كسر الفقراء في القاهرة احتكار العائلات الكبيرة والغنية ل"بيزنس" الكلاب في مصر، وتحولت الاحياء الفقيرة بفعل الازمة الاقتصادية الضاغطة الى مزارع شعبية للكلاب، وصار طبيعياً ان يقسم موظف صغير أو عامل مياوم سطح منزله إلى غرف خشبية عدة يستخدمها لتزويج الكلاب وتهجينها وتربيتها في محاولة مستميتة لتحسين دخله في مواجهة مطالب الابناء المتزايدة. ودخلت الاحياء الشعبية الى الصناعة الفئوية التي تنتعش كثيراً مع تعاظم ثراء الطبقات الغنية لتنافس عائلات عريقة استقرت على احتكار تلك التجارة الترفيهية وحافظت لفترة طويلة على ان تبقى اسواقها شبه مغلقة على اصحابها، وساعدها في ذلك ارتباط تربية الكلاب بمزارع الخيول حتى اصبحت مزارع الكلاب هي احد المكملات التجارية في اقتصاد تربية الخيول، وهو اقتصاد باهظ التكاليف. وتتفاوت اسعار الجراء الصغيرة في المزارع الشعبية بين 500 و15000 جنيه 70 و2000 دولار تقريباً وهي اسعار تقل كثيراً عن الاسواق التقليدية لتلك الانواع الاصيلة من الكلاب، فالجرو الصغير من سلسلة "الغريد دين" وهو كلب حراسة قوي يبدأ من 700 جنيه 85 دولاراً ويرتفع حتى 12000 جنيه بحسب اصول الكلب وشكله وقوته وتدريبه وعمره ايضاً، أما الكلب "الدلميشن" وهو كلب مرقط بالأبيض والاسود ويرجع سر انتشاره الى "والت ديزني" فيراوح سعر الجرو الصغير منه بين 700 و5000 جنيه. وتتنوع الكلاب المتوافرة في الاسواق المصرية تنوعاً شديداً، ويعتبر الكلب "السلوقي" المصري الاصل الأندر والأغلى والأذكى في العالم ويستورد من اوروبا، كما يتميز الكلب "الفرعوني" وهو الكلب الذي نشاهد رسومه على لوحات المعابد وفي البرديات الكثيرة بالرشاقة الفائقة، فالأرجل طويلة والصدر عريض، والخصر دقيق، وله وجه طويل مسحوب، ويعتبر الكلب المصري اكثر الانواع تهديداً بالانقراض على رغم ان الطلب عليه مرتفع الا ان الاعداد الموجودة منه قليلة للغاية. هناك ايضاً في الاسواق المصرية الكلب "الوولف" وهو من أشهر الكلاب في العالم وتحت هذه السلالة تُدرج انواع كثيرة، منها البلجيكي والفرنسي، وتختلف في لون الشعر وطوله، وهو من الكلاب العريقة والاصيلة التي لم يتدخل الانسان في مواصفاتها، ويعتبر كلباً ودوداً وطيباً وقوياً ايضاً. وينافس "الوولف" الكلب "البوكسر" القوي بوجهه المفلطح المخيف وصدره العريض، وتحول "البوكسر" بالتهجين الى كلب مدلل معظم الوقت مقاتل احياناً، إضافة الى أنواع أخرى منها "الماستيف" و"الدينوا" و"البولدوغ" و"الدوبرمان". ويعتبر كلب "الشيواوا" من اكثر الكلاب انتشاراً ومبيعاً في السوق المصرية. و"الشيواوا" كلب صغير جداً بحجم كف اليد، لطيف المنظر وجميل مع انه عصبي المزاج وموطنه الاصلي جنوب اميركا. ويحمل بعض الكلاب شهادات نسب معتمدة من الخارج - لا يوجد في مصر مراكز او متخصصة بأنساب الكلاب - ويرتفع سعر الكلب كثيراً اذا أصر المشتري على توفير شهادة بالنسب. وفرضت تلك الأسواق الرائجة ظهور الكثير من العيادات الطبية، وأنواع جديدة من جراحات التجميل للكلاب وذلك فضلاً عن ظهور الاسواق المتخصصة في بيع مستلزمات الكلاب من طعام واكسسوارات وشامبوات! والكلب بصفة عامة يستحم ثلاث مرات في الصيف ومرة كل عشرة ايام في الشتاء ويجفف بفوطة خاصة ويترك في الشمس حتى يجف تماماً حيث يدهن بمحلول مطهر يحميه من الحشرات، ويستخدم في غسل الكلب شامبوات واملاحاً ومعادن من شأنها الحفاظ على لمعان شعره وعينيه وعلى حيويته ونشاطه. ويتناول الكلب ثلاث وجبات يومياً تقل الى وجبتين ثم وجبة واحدة بعد البلوغ، ويجب أن يتنوع طعامه، وان يحتوي الرز والخضروات واللحوم والدهون أيضاً. ويبلغ متوسط سعر علبة الطعام المحفوظ التي تكفي لوجبة واحدة 17 جنيهاً، اما كيلو الطعام المجفف الذي يخلط بالماء فيصل سعره الى 40 جنيهاً. ويتحايل المربون الجدد على تكاليف التربية الباهظة باختراع وجبات رخيصة تتمثل في عمل خلطة من فضلات اللحم الاحمر وبواقي تنظيف الدجاج مع بعض فول الصويا والخضروات ويُفرم الخليط ويسوى مع بعض الزيت ليساعد على تسهيل مرور الطعام في الامعاء، فضلاً عن قليل من الملح. وتعتبر احياء الزاوية الحمراء والشرابية وشبرا وبولاق الدكرور والعباسية من اهم الاحياء التي دخلت اسواق تربية الكلاب، وهي احياء فقيرة ومكتظة بالسكان وتعيش على خط التماس مع الاحياء الغنية. يذكر أن اشهر العائلات التي عرفت بتربية الكلاب عائلة خطاب في نزلة السمان في الهرم وعائلة الطحاوية في الشرقية، والحسيني وشريف عدن وقبنوري في الاسكندرية، فضلاً عن اسماء اخرى مثل السيد غباشي في الاسماعيلية وهو اهم وأشهر المربين، ووجدان البربري. وتحتكر تلك العائلات والاسماء تربية الخيول العربية الاصيلة في مصر. وهناك مدن وقرى كاملة تخصصت في تربية الكلاب، منها مثلاً مدينة المحلة الكبرى احدى مراكز محافظة الغربية، وقرية فينيش مركز المنصورة وتخصصت تلك القرية في انتاج الكلاب "الغريد دين".