قبل اقتراح ادارة الرئيس جورج بوش على الكونغرس أخيراً اقتطاع بلايين الدولارات من عائدات الضرائب الأميركية لضمان استمرار التفوق الاسرائيلي العسكري والاقتصادي بلغ ما حصلت عليه اسرائيل من المساعدات الأميركية قرابة 150 بليون دولار بينما تؤكد أكثر التقديرات المحافظة أن أميركا تواجه كماً هائلاً من الديون 32 تريليون دولار التي تطلب سداد فوائد الجزء العام منها فقط العام الماضي انفاق 360 بليون دولار، ما يعادل قيمة الناتج المحلي لمصر والامارات والسعودية والمغرب مجتمعة. تكشف العشرات من الحملات الفردية في الانترنت وغيرها أن المواطن الأميركي العادي القلق على أطفاله من مستقبل مثقل بالأعباء يشعر بالفزع من ديون تُقدر برقم فلكي يصل الى 32 تريليون دولار ويساوي، حسب أحدث معطيات البنك الدولي، القيمة الاجمالية لما أنتجه 6.1 بليون انسان من سكان الأرض من السلع والخدمات ويرتب على الفرد الأميركي 115 ألف دولار من الديون، ما يناهز ثلاثة أضعاف حصته من أو مساهمته في اجمالي الناتج المحلي لبلاده عام 2001. وضمن توليفة الالتزامات التي تُثقل كاهل المجتمع الأميركي ككل لا ينحصر القلق في الدين العام على رغم كونه الوحيد المعترف بخطورته في أوساط الاقتصاديين، اذ يغطي الرقم الفلكي للدين كل الأنواع التقليدية من الديون: المحلية والخارجية، الحكومية والخاصة، والتزامات المستهلكين وديون الشركات. وتحظى هذه الالتزامات المتنوعة بشيء من اهتمام المسؤول الأميركي والاقتصادي وان كانت الأضواء تسلط عليها منفردة في الغالب ومجتمعة في القليل النادر. وفي اطار الأضواء المنفردة أبدى رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي آلان غرينسبان أخيرا مخاوفه أن المستوى القياسي الراهن من ديون المستهلك الأميركي، التي تُقدر بأكثر من 7.5 تريليون دولار، بواقع 28 ألف دولار لكل فرد، قد يشكل عقبة أمام احتفاظ الطلب المحلي بزخمه في الفصول المقبلة، ما يُعتبر شرطاً ضرورياً لضمان استمرار الانتعاش الاقتصادي الذي أكدت سلسلة من المؤشرات الحكومية انطلاقه حديثا. ولم يخف غرينسبان خشيته من أن يكون المستهلك الأميركي أنهك طاقاته الشرائية بعد موجة انفاق هائلة أطلقها بدوافع وطنية بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر مساهماً في وضع حد سريع لأقصر مرحلة ركود في تاريخ الاقتصاد الأميركي. وعلى رغم الجهود التي بذلها هذا الاقتصادي المخضرم لخفض أسعار الفائدة الأساسية الى مستوى تاريخي، عملا بمبدأ اقتصادي يؤكد أن المخاطر لا تكمن في المديونية المرتفعة بل في أعباء الديون، الا أن أحداً لم يستطع حتى الآن الجزم حول ما يخفيه المستقبل القريب. ومما يزيد في صعوبة التنبؤ أن المستهلك الأميركي، الذي يعاني أصلا من انخفاض مزمن في معدلات الادخار، تلقى ضربة مؤلمة اثر انهيار ثروته السهمية من 15 تريليون دولار في 31 كانون الأول ديسمبر 1999 الى 8 تريليونات في 30 أيلول سبتمبر 2001 لكنه في المقابل استعاد نحو نصف خسائره 3.5 تريليون دولار حتى بداية الشهر الجاري وحقق، وفق باحثين عقاريين في مصرف "رويال بانك أوف كندا"، مكاسب ضخمة تُقدر بنحو تريليوني دولار من جراء ارتفاع أسعار العقارات في الفترة ذاتها. وتشكل ديون الشركات، التي تثير الجدل حول مخاطرها على رغم تسليم الاقتصاديين بضرورتها، مصدرا آخر للقلق لدى المواطن الأميركي العادي، ولا سيما المستثمر، الا أنها لا تقتصر عليه هذه المرة، اذ كنتيجة مباشرة لانخفاض معدلات الادخار لدى هذا المواطن تضطر الشركات الأميركية للتعويل على سخاء المستثمر الدولي وثقته من أجل تمويل بعض استثماراتها