كتب منيف الرزاز كتابه "التجربة المرة" وروى فيه كيف أن "البعث"، وقد كان حركة تحرير وتنوير وعدالة وبعث عربي، قرر اختصار الطريق إلى السلطة عبر الانقلاب العسكري. السلطة الانقلابية البعثية قضت على المعارضين ومكّنت لنفسها بأساليب قمعية، ثم دلفت نحو صفوفها الحزبية وفرضت رأياً أحادياً لا مجال فيه لحوار الرفاق ولا لاجتهاد الزملاء فخاضوا على أيدي زملائهم الانقلابيين تجربة مرة. هناك قانون نفساني اجتماعي أشار إليه لينين: إذا لم توجد كوابح فإن السلطة تصعد إلى أعلى مثلما تنحدر الماء بفعل الجاذبية إلى أسفل. وقاعدة عامة تتعلق باستغلال المسلحين رسمها أبو الطيب: ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا ينبغي أن تكون محاكمة صدام حسين مناسبة لنقد أساسي للطريق الانقلابي للسلطة ولحكم الفرد. محاكمة للطاغية ولكن صدام لم يكن وحده الطاغية، فأسلوب الوصول الى السلطة انقلابياً وأسلوب الحكم طغياناً لهما امتداداتهما في مناطق كثيرة: يقولون هند لها الغدر وحدها سجية نفس كل غانية هند ينبغى أن تكون محاكمة نظام صدام حسين محاكمة لكل النظم المماثلة له وإلا تاهت العبرة وأمكن تكرار التجربة. ولكن هؤلاء الطغاة لم ينطلقوا من فراغ بل ساهمت الهيمنة الدولية، في صورة أو أخرى، في وصولهم إلى السلطة أو محافظتهم عليها لأنهم خدموا مصالحها في مراحل تاريخية معينة. وينبغي أن تكون محاكمة صدام حسين محاكمة للانتهازية الدولية التي صنعت أو دعمت هذا النوع من النظم الباغية. نحن الشعوب التي اكتوت بنيران الطغاة نرحب بمحاكمة عادلة وعلانية لصدام حسين، محاكمة للطغيان في كل مكان وللعلاقات المريضة بين الطغاة والغزاة التماساً لدروس مفيدة تساهم في عدم إنتاج هذه التجارب المرة وفي مناخ تحول ديموقراطي تنعم به الشعوب. * إمام طائفة الأنصار المنتخب كانون الأول ديسمبر 2002. رئيس حزب الأمة القومي المنتخب نيسان أبريل 2003. رئيس وزراء السودان المنتخب نيسان 1986.