لو ان أحمد الطيبي معارض في برلمان عربي، لا الكنيست، كيف كنا سنصفه؟ صفة "المرحوم" هي أول ما خطر لي. غير انني أرجح ان الدكتور الطيبي ما كان وصل الى البرلمان في بلد عربي، فربما كان انتهى كالأخ منصور الكيخيا أو غيره. قبل يومين اتصلت بالدكتور الطيبي بعد ان اختارته "معاريف" الأسبوع الماضي كأفضل عضو في الكنيست، ووجدته سعيداً بتقدير عمله، مصراً على الاستمرار في الدفاع عن حقوق شعبه. وقال مراسلو "الجريدة" في الكنيست الذين اختاروا أفضل عشرة أعضاء، وفي مقدمهم أحمد الطيبي، انه "مقاتل من أجل شعبه وحقوق العرب"، كما انه "أفضل الخطباء وأذكاهم"، وهو يتمتع بطلاقة لسان، أو "سلاطة" ذاق منها خصومه السياسيون الأمرّين. وفي حين ان اختيار أحمد الطيبي أفضل عضو في الكنيست، وكان العربي الوحيد في القائمة، وسام يعلق على صدره، فإن أعزّ وسام عنده صفته اول جرحى انتفاضة الأقصى، فعندما دخل آرييل شارون، وكان في المعارضة، الحرم القدسي الشريف مع رجاله تصدّى له أحمد الطيبي وزملاؤه، وأخذوا يهتفون في وجهه "انصرف من هنا". وقامت مواجهات ورأى النائب الطيبي رجال شرطة اسرائىليين يضربون فلسطينياً مسناً فتصدى لهم، وكسرت يده اليمنى وهو يحاول دفعهم عن الشيخ الفلسطيني الذي كان سقط على الأرض. وجاءت مناسبة ثانية ليقول أحمد الطيبي لشارون ان ينصرف من مكانه، فعندما صوّت الكنيست في 7 آذار مارس الماضي على اقتراح بضرورة الحصول على غالبية 61 عضواً في الكنيست لتفكيك اي مستوطنة، بدل غالبية بسيطة، صوّت رئيس الوزراء مع الاقتراح المقدم ضد حكومته، أي صوّت ضدّ نفسه. واتصل بي الأخ أحمد في حينه، وقال لي انه اقترب من منصة الحكومة وصرخ في وجه شارون بالعبرية "أنت نصّاب"، ثم "عليك ان تنصرف من هذا المقعد وتستقيل. أغرب عنا". وأتصور برلمانياً عربياً يصرخ في وجه رئيس الحكومة أو الدولة ان يرحل، وأن يعيش ليتصل بصديق في الخارج ويحكي له ما حدث. على سبيل التذكير، اقتراح الكنيست قدمه عضو متطرف من ليكود هو يحائىل حازان وأيده بعض المتطرفين من ليكود، بينهم وزراء، وعندما صوّت شارون مع الاقتراح سخر منه أعضاء شينوي، الشريك في التحالف الحكومي، وقالوا ان شارون يصوّت ضد نفسه. وهزم الاقتراح بفارق صوت واحد، 44 مقابل 43، وقال النائب حازان معلقاً على هزيمة اقتراحه: "لقد خسر شعب اسرائيل وانتصر أحمد الطيبي". هناك متطرف آخر في الكنيست أتابع نشاطه العنصري منذ سنوات هو افيغدور ليبرمان الذي احتضنه شارون وزيراً لأنه على شاكلته، فقد بدأ حياته رئيس عصابة في الجامعة تعتدي على الطلاب اليساريين من يهود وعرب، وتابعت تطرفه العنصري وأحقاده كنائب ووزير. وفي مواجهة مع الدكتور الطيبي قال له أخونا أحمد: "أنا ولدت في قرية الطيبة لأب من يافا وأم من الرملة. وتزوجت في طولكرم وأسكن في القدس. ولكن من أين أنت؟ أنت من روسيا". وكان أحمد الطيبي قال يوماً: "ان اسرائىل دولة ديموقراطية تجاه اليهود، ويهودية تجاه العرب". لذلك قام يوم في اسرائيل شعار "بيبي أو الطيبي"، اي إما بنيامين نتانياهو، أو أحمد الطيبي، عضو "الحركة العربية للتغيير" التي تضم ثلاثة أعضاء من أصل ثمانية عرب في الكنيست الحالي موزّعين على ثلاث كتل. وفي حين أهاجم شارون وحكومته وأركان المؤسسة العسكرية الاسرائىلية، وأتهمهم بالعنصرية وبجرائم حرب، فإنني أفعل ذلك من لندن، أما أحمد الطيبي فيواجه المتطرفين داخل الكنيست، وكانت لجنة سلوك الاعضاء في الكنيست قررت إبعاد أحمد الطيبي وطلب الصانع من الكنيست ليوم ويومين على التوالي بعد تصريحاتهما تعليقاً على قصف الجيش الاسرائىلي مسيرة احتجاج في رفح استشهد فيها عشرة فلسطينيين وجرح عشرات آخرون. وكان أحمد الطيبي وصف وزير الدفاع شاؤول موفاز، ورئيس الاركان موشيه يعالون، وضباطاً آخرين في المنطقة، بأنهم "مجرمون" و"قتلة"، ويجب ان يقدموا الى محكمة جرائم الحرب الدولية. ورفض الدكتور الطيبي سحب كلامه أو الاعتذار، كما صمد عندما هدد متطرفون اسرائىليون زوجته وابنتيه. الدكتور الطيبي أصيب مرة ثانية في مواجهة احتجاجاً على بناء جدار الفصل العنصري، وهو دخل رام الله وهي محاصرة للدفاع عن الرئيس عرفات، كما دخل مخيم جنين المحاصر وواجه جنود الاحتلال على الحواجز وكان من نتائج تصريحاته النارية عن "أعمال نازية" يمارسها الجنود و"إبادة شعب" و"القتل بدم بارد" ان رفعت حصانته البرلمانية، وحاول الاعضاء المتطرفون منعه من ترشيح نفسه للانتخابات مرة ثانية. الا ان المحكمة العليا رفضت قرار اللجنة المركزية للانتخابات بطرد أحمد الطيبي وعزمي بشارة ومنعهما من الترشح للانتخابات، وسمحت لهما بإعادة الترشيح. وهكذا أعود الى ما بدأت به، فأحمد الطيبي ما كان يستطيع ان يمارس معارضته الشرسضة ضد الحكومة، لو كان برلمانياً في بلد عربي. والمحكمة العليا الاسرائىلية هي التي اعترضت على بناء جدار الفصل في أراضي الفلسطينيين. وفي حين انني كمواطن عربي من الخارج أجد الديموقراطية الاسرائىلية، كما يجدها أحمد الطيبي، لليهود قبل العرب، وفي حين انني أعتبر قرار المحكمة العليا ناقصاً، فإن الحقيقة التي تبرز من خلال نشاط الطيبي وقرار المحكمة العليا هي ان في اسرائيل قدراً من الممارسة الديموقراطية غير موجود في أي بلد عربي، واننا سنظل عاجزين أمامها ومقصرين أمام أنفسنا، حتى تقوم ديموقراطية حقيقية في البلدان العربية، من ضمنها حكم القانون.