وبالتالي زيادة ديونها التي سجلت رقماً قياسياً بعدما باتت تقدر بنحو 6.9 تريليون دولار، ما يعادل قرابة 70 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الأميركي العام الماضي. ويرى المراقبون الآن أن محاولة اخفاء الديون عن المستثمرين كانت السبب الرئيسي وراء الانهيار المدوي لعملاق تجارة الطاقة "انرون كورب" وغيرها من الشركات الكبرى في الشهور الأخيرة، بينما يجد المستثمرون مصادر اضافية للقلق في تحذير مؤسسة تصنيف ائتماني عملاقة مثل "موديز" من أن تدهور الأوضاع الائتمانية للشركات الأميركية، تحت ضغوط مديونيتها وأرباحها المخيبة للآمال، قد يستمر السنة الجارية وللعام الخامس على التوالي. بليون دولار يومياً ويتشكل الدين العام من ضعف الأداء التجاري المزمن للولايات المتحدة وتراكم عجوزات موازناتها منذ منتصف الستينات ثم تضاعف في فترة التسعينات مرتفعاً بمعدلات عالية نحو بليون دولار يومياً حتى عندما تخلصت الموازنة الحكومية من العجوزات وانتقلت الى الفوائض في أواخر هذه الفترة وذلك قبل أن تعود ثانية الى العجوزات في موازنة السنة المالية الجديدة التي تبدأ في تشرين الأول أكتوبر المقبل. وبلغت أعباء هذا الدين في العقد الأخير 3.64 تريليون دولار، ما يعادل 38.2 مليون دولار في كل ساعة من ساعات النهار. لكن مخاوف المواطن العادي وحتى الاقتصادي تميز بين حقيقتين جديدتين وهما أن مجلس الاحتياط الفيديرالي رفع حصته من الدين العام في الفترة الأخيرة الى نحو 50 في المئة وأن المستثمرين الدوليين، لا سيما كبار المستثمرين اليابان وبريطانيا وفي درجة أقل بعض دول منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك، رفعوا هم أيضا حصتهم من 14 في المئة في بداية العقد المنصرم الى زهاء 20 في المئة في الوقت الراهن أي من 492 بليون دولار سنة 1991 الى 1.218 بليون دولار في نهاية كانون الثاني الماضي. 600 بليون دولار استثمارات عربية ويرى الاقتصاديون في تطور الدين العام مؤشراً على أن المستثمر الدولي يعتبر أميركا ملاذا آمناً ومصدراً مضموناً للدخل لكنهم يعترفون أن تغير مزاج المستثمر لسبب ما مثل انزلاق الدولار عن قمة يتربع عليها منذ أعوام أو ظهور بديل محتمل، سيضع أميركا في موقف صعب سيما أن سندات الخزينة تستوعب ثلث المبلغ الاجمالي للاستثمارات الدولية التي تقدرها مؤسسة "مورغن ستانلي" بنحو 4.7 تريليون دولار، من ضمنها مبلغ يراوح بين 600 و800 بليون دولار من الاستثمارات العربية، حسب تقديرات غير رسمية. المساعدات لاسرائيل لكن الملفت أن المحذرين من مخاطر أعباء الديون من مواطنين عاديين واقتصاديين يتجاهلون أن ما لا يقل عن 150 بليون دولار من الدين العام، وفق الدبلوماسي الأميركي المخضرم ريتشارد كيرتس انفقت بشكل رئيسي في الفترة من 1967 الى 2001 لضمان تفوق اسرائيل العسكري والاقتصادي في الشرق الأوسط، وأن أعباء هذا الدين الذي يجعل أميركا أكبر الدول المدينة على الاطلاق، اشتملت على قرابة 50 بليون دولار من الفوائد التي سددتها الحكومة الأميركية على قروض قدمتها لاسرائيل. ولا تشمل الأرقام المشار اليها 2.7 بليون دولار اقترحت ادارة الرئيس جورج بوش تقديمها لاسرائيل في السنة المالية الجديدة، وكالعادة، دفعة واحدة في بداية السنة، في ما تشير تقارير الى أن اسرائيل التي ستحصل على 2.1 بليون دولار بشكل مساعدات عسكرية، ستسعى، عبر رئيس وزرائها ارييل شارون في زيارته المقبلة لواشنطن ومناصريها في الكونغرس، للحصول على المزيد من المساعدات العاجلة للخروج من الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها في الوقت الراهن.