الرجل الغريب في قطار ألمانيا، حض أصوليي هامبورغ على الاتصال بصلاحي عندما عبروا له عن اهتمامهم بالانضمام إلى المقاتلين الإسلاميين الذين كانوا يقاومون الوجود الروسي في الشيشان. وبعد تنفيذ المجموعة لنصيحته، دعا صلاحي الشبان لزيارته في مدينة دويسبورغ في ألمانيا حيث كان يعمل في الاستيراد والتصدير. وتقول لجنة التحقيق إن الموريتاني المذكور شجعهم على الذهاب إلى أفغانستان بدلاً من الشيشان بسبب صعوبة عبور حدودها. ثم تولى تنسيق سفرهم إلى باكستان ولقائهم زعماء في "القاعدة"، ثم نسق للقاء بين أسامة بن لادن وبن الشيبة في كانون الأول ديسمبر 1999. واعتقل صلاحي بعد مدة وجيزة على اعتداءات 11 أيلول في غرب أفريقيا. واختفى بعد ذلك لتتردد أنباء عن أنه في القبضة الأميركية ومعتقل في غوانتانامو. أما المتطرف المغربي زكريا الصبّار الذي كان مقرباً من زعماء الخلية، فتقول اللجنة إنه غادر هامبورغ إلى باكستان في 30 آب أغسطس لإعلام قيادة "القاعدة" في أفغانستان من أن الاعتداء على الولاياتالمتحدة بات وشيكاً. وتعلم السلطات الألمانية باعتقاله، وإن كان مكان احتجازه مجهولاً. أما المغربي الألماني سعيد بهاجي الذي كان يعيش في مسكن واحد مع اثنين من خلية هامبورغ، فنجح في الاختفاء.