سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"السيريولوجيا" تفترض التأني في توقيت القرار في شأن الاستحقاق الرئاسي . تأخر استبعاد التمديد وظيفته لبنانية وخارجية ويطلق يد دمشق في اختيار الرئيس البديل
قال وزير لبناني قريب من دمشق ان من السذاجة بمكان الاعتقاد ان القيادة السورية ستتخلى عن خيار التمديد للرئيس إميل لحود في هذه المرحلة، ما دام لديها ما يكفي من الوقت لحسم موقفها وفقاً للمعطيات التي تتجمع لديها حتى آخر الصيف، كما ان من الخطأ الكبير الاعتقاد ان القيادة السورية حسمت اتجاهها نحو التمديد. ويشير الوزير نفسه، الذي خبر طريقة التفكير السورية الى ان الكثير مما نشهده على الساحة اللبنانية هذه الأيام من مواقف ومناورات يعبر عن عدم إلمام العديد من الفرقاء ب"السيريولوجيا" الذي يعني به البعض فن قراءة الموقف السوري في لبنان، لأنهم يستعجلون الأمور وينسبون الى دمشق ما يخالف توجهها ويؤدي الى خطأ في الحسابات. ويعدد العوامل التي تدفع دمشق الى التريث في استبعاد التمديد، كالآتي: 1- ان القيادة السورية معتادة على الصبر وطول الاناة في اتخاذ القرارات ودراسة انعكاسات اتخاذها حتى لو كانت ترى مصلحة لها في اتخاذها لأن التوقيت بالنسبة اليها مسألة أساسية لها وظيفتها ودورها في الاعلان عن هذه القرارات. 2- ان استبعاد التمديد منذ الآن يحرق ورقة تفاوضية محتملة مع الولاياتالمتحدة الأميركية أو أوروبا، خصوصاً انهما تعارضان التمديد ولو اختلفت درجة وقوفهما ضده. فاستبعاد هذا الخيار يفترض ان يأتي في سياق ما تكون بلغته مجريات العلاقة السورية - الأميركية والسورية - الأوروبية. 3- ان انهاء هذا الخيار منذ الآن يحمل مخاطر على موقعها في لبنان خصوصاً من زاوية علاقتها بالرئيس لحود نفسه. فدمشق خبرت في علاقاتها مع الرؤساء اللبنانيين مدى تدهورها في أواخر مدة حكمهم إما لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالتمديد لهم. ويسوق الوزير نفسه كيف ان علاقة القيادة السورية تدهورت سياسياً في آخر عهد الرئيس الراحل الياس سركيس نتيجة سلوكه خياراً غير خيارها في شأن الوضع الاقليمي في حينها ودعمه انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل الذي وقفت هي ضده. كذلك الحال بالنسبة الى علاقتها بالرئيس السابق أمين الجميل الذي سلك طريق تسليم العماد ميشال عون السلطة نتيجة خلافه مع دمشق على الخيارات الرئاسية. ويضيف الوزير القريب من دمشق ان المسؤولين السوريين مع اقتناعهم بعلاقتهم الخاصة جداً مع الرئيس لحود، يريدون ضمان عدم تعرضهم لمفاجآت في هذه العلاقة قد يتسبب بها اعلانهم المبكر عن عدم تحبيذهم التمديد في شكل يدفع الفريق المحيط بلحود الى اعتبار السياسة السورية في لبنان جاحدة تجاهه. ولهذا السبب فان الحد الأدنى الجدي الذي تطالب دمشق حلفاءها الذين يمانعون التمديد، وحتى بعض المعارضين التقليديين لسياستها، هو مطالبتهم "بدعم الرئيس لحود حتى نهاية عهده". من دون رأي الحلفاء 4- ان استبعاد دمشق التمديد منذ الآن سيضعها في موقع شبيه بالذي يتعرض للابتزاز من فرقاء لبنانيين كثيرين، بمن فيهم بعض الحلفاء، حول الذين سيسيل لعابهم على محاولة لعب دور عرابي العهد المقبل. فلهذا القطب مرشحه ولذاك الزعيم حصانه، وهذا ما تريد القيادة السورية تجنبه، لأنه يشتت فريق حلفائها في وقت هي تريدهم غير منقسمين. وما يجنبها انقسامهم هو تسليمهم بأن الخيار لها، نظراً الى حساسية الوضعين الاقليمي والدولي، حتى لو كان هذا الخيار التمديد. وهي بذلك تتفادى "دلع" بعضهم عليها في دعم هذا المرشح أو ذاك او في وضع شروط للقبول به. وعليه فإن تأخير قرار استبعاد التمديد من جانب دمشق سيسمح لها بأن تقول لهؤلاء الحلفاء: لقد وقفتم ضد هذا الخيار وخضتم معارك في مواجهته أحرجتنا. وفي مقابل تجاوبنا معكم في هذا الموقف يفترض ان تتجاوبوا مع الخيار البديل الذي نتجه اليه، فلا تضعوا شروطاً ولا تلحوا على مطالب ولا تطلبوا استبعاد هذا أو ذاك من المرشحين. وينتهي الوزير الى ترجيح استبعاد التمديد، في اللحظة الأخيرة، نظراً الى ان حسابات دمشق تنطلق من تعاطيها مع الوضع الدولي الراهن وقيادتها ليست من النوع الذي يغامر بالعلاقة مع أوروبا التي تعارض هذا الخيار في وقت ما زالت المفاوضات حول اتفاق الشراكة السورية - الأوروبية يلاقي صعوبات تهتم دمشق بتذليلها. وهي لذلك لن تدع مسألة التمديد عائقاً أمام تذليل تلك الصعوبات خصوصاً ان الموقف الأوروبي من مساعدة لبنان على معالجة وضعه الاقتصادي مرتبط بالتركيبة السياسية التي ستتولى ادارته في السنوات المقبلة. والقيادة السورية تدرك ان تحصين الوضع الاقتصادي اللبناني في مصلحتها اكثر من أي فريق آخر. فبعض القادة الأوروبيين أبلغوا مسؤولين لبنانيين صراحة ان موجبات الشراكة الأوروبية - اللبنانية، "سياسية إضافة الى الموجبات الاقتصادية". ويضيف: أما في العلاقة مع واشنطن ومطالبها من سورية فإن القول ان امكان الحوار بين الجانبين قد يطلق يد سورية في لبنان على الصعيد الداخلي، اذا انتهى هذا الحوار الى اتفاق ما ولو مرحلي، على بعض المسائل الاقليمية، وهذا قد يزيد من فرص التمديد، هو استباق لهذا الحوار. فدمشق لا بد من أن تفكر بصيغة جديدة تحمي نفوذها اللبناني تحسباً للمرحلة التالية.