حذر فريق من الاقتصاديين الأميركيين والبريطانيين في دراسة مشتركة، يتوقع أن تفرض نفسها على الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، من أن الولاياتالمتحدة التي ارتفعت عجوزاتها ومديونيتها الداخلية والخارجية العامة والخاصة الى مستويات تاريخية تسير الى"وضع كارثي". ورأت الدراسة أن الوسيلة الوحيدة لتجنب ذلك هي خفض سعر صرف الدولار الى ثلثي"قيمته الحقيقية". ويبدو من المؤكد أن توافر فرص النجاح لهذا الحل المقترح سيدعم حظوظ الرئيس جورج بوش في الفوز بفترة رئاسية ثانية، وان كان سيلحق بالقيمة الشرائية للاستثمارات الدولية المقيمة في الولاياتالمتحدة خسائر تصل الى آلاف البلايين من الدولارات. فيما يستعد المتنافسان على منصب الرئاسة الأميركية لاعلان برامجهما السياسية والاقتصادية أو تأكيدها، السيناتور جون كيري في مؤتمر الحزب الديم,قراطي المنعقد في بوسطن حالياً والرئيس بوش في مؤتمر الحزب الجمهوري المقرر أن ينعقد في نيويورك نهاية الشهر المقبل، شدد اقتصاديون من جامعة كامبريدج البريطانية ومعهد ليفي للدراسات الاقتصادية التابع لجامعة بارد في نيويورك على أن التحدي الأكبر الذي ينتظر الادارة المقبلة يتمثل في معالجة وضع مالي متفاقم سيترتب على السماح له بالاستمرار تهديد آفاق الاقتصادين الأميركي والعالمي. وأوضح الاقتصاديون في دراسة فنية شديدة التخصص أن كل المؤشرات الرئيسية للوضع المالي لأميركا، الموازنة المالية والحساب الجاري والديون، مهددة بالتردي وأكدوا أن استمرار تفاقم العجز المالي للحكومة الفيديرالية ليصل الى ما يعادل تسعة في المئة من اجمالي الناتج المحلي وارتفاع سعر الفائدة، كنتيجة لتردي الوضع المالي، الى أكثر من خمسة في المئة يعنيان أن الولاياتالمتحدة ستجد نفسها مطالبة بديون داخلية وخارجية تعادل القيمة الاجمالية لناتجها المحلي في غضون عدد قليل من السنين، من دون استبعاد احتمال حدوث مزيد من التدهور في الفترة اللاحقة. ولاقتراح مخرج من"وضع كارثي"، درست مجموعة الاقتصاديين التي ضمت أسماء مشهورة مثل واين غودلي وآليكس ايزوريتا عدداً من السيناريوهات المحتملة واستنتجت أن الحل الوحيد المتاح يكمن في جعل صافي الصادرات المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي من الآن فصاعداً، لكنها شددت على أن هذا الحل الذي يتطلب خفض الواردات وزيادة الصادرات لن يتحقق ما لم تجد أميركا طريقة تضمن لها انخفاض سعر صرف الدولار مقابل عملات كل شركائها التجاريين سعر الصرف الحقيقي بنسبة خمسة في المئة سنوياً في السنوات الأربع وربما الخمس المقبلة من دون حساب نسبة الانخفاض الكبيرة التي حدثت حتى الآن. وفي استنتاج ثانوي مثير يدعم حلها المقترح، وجدت المجموعة أن عجز الحساب الجاري الأميركي الضخم محصلة العجز التجاري وصافي التحويلات المالية سيكون المؤشر الوحيد الذي لن يتفاقم في الفترة المقبلة، وعزت ذلك الى انخفاض سعر صرف الدولار الحقيقي بنسبة تسعة في المئة في الفترة من شباط فبراير عام 2002 الى الفصل الثاني من السنة الجارية، مشيرة الى الأثر الايجابي الذي يحدثه ضعف الدولار في الميزان التجاري الأميركي، اذ يرفع كلفة الواردات مساهماً في انخفاضها في المدى المتوسط، ويعزز في المقابل الصادرات بجعلها أقل كلفة للمستهلك الدولي. وبدا أن الاقتصاديين حادوا عن الموضوعية العلمية ووجهوا رسالة تأييد لسياسات طرف رئيسي في الانتخابات الرئاسية، اذ أكدوا أن ادارة بوش خففت بواسطة السياسات النقدية والمالية التي طبقتها من حدة الركود الذي أصاب الاقتصاد الأميركي في السنة الأولى من فترتها الرئاسية، الا أنها قلبت الوضع المالي لأميركا رأساً على عقب مع بدء تحويل سلسلة ضخمة من الفوائض المالية المحققة والمحتملة التي ورثتها من الادارة السابقة الى سلسلة أكبر ضخامة من العجوزات المالية التي ساهمت أساساً في اضعاف الدولار وازاحته عن ذروته في الثاني من شباط عام 2002. وما حدث للوضع المالي الأميركي كان مذهلاً، اذ أن الفائض الذي تحقق في الموازنات الثلاث الأخيرة لادارة الرئيس السابق بيل كلنتون وبلغت قيمته 2.686 تريليون دولار انقلب الى عجز تزيد قيمته على تريليون دولار في الموازنات الثلاث الأولى لادارة بوش. وعلاوة على ذلك كان مكتب الموازنة التابع للكونغرس توقع سنة ألفين، السنة الأخيرة لادارة كلنتون، تحقيق فوائض مالية بقيمة 5.6 تريليون دولار في 10 سنوات، الفترة من سنة 2001 الى 2010، الا أن التقديرات الحالية تتوقع لفترة السنوات العشر من 2005 الى 2014 عجزاً تصل قيمته الى 1.9 تريليون دولار وقد يرتفع الى 4.1 تريليون في ظروف خاصة تقررها الانتخابات الرئاسية. ويختلف الأميركيون على كل شيء تقريباً في رئيسهم الثاني والأربعين، سوى أن عدداً كبيراً من الاقتصاديين الأميركيين يتفق على أن القضاء على عجز مزمن في الموازنة الأميركية يعود الى أسباب كثيرة تشمل حسن الطالع وتفجر ثورة المعلومات ومعجزة الانترنت وواحدة من أطول فترات ازدهار النشاط الاقتصادي الأميركي، علاوة على"سياسة الدولار القوي"التي أعلنتها ادارة كلنتون في وقت متأخر من فترتها الرئاسية الأولى وارتكزت أساساً على ضبط الانفاق، لكنها ألهبت أسواق المال وجعلت من الاستثمار في الأسهم الأميركية عامل اثراء ليس للمستهلك الأميركي، المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي، وحسب بل للمستثمر الدولي. وطبقا لمدير البرامج في مركز الأسواق المالية، وهي مؤسسة أبحاث متخصصة في درس السياسات النقدية والمالية للحكومة الأميركية، لعبت السياسة النقدية دوراً مهماً في سياسة الدولار القوي وساهمت، عبر ضمان أن يوفر سعر الفائدة الأميركية للمستثمر الدولي هامشاً مغرياً، مقارنة بأسعار الفائدة المنافسة، في تدفق الاستثمارات الدولية الى السوق الأميركية بمستويات غير مسبوقة سيما في الفترة الرئاسية الثانية لادارة كلنتون حين اجتذبت أميركا في المتوسط زهاء 70 في المئة من صافي التدفقات الاستثمارية الدولية، الرسمية والخاصة، سنوياً. ولكن الاستثمارات الدولية، التي ارتفعت قيمتها من 3.2 تريليون دولار في بداية عهد كلنتون الى 8.98 تريليون دولار في نهايته واستمرت بالارتفاع لتصل الى 10.5 تريليون دولار في نهاية العام الماضي، عمقت انكشافها على تقلبات الوضع المالي لأميركا خصوصاً تفاقم عجز الموازنة وما يعتبره اقتصاديون تخلي ادارة بوش عن سياسة الدولار القوي عندما خفضت، في السنة الأولى لولايتها، سعر الفائدة الأميركية الى ما دون مستويات الفائدة المنافسة وبتسارع كبير ساهم، الى جانب عوامل أخرى، في تدهور سعر صرف الدولار بحدة مقابل العملات الرئيسية مقتطعاً من القيمة الشرائية لهذه الاستثمارات. ويقدر حجم الخسائر التي لحقت بالقيمة الشرائية للاستثمارات الدولية المقيمة في أميركا، كنتيجة لانخفاض سعر صرف الدولار، بنحو 950 بليون دولار في العام الماضي وبالمقارنة حققت الاستثمارات الأميركية التي بلغت قيمتها في السنة المذكورة 7.9 تريليون دولار أرباحاً، من أسعار الصرف فقط، بقيمة 469 بليون دولار، لكن هذه الخسائر ستتضاعف ثلاث مرات في حال لم تجد أميركا وسيلة لمعالجة وضعها المالي سوى رفع نسبة انخفاض سعر الصرف الحقيقي للدولار من تسعة في المئة حالياً الى 33 في المئة في نهاية سنة 2008. وفي تطور يمكن أن يتيح للاستثمارات الدولية تنفس الصعداء، اعترفت مجموعة الاقتصاديين البريطانيين والأميركيين بأن الخفض المطلوب في سعر صرف الدولار سيكون صعب التحقيق في الفترة المقبلة، سيما أن غالبية الشركاء التجاريين الرئيسيين، وفي المقدمة منطقة اليورو واليابان، لاتبدو مستعدة للتضحية بأكثر مما فعلت حتى الآن. والمؤكد أن هذا الاعتراف يحرم الرئيس بوش من حل يحظى عملياً بإجماع الاقتصاديين الأميركيين، لكنه لن يخفف من صعوبة المهمة التي ستفرضها الانتخابات الرئاسية والمتمثلة في اثبات براءة ادارته من مسؤوليتها عن تدهور مؤشرات الوضع المالي لأميركا مثل ارتفاع الدين العام من 5.7 تريليون دولار الى 7.5 تريليون دولار.